شعر عن المطر
المطر
تمنح كلمة المطر الإحساس بتدفق المشاعر والأحاسيس والرّقة والشّفافية، فهي كلمة شاعريّة استلهم منها الشّعراء قصائدهم في الحبّ والجمال والعطاء، إذ يُشعرك المطر بنقاء وصفاء كلّ شيء من حولك، فيجعل المُحبّين يعيشون في عالمٍ من الأحلام الورديّة، فيتخيّل المُحبّ نفسه يسير مع محبوبه في عالم جميل تحت قطراته العذبة.
شعر عن المطر
من أبرز القصائد التي قيلت في المطر ما يأتي:
عاد المطر يا حبيبة المطر
عاد المطرُ، يا حبيبة المطرْ
كالمجنون أخرج إلى الشّرفة لأستقبلهْ
وكالمجنون، أتركه يبلل وجهي
وثيابي
ويحوّلني إلى إسفنجة بحريّة
المطر
يعني عودة الضّباب، والقراميد المُبلّلة
والمواعيد المُبلّلة
يعني عودتك وعودة الشّعر
أيلول يعني عودة يدينا إلى الالتصاقْ
فطوال أشهر الصّيف
كانت يدكِ مسافرة
أيلول
يعني عودةَ فمك، وشَعْرك
ومعاطفك، قفّازاتك
وعطركِ الهنديّ الذي يخترقني كالسّيفْ
المطر يتساقط كأغنية مُتوحّشة
ومطركِ
يتساقط في داخلي
كقرع الطّبول الإفريقيّة
يتساقط
كسهام الهنود الحُمرْ
حبي لكِ على صوت المطرْ
يأخذ شكلاً آخر
يصير سنجاباً
يصير مهراً عربيّاً
يصير بجعة تسبح في ضوء القمرْ
كلما اشتدَّ صوتُ المطرْ
أنشودة المطر
عَيْنَاكِ غَابَتَا نَخِيلٍ سَاعَةَ السَّحَرْ
أو شُرْفَتَانِ رَاحَ يَنْأَى عَنْهُمَا القَمَرْ
عَيْنَاكِ حِينَ تَبْسُمَانِ تُورِقُ الكُرُومْ
وَتَرْقُصُ الأضواء كالأقمار في نَهَرْ
يَرُجُّهُ المِجْدَافُ وَهْنَاً سَاعَةَ السَّحَرْ
كَأَنَّمَا تَنْبُضُ في غَوْرَيْهِمَا، النُّجُومْ
وَتَغْرَقَانِ في ضَبَابٍ مِنْ أَسَىً شَفِيفْ
كَالبَحْرِ سَرَّحَ اليَدَيْنِ فَوْقَهُ المَسَاء
دِفءُ الشِّتَاءِ فِيهِ وَارْتِعَاشَةُ الخَرِيف
وَالمَوْتُ، وَالميلادُ، والظلامُ، وَالضِّيَاء
فَتَسْتَفِيق مِلء رُوحِي، رَعْشَةُ البُكَاء
كنشوةِ الطفلِ إذا خَافَ مِنَ القَمَر
كَأَنَّ أَقْوَاسَ السَّحَابِ تَشْرَبُ الغُيُومْ
وَقَطْرَةً فَقَطْرَةً تَذُوبُ في المَطَر
وَكَرْكَرَ الأَطْفَالُ في عَرَائِشِ الكُرُوم
وَدَغْدَغَتْ صَمْتَ العَصَافِيرِ عَلَى الشَّجَر
أُنْشُودَةُ المَطَر
مَطَر
مَطَر
مَطَر
تَثَاءَبَ الْمَسَاءُ، وَالغُيُومُ مَا تَزَال
تَسِحُّ مَا تَسِحّ من دُمُوعِهَا الثِّقَالْ
كَأَنَّ طِفَلاً بَاتَ يَهْذِي قَبْلَ أنْ يَنَام
بِأنَّ أمَّهُ - التي أَفَاقَ مُنْذُ عَامْ
فَلَمْ يَجِدْهَا، ثُمَّ حِينَ لَجَّ في السُّؤَال
قَالوا لَهُ "بَعْدَ غَدٍ تَعُودْ"
لا بدَّ أنْ تَعُودْ
وَإنْ تَهَامَسَ الرِّفَاقُ أنَّها هُنَاكْ
في جَانِبِ التَّلِّ تَنَامُ نَوْمَةَ اللُّحُودْ
تَسفُّ مِنْ تُرَابِهَا وَتَشْرَبُ المَطَر
كَأنَّ صَيَّادَاً حَزِينَاً يَجْمَعُ الشِّبَاك
وَيَنْثُرُ الغِنَاءَ حَيْثُ يَأْفلُ القَمَرْ
مَطَر
مَطَر
أتعلمينَ أيَّ حُزْنٍ يبعثُ المَطَر
وَكَيْفَ تَنْشج المزاريبُ إذا انْهَمَر
وكيفَ يَشْعُرُ الوَحِيدُ فِيهِ بِالضّيَاعِ
بِلا انْتِهَاءٍ - كَالدَّمِ الْمُرَاقِ، كَالْجِياع
كَالْحُبِّ، كَالأطْفَالِ، كَالْمَوْتَى - هُوَ الْمَطَر!
وَمُقْلَتَاكِ بِي تُطِيفَانِ مَعِ الْمَطَر
وَعَبْرَ أَمْوَاجِ الخَلِيج تَمْسَحُ البُرُوقْ
سَوَاحِلَ العِرَاقِ بِالنُّجُومِ وَالْمَحَار
كَأَنَّهَا تَهمُّ بِالشُّرُوق
فَيَسْحَب الليلُ عليها مِنْ دَمٍ دِثَارْ
أصيح بالخليج "يا خليجْ يا واهبَ اللؤلؤ، والمحار، والردى!"
فيرجعُ الصَّدَى
كأنَّه النشيجْ
يَا خَلِيجْ يَا وَاهِبَ المَحَارِ وَالرَّدَى
أكاد أسمع العراق يذْخرُ الرعودْ
ويخزن البروق في السّهول والجبالْ،
حتى إِذا ما فضَّ عنها ختمها الرّجالْ
لم تترك الرياح من ثمودْ
في الوادِ من أثرْ.
أكاد أسمع النخيل يشربُ المطر
وأسمع القرى تئنّ، والمهاجرين
يصارعون بالمجاذيف وبالقلوع،
عواصف الخليج، والرعود، منشدين:
" مطر…
مطر…
مطر…
وفي العراق جوعْ
وينثر الغلالَ فيه موسم الحصادْ
لتشبع الغربان والجراد
وتطحن الشّوان والحجر
رحىً تدور في الحقول... حولها بشرْ
مطر...
مطر...
مطر...
وكم ذرفنا ليلة الرحيل، من دموعْ
ثم اعتللنا – خوف أن نلامَ – بالمطر...
مطر...
مطر...
ومنذ أنْ كنَّا صغاراً، كانت السماء
تغيمُ في الشتاء
ويهطل المطر،
وكلَّ عام – حين يعشب الثرى – نجوعْ
ما مرَّ عامٌ والعراق ليس فيه جوعْ.
مطر...
مطر...
مطر...
في كل قطرة من المطر
حمراءُ أو صفراء من أجنَّة الزَّهَرْ.
وكلّ دمعةٍ من الجياع والعراة
وكلّ قطرة تراق من دم العبيدْ
فهي ابتسامٌ في انتظار مبسم جديد
أو حُلمةٌ تورَّدتْ على فم الوليدْ
في عالم الغد الفتيّ، واهب الحياة!
مطر...
مطر...
مطر...
سيُعشبُ العراق بالمطر... "
أصيح بالخليج" يا خليج.
يا واهب اللؤلؤ، والمحار، والردى! "
فيرجع الصدى
كأنَّه النشيج:
" يا خليج
يا واهب المحار والردى. "
وينثر الخليج من هِباته الكثارْ،
على الرمال،: رغوه الأُجاجَ، والمحار
وما تبقّى من عظام بائسٍ غريق
من المهاجرين ظلّ يشرب الردى
من لجَّة الخليج والقرار،
وفي العراق ألف أفعى تشرب الرَّحيقْ
من زهرة يربُّها الفرات بالنَّدى.
وأسمع الصدى
يرنّ في الخليج
" مطر..
مطر..
مطر..
في كلّ قطرة من المطرْ
حمراء أو صفراء من أجنَّةِ الزَّهَرْ.
وكلّ دمعة من الجياع والعراة
وكلّ قطرةٍ تراق من دم العبيدْ
فهي ابتسامٌ في انتظار مبسمٍ جديد
أو حُلمةٌ تورَّدت على فم الوليدْ
في عالم الغد الفتيّ، واهب الحياة. "
ويهطل المطرْ
قصائد المطر
أمامَ المرآةِ
كان المطرُ
يتساقطُ على النافذةِ
وأنا كنتُ ألملمُ نهاياتِ الضفيرةِ
عن دموعِ المشط
الفتياتُ
يحملنَ المظلّات
خشيةَ البلل
لذا
يزعلُ المطرُ
ويرحل
مَنْ يغسلُ للمطرِ ثيابَهُ اللّازورديةَ؟
إذا اتّسختْ بغبارِ المدينةِ
وأين ينامُ إذا رحلتِ السّحبُ؟
وتركتهُ وحيداً، مُلتصقاً
على زجاجِ النّوافذ المغلقة
وحين يفكّرُ بمصاحبةِ امرأة
مَنْ ستتسكّعُ معه في الشّوارعِ؟
وتتحمّلُ بروقَهُ ورعودَهُ؟
واضعاً يدَهُ على خدهِ
ويفكّرُ في غربةِ المطر
أيّها المطرُ
إبقَ في الشّوارعِ نزقاً
كالقططِ والأطفالِ
ابقَ على الزّجاجِ لامعاً
مُنساباً كقطراتِ الضّوءِ
ولا تدخلْ في معاطفِ الأثرياء
إلى المحلاتِ
خشيةَ أن تتلوّثَ يداكَ البيضاوان
بالنّقود
المطرُ أبيض
وكذلك أحلامي
ترى هل تفرّقُ الشّوارعُ بينهما؟
المطرُ حزين
وكذلك قلبي
ترى أيهما أكثر ألماً؟
حين تسحقهما أقدام العابرين
أيّها المطرُ
يا رسائلَ السّماءِ إلى المروجِ
علّمني كيف تتفتقُ زهرةُ القصيدةِ
من حجرِ الكلام
حين يموتُ المطرُ
ستشّيعُ جنازتَهُ الحقولُ
وحدها شجيرةُ الصبر
ستضحكُ في البراري
شامتةً من بكاءِ الأشجار
المطرُ يعبرُ الجسر
المواشي تعبرُ الجسر
الغيومُ تعبرُ الجسر
الحافلاتُ تعبرُ الجسر
أيها الجسرُ – يا قلبي –
إلى مَتى تبقى منشطراً على النّهر
ولا تعبر الضّفةَ الثّانية
أيّها المطرُ
– يا صديقي المغفّل –
حذارِ من التسكّعِ على أرصفةِ المدنِ المعلّبةِ
ستتبدّدُ – مثلي – لا محالةً
قطرةً، قطرةً
وتجفُّ على الإسفلتِ
لا أحد يتذكركَ هنا
وحدها الحقولُ البعيدةُ
ستبكي عليك
على وقع المطر
أمطري، لا ترحمي طيفي في عمق الظّلام
أمطري، صُبّي عليّ السّيل، يا روح الغمام
لا تُبالي أن تعيديني على الأرض حطام
وأحيليني، إذا شئت، جليداً أورخام
اتركي ريح المساء الممطر الدّاجي تجنّ
ودعي الأطيار، تحت المطر القاسي، تئنّ
أغرقي الأشجار بالماء ولا يحزنك غصن
زمجري، دوّي، فلن أشكو، لن يأتيك لحن
أمطري فوقي، كما شئت، على وجهي الحزين
لا تبالي جسدي الرّاعش، في كفّ الدّجون
أمطري، سِيلي على وجهي، أوغشّي عيوني
بلّلي ما شئت كفيّ وشعري وجبيني
أغرقي، في ظلمة اللّيل، القبور البالية
والطمي، ما شئت أبواب القصر العالية
أمطري، في الجبل النّائي، وفوق الهاوية
أطفئي النّيران، لا تبقي لحيٍّ باقيه
آه ما أرهبك الآن، وقد ساد السّكون
غير صوت الرّيح، في الأعماق، تدوي في جنون
لم تزل تُهَمي، من الأمطار، في الأرض عيون
لم يزل قلبي حزيناً تحت أمواج الدّجون
أيّها الأمطار، قد ناداك قلبي البشريّ
ذلك المغرق في الأشواق، ذاك الشاعريّ
اغسليه، أم ترى الحزن حماه الأبديّ
أنّه، مثلك يا أمطار، دفّاق نقيّ
أبدأ يسمع، تحت اللّيل، وقع القطرات؟
ساهما يحلم بالماضي وألغاز الممات
يسأل الأمطار: ما أنت؟ وما سرّ الحياة؟
وأنا فيم وجودي؟ فيم دمعي وشكاتي؟
أيّها الأمطار ما ماضيك؟ من أين نبعت؟
أابنة البحر أم السّحب أم الأجواء أنت؟
أم تُرى أدمع الموتى الحزانى قد عُصِرت؟
أم دموعي أنت يا أمطار في شدوي وصمتي؟
ما أنا؟ ما أنت يا أمطار؟ ما ذاك الخضمّ؟
أهوالواقع ما أسمع؟ أم صوتك حلم؟
أيّ شيء حولنا؟ ليل وإعصار وغيم
ورعود وبروق وفضاء مدلهمّ
أسفاً لست سوى حلم على الأرض قصير
تدفن الأحزان أيّامي ويلهوبي شعوري
لست إلّا ذرّة في لجّة الدّهر المُغير
وغداً يجرفني التيّار، والصّمت مصيري
وغداً تدفعني الأرض سحاباً للفضاء
ويُذيب المطر الدفّاق دمعي ودمائي
ما أنا إلّا بقايا مطر ملء السّماء
ترجع الرّيح إلى الأرض به ذات مساء
أمطري، دوّي، اغلبي ضجّة أحزاني ويأسي
أغرقيني، فلقد أُغرِقت في الآلام نفسي
مطر ناعم
مطر ناعم في خريف بعيد
والعصافير زرقاء، زرقاء
والأرض عيد
لا تقولي أنا غيمة في المطار
فأنا لا أريد
من بلادي التي سقطت من زجاج القطار
غير منديل أمي
وأسباب موت جديد
مطر ناعم في خريف غريب
والشّبابيك بيضاء، بيضاء
والشّمس بيّارة في المغيب
وأنا برتقال سليب
فلماذا تفرّين من جسدي؟
وأنا لا أريد
من بلاد السّكاكين والعندليب
غير منديل أمّي
وأسباب موت جديد
مطر ناعم في خريف حزين
والمواعيد خضراء خضراء
والشّمس طين
لا تقولي رأيناك في مصرع الياسمين
كان وجهي مساء
وموتى جنين
وأنا لا أريد
من بلادي التي نسيت لهجة الغائبين
غير منديل أمّي
وأسباب موت جديد
مطر ناعم في خريف بعيد
والعصافير زرقاء، زرقاء
والأرض عيد
والعصافير طارت إلى زمن لا يعود
وتريدين أن تعرفي وطني
والذي بيننا
وطني لذّة في القيود
قبلتي أُرسلت في البريد
وأنا لا أريد
من بلادي التي ذبحتني
غير منديل أمّي
وأسباب موت جديد