شعر الهجاء في العصر الجاهلي
شعر الهجاء في العصر الجاهلي
طقوسه في الجاهلية
كان للهجاء في الجاهلية طقوس معينة كما أشارت الكتب والروايات ، فكان الشاعر إذا أراد الهجاء لبس حلة خاصة وانتعل نعلاً واحدة، وحلق رأسه وجعل له ذؤابتين، ثم يدهن نصف رأسه، وكان العرب يتشاءمون منه، ويحاولون التخلص من أذاه ما استطاعوا. وقد أطلق على بعض قصائد الهجاء أسماءاً خاصة بها بسبب ما تركته من أثر في المهجوين.
طرقه وأساليبه في الشعر العربي
وللهجاء في الشعر العربي طريقتين واضحتين:
- الأول: يذكر فيه الشاعر العيوب المعنوية و النفسية من خلال معاني الهجاء التي تقوم على تجريد المهجو من الخصال الحسنة والصفات الحميدة ومما يعتز به كل رجل عربي كالنسب الأصيل والشجاعة والكرم وحماية الجار وإغاثة الملهوف وما إلى ذلك من محاسن الأخلاق، ورميه بنقيضها من صفات البخل والغدر والنسب الوضيع .
- والثاني: يذكر فيه العيوب الجسدية ويقوم على السخرية من المهجو ورسم صورة مضحكة له، أي يتناول الشكل لا الصفات الشخصية بغية إضحاك الناس، وهنا ظهر فيما بعد ما يشبه الرسم «الكاريكاتوري» في الشعر.
أنواع الهجاء في العصر الجاهلي
الهجاء المُقذِع
فيه يلجأ الشاعر إلى طريقة الهجاء المباشر للخصم والذكر الصريح له ، إضافة إلى التهديد والوعيد والشتم، ولأنّ الشاعر في هذا الأسلوب يبدأ بالخصومة ويُجاهر بالعداوة حيث يشعر السامع أنّ المهجوّ هو المظلوم، فينفر من سماع القصيدة.
مثال ذلك قول الشاعر الحطيئة عندما هجا أمه:
جَزاكِ اللَهُ شَرّاً مِن عَجوزٍ
:::وَلَقّاكِ العُقوقَ مِنَ البَنينا
تَنَحَّي فَاِجلِسي مِنّا بَعيداً
:::أَراحَ اللَهُ مِنكِ العالَمينا
أَغِربالاً إِذا اِستودِعتِ سِرّاً
:::وَكانوناً عَلى المُتَحَدِّثينا
أَلَم أوضِح لَكِ البَغضاءَ مِنّي
:::وَلَكِن لا إِخالُكِ تَعقِلينا
حَياتُكِ ما عَلِمتُ حَياةُ سوءٍ
:::وَمَوتُكِ قَد يَسُرُّ الصالِحينا
الهجاء العفيف
فيه يلجأ الشاعر إلى أسلوب التلميح ومقارنة الخصم بغيره وتفضيله عليه، ويعدّ هذا الأسلوب أكثر ذكاءً وإيجاعًا من الأسلوب الثاني؛ فالشاعر فيه يكسب السامع أو القارئ ولا يُنفّره.
ومثال ذلك قول الشاعر أوس بن حجر :
إِذا ناقَةٌ شُدَّت بِرَحلٍ وَنُمرُقٍ
:::إِلى حَكَمٍ بَعدي فَضَلَّ ضَلالُها
كَأَنَّ بِهِ إِذ جِئتَهُ خَيبَرِيَّةً
:::يَعودُ عَلَيهِ وِردُها وَمُلالُها
كَأَنّي حَلَوتُ الشِعرَ حينَ مَدَحتُهُ
:::صَفا صَخرَةٍ صَمّاءَ يَبسٍ بِلالُها
أَلا تَقبَلُ المَعروفَ مِنّا تَعاوَرَت
:::مَنولَةُ أَسيافاً عَلَيكَ ظِلالُها
بعض قصائد الهجاء من العصر الجاهلي
من قصائد الهجاء في العصر الجاهلي ما يأتي :
قصيدة فَإِن يَأتِكُم مِنّي هِجاءٌ للشاعر أوس بن حجر
يقول أوس بن حجر:
فَإِن يَأتِكُم مِنّي هِجاءٌ فَإِنَّما
:::حَباكُم بِهِ مِنّي جَميلُ اِبنُ أَرقَما
تَجَلَّلَ غَدراً حَرمَلاءَ وَأَقلَعَت
:::سَحائِبُهُ لَمّا رَأى أَهلَ مَلهَما
فَهَل لَكُمُ فيها إِلَيَّ فَإِنَّني
:::طَبيبٌ بِما أَعيا النِطاسِيَّ حِذيَما
فَأُخرِجَكُم مِن ثَوبِ شَمطاءَ عارِكٍ
:::مُشَهَّرَةٍ بَلَّت أَسافِلَهُ دَما
وَلَو كانَ جارٌ مِنكُمُ في عَشيرَتي
:::إِذاً لَرَأَوا لِلجارِ حَقّاً وَمَحرَما
وَلَو كانَ حَولي مِن تَميمٍ عِصابَةٌ
:::لَما كانَ مالي فيكُمُ مُتَقَسَّما
قصيدة ألا بلحت خفارة آل لأم لبشر بن ابي خازم
يقول بشر بن ابي خازم :
أَلا بَلَحَت خِفارَةُ آلِ لَأمٍ
:::فَلا شاةً تَرُدُّ وَلا بَعيرا
لِئامُ الناسِ ما عاشوا حَياةً
:::وَأَنتَنُهُم إِذا دُفِنوا قُبورا
وَأَنكاسٌ غَداةَ الرَوعِ كُشفٌ
:::إِذا ما البيضُ خَلَّينَ الخُدورا
ذُنابى لا يَفَونَ بِعَهدِ جارٍ
:::وَلَيسوا يَنعَشونَ لَهُم فَقيرا
إِذا ما جِئتَهُم تَبغي قِراهُم
:::وَجَدتَ الخَيرَ عِندَهُمُ عَسيرا
فَمَن يَكُ جاهِلاً مِن آلِ لَأمٍ
:::تَجِدني عالِماً بِهِمُ خَبيراً
قصيدة فَلَيتَ لَنا مَكانَ المَلكِ عَمروٍ لطرفة بن العبد
يقول طرفة بن العبد :
فَلَيتَ لَنا مَكانَ المَلكِ عَمروٍ
::: رَغوثاً حَولَ قُبَّتِنا تَخورُ
مِنَ الزَمِراتِ أَسبَلَ قادِماها
- وَضَرَّتُها مُرَكَّنَةٌ دَرورُ
يُشارِكُنا لَنا رَخِلانِ فيها
- وَتَعلوها الكِباشُ فَما تَنورُ
لَعَمرُكَ إِنَّ قابوسَ بنَ هِندٍ
- لَيَخلِطُ مُلكَهُ نوكٌ كَثيرُ
قَسَمتَ الدَهرَ في زَمَنٍ رَخيٍّ
- كَذاكَ الحُكمُ يَقصِدُ أَو يَجورُ
لَنا يَومٌ وَلِلكِروانِ يَومٌ
- تَطيرُ البائِساتُ وَلا نَطيرُ
فَأَمّا يَومُهُنَّ فَيَومُ نَحسٍ
- تُطارِدُهُنَّ بِالحَدَبِ الصُقورُ
وَأَمّا يَومُنا فَنَظَلُّ رَكباً
- وُقوفاً ما نَحُلُّ وَما نَسيرُ