شعر أبو العتاهية عن الأم
قصيدة أبي العتاهية في رثاء أمه
تنوّعت الأغراضُ الشعريّة في شعر أبي العتاهية مِن: غزلٍ ورثاءٍ ومديحٍ وزهدٍ ووصفٍ وحكمة، ومن أجمل قصائد أبي العتاهية تلك التي كتبها في رثاءِ أمِّهِ، حيث يذكر فيها مآثرها وأخلاقها بعاطفةٍ جيّاشة، تنبع منها مشاعرُ الحُزن، حيث تنسابُ الألفاظ على لسانه سلسلةً، وتتدفّق المعاني كالماء بِديباجة منظومة، دون تكلّف أوغموض، يقول أبو العتاهية:
عليكِ سلامُ الله يا أميَ التي
- بكتكِ رجالٌ والنساءُ العواطفُ
رحلتِ وفي صدري أزيزُ مراجلٍ
- وبركانُ أوجاعٍ من البيْنِ جارفُ
رحلتِ فَحَلَّ الحزنُ بالبيتِ غِرةً
- وفَجَّعنا ريحٌ من الخطبِ قاصفُ
رحلتِ فظلَ الحزن بعدك سامرًا
- وأرّقني جَفنٌ عن النومِ عازفُ
رحلتِ وفي الإحسان منكِ شواهدٌ
- وفزتِ بسبقٍ لم يَنَلهُ الخوالفُ
رحلتِ وطاعاتُ الرَّحيمِ شفيعةٌ
- ستشهد يومًا حين تطوى الصحائفُ
رحلتِ وقد أرسيْتِ بيْتًا وأسرةً
- وفي كنفِ الأعوامِ غُرٌ سوالفُ
رحلتِ وقد أذْكيتِ فينا كرامةً
- وقلبكِ في وجهِ المذلةِ واكِفُ
رحلتِ وعندَ اللهِ عفوٌ وجنةٌ
- ورَوْحٌ وريحانٌ بها الظَّلُ وارِفُ
غيورةُ أخلاقٍ الى الدينِ تنتمي
- عزيزٌ عليها أنْ تحَّلَ السفاسفُ
سليلةُ احرارٍ على هديِ أحمدٍ
- ونورٌ لأنْجالٍ على الطودِ نائفُ
لقد عشتِ عمرًا بالفضائلِ زاخرًا
- فلله عمرٌ بالمكارمِ زاحفُ
لا جبرَ اللهُ المصابَ فإنه أليمٌ
- فما يبْرى وفي الصدرِ راجفُ
أما والذي أبكى واضحك عِبرةً
- فلا القولُ فيها ولا الفعلُ ناصفُ
وحسبي أنْ سطرتُ بالشعرِ أدمعًا
- وكلُّ قصيدٍ في رثا الأمِّ راصفُ
ألا ليْتَ شِعري هل أبيتَّنَ ليلةً
- وأطيافُها وسطَ المنامِ ترادفُ
ليطفئ شوقًا لا يطاق ولوعةً
- ولكن بعض الحلم بالنوم حائفُ
جزاكِ إلهُ الكونِ بالخلدِ منزلًا
- به سندسٌ خضرٌ وفيه الرفارفُ
على أملٍ باللهِ أنّا سنلتقي
- على سررِ الفردوسِ فالله رائفُ
سنذكرُ وعدًا من مليكٍ مهيمنٍ
- بجنةِ عدنٍ حين يهتفُ هاتفُ
سلام عليكم فادخلوها برحمةٍ
- ويمتازُ في جناتِ عدنٍ تعارفُ
ألا ربِّي فاغفر لي قصورًا جهِلتهُ
- وأيَّ عقوقٍ دونَ قصدٍ يقارفُ
نسب أبي العتاهية
أبو العتاهية هو أبو اسحاق بن اسماعيل بن أبي القاسم إسماعيل، ولد في العراق في مدينة عين تمر قرب الأنبار عامَ 130هـ، جدُّه من موالي بني عنزة، وأمّه من موالي بني زهرة، توفّي قرب بغداد ودُفِنَ فيها.
لُقب بأبي العتاهية، وغلبت كنيته على اسمه؛ لانشغالة في شبابه بحياة اللهو والمجون وقيل إنّ الخليفة المهدي نعتَه بأنّه "إنسان متحذلقٌ ومعتِهٌ"، وكلاهما قولان صحيحان؛ إذ بدأ شبابه بالمجون واللهو ثمّ اتجه في آخر حياته إلى التنسّك والزهد.
نبوغ أبي العتاهية في الشعر
بدأ أبو العتاهية حياتَه ببيع الجِرار في الكوفة، لكنّ نفسه كانت تميل إلى الشعر، فكان يَجري على لسانه بانسياب، فهَجَر حرفة الجرار، وقصدَ بلاط الخليفة المهدي وأسمعه شعرًا، فأثنى عليه وأغدقه بالجوائز، وقد أشاد أئِمَّةُ عصره له من أدباء ونحاة ببراعته في صناعة الشعر، ومنهم: أبو نواس ، والمبرّد، إذ قال المبرد: إنَّ في شعره ديباجة، وفي ألفاظه سهولة وطلاوة، من غير غموض ولا تعقيد.