شروط الأضحية من البقر
شروط الأضحية من البقر تبعاً للمذاهب
البقر جنسٌ من الحيوانات يلحق الجاموس به، ويُطلَق على الذَّكر والأنثى منه، وتجدر الإشارة إلى أنّ الفُقهاء عادلوا بين البقر والجاموس في الأحكام؛ بالنَّظر إلى أنّهما من الجنس نفسه. وقد تعدّدت شروط الفقهاء في أُضحية البقر، وبيان تفصيلهم فيما يأتي:
شروط الأضحية من البقر عند الحنفيّة
اشترطوا في البقر أن يكون سن الأضحية قد تجاوز السنَتَين، وسلامتها من العيوب والأمراض؛ فلا تصحّ الأُضحية بالعمياء، أو العوراء، أو العجفاء؛ وهي النحيفة جدّاً، أو المهزولة، أو العرجاء، أو مقطوعة الأُذن أو الذَّنَب.
أو الهتماء؛ أي التي لا أسنان لها، أو الجلّالة؛ أي التي ترعى في أماكن النجاسات. ويجوز اشتراك سبعة أشخاصٍ في بقرةٍ واحدةٍ، إلّا أنّ الأفضل ذَبْح الشاة إن تساوى اللحم مع السُّبع.
شروط الأضحية من البقر عند المالكيّة
اشترطوا في أُضحية البقر إدراك ثلاث سنواتٍ من العُمر، وقالوا بأفضليّة الضأن؛ لِما ورد عن الإمام البخاريّ عن أنس بن مالك -رضي الله عنه-: (كانَ النبيُّ -صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- يُضَحِّي بكَبْشينِ، وأَنَا أُضَحِّي بكَبْشينِ)، واشترطوا للاشتراك في الأُضحية من البقر أن يكون المُشتركون سبعة، ولا يصحّ الأكثر.
كما اشترطوا سلامة الأُضحية من العيوب، والأمراض الواضحة البَيِّنة؛ فلا تصحّ الأُضحية بالعوراء، أو العمياء حتى وإن كانت العين قائمةً، أو مقطوعة اليد، أو الرِجل، أو غيرهما، أو البَكماء، أو الصمّاء، أو البخراء؛ أي ذات رائحة الفم المُنتِنة.
أو الصَّمعاء؛ أي صغيرة الأُذن، أو العَجفاء؛ أي الهزيلة أو النحيفة جدّاً، أو البتراء؛ أي مقطوعة الذَّنَب، أو المريضة البَيِّن مرضها، أو المجنونة جنوناً دائماً، أو العرجاء عَرَجاً بَيِّناً، أو الجرباء، وإن كانت العيوب السابقة خفيفةً فلا ضَرر.
شروط الأضحية من البقر عند الشافعيّة
قالوا بأن مما يُشترَط في أُضحية البقر السِنّ؛ أي أن تكون قد دخلت في عامها الثالث، بالإضافة إلى خُلّوها من العيوب والأمراض التي قد تُسبّب نقصاً في اللحم، أو الهُزال فيها بحيث يكون وزن الأضحية قليل.
لِما ورد عن البراء بن عازب -رضي الله عنه- عن رسول الله -عليه الصلاة والسلام-: (أربعٌ لا تُجزئُ في الأضاحيِّ: العَوراءُ البيِّنُ عوَرُها، والمريضةُ البيِّنُ مرضُها، والعَرجاءُ البيِّنُ ظَلعُها، والكسيرةُ الَّتي لا تُنقي قالَ: فإنِّي أَكْرَهُ أن يَكونَ نقصٌ في الأذنِ، قالَ: فما كرِهْتَ منهُ، فدعهُ، ولا تحرِّمهُ على أحدٍ).
وذهبوا إلى أنّ الأُضحية بالبقر من أفضل الأضاحي بعد الإبل ، ويُمكن أن يشترك فيها سبعة أشخاصٍ؛ استدلالاً بما أخرجه الإمام مسلم عن جابر بن عبدالله -رضي الله عنه-: (نَحَرْنَا مع رَسولِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ- عَامَ الحُدَيْبِيَةِ البَدَنَةَ عن سَبْعَةٍ، وَالْبَقَرَةَ عن سَبْعَةٍ).
شروط الأضحية من البقر عند الحنابلة
اشترطوا في البقر أن تكون قد بلغت السنَتَين؛ لِما ورد في صحيح مسلم عن النبيّ -عليه الصلاة والسلام-: (لا تَذْبَحُوا إلَّا مُسِنَّةً، إلَّا أنْ يَعْسُرَ علَيْكُم، فَتَذْبَحُوا جَذَعَةً مِنَ الضَّأْنِ)، والمُسِنّة من البقر؛ مَن بلغت سنَتَين من عُمرها.
ويجوز اشتراك سبعة أشخاصٍ في أُضحية البقر؛ إذ يُجزئ السُّبع منها عن الشخص نفسه، وعن أهل بيته، ولا تجوز الزيادة على سبعةٍ؛ ليحصل الثواب من الأُضحية، ويتحقّق المقصود منها.
الشروط العامة
تُشترَط في الأُضحية من البقر بعض الشروط العامة لصحة الذبح، وبيانها فيما يأتي:
- كونها من بهيمة الأنعام
يقصد بالأنعام: الإبل، والبقر ومنه الجاموس، والغنم بكلّ أنواعه، وقد اتّفق العلماء على ذلك؛ لقَوْله -تعالى-: (وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكًا لِّيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ)، وبذلك يجوز للمُضحّي أن يتّخذَ أيّاً من الأنعام السابقة أضحيةً له.
- إسلام المُضحّي أو الذّابح
وهو شرط صحّة عند المالكيّة ، ومُستحَبٌّ عند غيرهم.
- أداء الأضحية في وقتٍ مخصوصٍ
كَرِه الحنفيّة الذَّبْح ليلاً كراهةً تنزيهية، وقال المالكيّة بعدم صحّة الأضحية إن كانت ليلاً، وقال الشافعيّة بأنّ الذَّبْح يكون من وقت صلاة الضحى من يوم النَّحر إلى غروب شمس آخر أيّام التشريق، ليلاً ونهاراً، مع كراهته ليلاً؛ استدلالاً بحديث جُبَير بن مطعم -رضي الله عنه-: (فكُلُّ فجاجِ منًى مَنحَرٌ وفي كلِّ أيَّامِ التَّشريقِ ذبحٌ).
واتّفق الحنابلة مع الشافعيّة، إلّا أنّهم قالوا بأنّ آخر الوقت هو غروب شمس اليوم الثاني من أيّام التشريق؛ وقد استدلّوا بحديث البراء بن عازب -رضي الله عنه-: (إنَّ أوَّلَ ما نَبْدَأُ به في يَومِنا هذا نُصَلِّي، ثُمَّ نَرْجِعُ فَنَنْحَرُ).
- السلامة من العيوب
يجب أن يكون الحيوان المُضحّى به خالياً من أيّ عَيبٍ، أو نَقصٍ يضرّ باللحم، وقد اتّفق العلماء على أربعة عيوبٍ، وهي: العَوَر، والعَرَج، والمَرَض، والضَّعف أو الهُزال.
كيفيّة تذكية البقر
التذكية هي: الذَّبْح، أو النَّحْر، وتُذكّى الواحدة من البقر بجعلها على جانبها الأيسر على الأرض، بحيث تُوثَق وتُحكَم قوائمها الثلاث دون الرِّجْل اليُمنى، ويُمسِك الذابح رأس الأضحية بيده اليسرى، والسكين باليد اليمنى، مع الحرص على توجيه الأضحية والذابح إلى القِبلة ، والبدء بالذَّبْح بعد التسمية والتكبير، بقَوْل: "بسم الله والله أكبر".
ومن الطرق الأخرى في تذكية البقر نحرها، بأن تطعن أسفل الرقبة، وهي واقفة، لكن الأفضل في البقر الذبح، بخلاف الإبل التي يعد النحر فيها أفضل.
حِكمة مشروعيّة الأُضحية
جاء تشريع الأُضحية في السنة الثانية للهجرة ، قال -تعالى-: (فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ)، وتُتيح الأضحية للعباد التقرُّب من ربّهم، وشكره على ما مَنّ به عليهم، كما أنّ فيها استشعارٌ وإحياءٌ لسُنّة نبيّ الله إبراهيم -عليه السلام- مع ابنه إسماعيل -عليه السلام-؛ وذلك حين أمر الله -تعالى- إبراهيم بذَبحه، فاستجابا لأمره، إلّا أنّ الله حال بينه وبين ذَبْحه ابنه، وفَداه بكبشٍ عظيمٍ.
كما أنّ في توزيع الأُضحية ومشاركتها مع الأقارب والمُحتاجين تكافلاً وتعاوُناً، وسدّاً لحاجات الناس؛ تقرُّباً لله -تعالى- بالعطاء والبَذْل؛ بإخلاص النيّة له وحده -جلّ جلاله-، كما أنّ فيه إظهارٌ لمعاني وحدة الأمّة الإسلاميّة في شتى بقاع الأرض.
وتُعد الأضحية مَظهراً من مظاهر عيد الأضحى التي تُحقّق البَهجة والفَرح للعبد؛ كبيراً كان أم صغيراً، غنيّاً أم فقيراً، وفيها إظهارٌ لنِعَمِ الله التي لا تُحصى، وهي تطبيقٌ لقَوْله -تعالى-: (وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ)، ويتعلّم المسلم حُبّ الله، والامتثال لأوامره، و الصبر عليها؛ إذ إنّ ذلك من صفات المؤمنين العابدين المُستشعِرين لِعَظَمته وحِكمته في المواقف كلّها.
نص غليظ