بحث عن غياب الطلاب
الالتزام
إنّ مسألة الالتزام في الحياة تنعكس على شخصية الإنسان في جميع شؤونه، فإن بدأ الإنسان حياته بلا مبالاة، وعدم التزام بالحضور إلى المدرسة، أو الجامعة، فإنّ ذلك سينعكس على شخصيته في المستقبل، والتي ستُبنى على اللامسؤولية، والعشوائية، والاستهتار، وعدم الجدية، فالالتزام عنصر أساسيّ من عناصر النجاح، سواء في الدراسة، أو العمل، أو حتى على صعيد العلاقات الشخصية، وتكثر هذه الصفة لدى الطلاب الذين لا زالوا على مقاعد الدراسة، حيث تجد بعضهم يتغيب عن الحضور إلى المدرسة، أو الجامعة، غير مبالٍ، وغير مكترث بعواقب الأمور، والنتائج المترتبة على غيابه، فما هو سبب غياب الطلاب؟
غياب الطلاب
هنالك عدّة أسباب تؤدي لتغيّب الطالب، وقد يؤدّي السبب الواحد منها أو اجتماعها جميعاً لذلك الأمر، وتلك الأسباب تتعلّق بمكان الدراسة، والمعلم، والأهل، والطالب نفسه، حيث سنتحدث عن هذه الأسباب بشكل مفصل، ثم سيتمّ طرح الحلول في نهاية كل سبب، ذلك أنّ هذه الأسباب هي عبارة عن مشاكل يعاني منها الطالب، لابدّ لها من حلول، والتفصيل كالتالي:
كُرْه التعليم
إنْ كَرِه الطالب الدراسة والتعلم فإنّه سيكره الحضور لمكان الدراسة ولن يلتزم، خاصة أنّه يكره ما يفعله، فحتى لو حضر إلى المكان فقد لا يدخل إلى القاعة، بل سيعتبر حضوره اليومي إلى مكان الدراسة عبارة عن رحلة يومية، ونزهة يقضي فيها يومه، ولن يدخل إلى القاعة لتلقي التعليم، وقد يكون سبب كره الطالب للتعليم هو جهله للهدف الرئيسي من الدراسة، فهو لا يعي تماماً ما هي أهمية الدراسة، ولا يلقي لها بالاً، ويعتقد أن لا أهمية لها.
يتم التعامل مع هذه المشكلة من خلال تحويل هذا الكره إلى حب، ويكون ذلك من خلال الأهل، حيث يجب عليهم أن يخلقوا لدى ابنهم الدافع وحب الدراسة والتعلم، حيث يبدأ الأهل مع أبنائهم بالتحفيز المعنويّ، ثم التحفيز المادي، ويكون التحفيز المعنوي بالعبارات التشجيعية، وحثه على التفكير في المستقبل وبيان مدى أهمية الدراسة، وتأثيرها على مستقبله الزاهر، وبأن الشهادة هي سلاح ستحميه في المستقبل من أي مشكلة تواجهه، وبأنه لن يتقدم في حياته إن لم يحصل على الشهادة، وطرح النماذج المباشرة له من الأشخاص المتعلمين، والأشخاص غير المتعلمين، كما يتمّ التحفيز المادي من خلال تقديم الهدايا، والمكافآت له مقابل النجاح في الامتحانات، والتقدّم في دراسته، وبالتالي يتولد لدى الطالب الدافع، الذي سيجعله يحبّ الدراسة ويُقبل عليها، ويُصبح طالباً ملتزماً.
كُرْه المُعلّم
قد يكره الطالب المُحاضر، أو المعلم الذي يُدرّسه وبالتالي لن يُقبل على تلقي التعليم عنده فهو وبسبب كرهه له قد وضع بينه وبين المعلم حاجزاً نفسياً، وسيقف هذا الحاجز في وجهه وبالتالي لن يستطيع فهم ما يتلقاه، ويدفعه للتغيب عن الحضور.
يتمّ التعامل مع هذه المشكلة من خلال معرفة الأسباب التي أدّت إلى كره الطالب المعلم، ودفع الطالب للتحدث بصراحة عن الموضوع، فقد لا يكون سبب كُرْه المعلم هو الطالب، بل قد يكون للطالب سببٌ وجيه في كرهه للمعلم، وهنا يجب على الأهل، والهيئة التدريسية التدخل، ومحاولة حل الموضوع، ومشاركة المعلم ذاته في المسألة، حتى الوصول إلى حل يهدم ذلك الحاجز الذي بناه الطالب بينه وبين معلمه، وهنا يجب أن لا نُلقي اللوم دائماً على الطلاب، فقد نجد أحد المعلمين يستخدم القسوة والشدة مع الطلاب في أسلوب التدريس، ومن الطلاب من لا يتحمل هذا الأسلوب فقد يخلق لديه الرعب من المادة ومن المدرسة، ويبدأ بكره التعلم، والمعلم، والمدرسة بشكل عام.
كُرْه الطلاب
قد يكره الطالبُ الطلابَ من حوله، ويشعر كأنه غريب بينهم، خاصة إن انتقل إلى مدرسة جديدة، وكذلك إن لم يكن هناك تقارب بين بيئته وبيئة الطلاب من حوله، أي في حال كان هناك فارق اجتماعيّ بينه وبين الطلاب، فإن كانت هناك مشكلة بين الطالب وغيره من الطلاب سيؤدّي ذلك إلى غيابه المتكرر، وعدم التزامه، حتى وإن كان طالباً متفوقاً.
يلزم الأهل بداية أن ينتقوا بيئة دراسية مناسبة لبيئة ابنهم، فقد تؤثر فيه بيئة الطلاب من حوله، سواء كانوا أعلى منه مستوىً، أو أدنى، كما على الأهل أن ينمّوا لدى ابنهم روح الشجاعة، والمواجهة، ومصارحتهم بأيّ مشكلة تحصل بينه وبين أحد من الطلاب، وإفهامه بأنّ المشاكل بين الطلاب قد تحصل باستمرار، ويجب عليه أن لا يترك الأمور تتطوّر دون إعلامهم، أو إعلام الإدارة بما يحصل معه.
كسل الطالب
التغيب المستمرّ من قبل الطالب هو دليل على مدى كسله وإهماله، فالمفروض إن كانت هناك مشكلة لديه تمنعه من الذهاب إلى مكان الدراسة أن يحاول حلها، ولا يستسلم للأمر، إذاً فإن اللامبالاة الموجودة لدى الطالب هي المسبب الرئيسيّ لغيابه، وقد لا تكون بسبب فشله في الدراسة، بل قد تكون لعدم جديته، واستهتاره، ولهوه المستمر، وسهره، وانشغاله بأمور غير مفيدة، ورفاق السوء، وقد يستمر الطالب في هذه الحالة إن لم يجد من يتابعه من ذويه، فإن أهمل في دراسته، ولم يجد من يقف له بالمرصاد ليتخلص من لامبالاته، سيتمادى، بالأمر، ولن يكترث، وهذا دور الأهل، والإدارة، فأسلوب العقاب قد يردع الطالب عن التمادي في كسله، وبالتالي مداومته وعدم تغيبه، كما يجب على الأهل أن يعرفوا من أصحاب أبناءهم، ومن هم رفاقهم،
لكن ينبغي أن تكون هذه الإجراءات العقابية تدريجية، حيث يتم أولاً بتنبيهه، ثم إبلاغ أهله، ثم حرمانه من المادة، عندها سيبدأ الطالب بربط مسألة الغياب بمسألة العقاب، فلا يُقدم أبداً على التغيب في المستقبل عن المدرسة لأنّه يعرف العقاب، والذي قد يؤدي إلى إخراجه من المدرسة، وعدم تمكنه من اللحاق بأبناء جيله.
إهمال الأهل
يجب على الأهل أن يتابعوا أبناءهم باستمرار سواء طلاب المدرسة أو طلاب الجامعة، ويسألوا دائماً عن أحوالهم الدراسية، وحضورهم، والتزامهم، بل يجب عليهم متابعتهم إن لم يكن بشكل يوميّ فبشكل أسبوعي، ويسألونهم عن المواد التي أخذوها ويتابعون برنامجهم الدراسيّ، والامتحانات، ولا مانع من الزيارات الدورية للمدرسة، وبالتالي فإن لم يقم الأهل بتلك المتابعة لأبنائهم فإنّ ذلك سيقود الطلاب إلى التغيّب، فليس هناك رقيبٌ عليهم، وليس هناك من يحاسبهم، وهنا وبما أنّ أصل المشكلة هم الأهل، فلا ينتظروا حلاً من أحد، فيجب عليهم محاسبة أنفسهم أولاً، قبل محاسبة ابنهم، فكيف لهذا الطالب أن يلتزم بدوامه، وأهله وأسرته غير مكترثين به، أو بدراسته، وغير متابعين له، ثمّ يأتي دور الإدارة، حيث تقوم بتوعية أهالي الطلاب إلى هذه المسألة، وتزويدهم بنتائج الامتحانات، الشهرية، والاتصال معهم أولاً بأول، وكذلك عمل الاجتماعات الشهرية مع أهالي الطلاب، وتعريفهم بمستوى أبنائهم.
في الختام أقول بأنّ ظاهرة غياب الطلاب ظاهرة يمكن السيطرة عليها ولكن إن تكاتف الجميع في حلها، بحيث تبدأ من إرادة الطالب بحل المشكلة، ثم الأهل، ثم الإدارة، فالمسألة تكاملية بحاجة إلى حل من جميع الأطراف، من خلال المناقشة، والحوار، والتوعية، وإعطاء المسألة أهمية خاصة، ذلك أنّ الطلاب هم بناة المستقبل، ويتوقّف بناء المجتمع على صلاحهم، وبنائهم بناءً جيداً، وتأسيسهم على حبّ التعلم، والتعليم.