شرح قصيدة لا تصالح
شرح أبيات قصيدة لا تصالح
قصيدة لا تصالح هي قصيدة شعرية من العصر الحديث كتبها الشاعر أمل دنقل، وهي تحاكي حزن الشاعر العربي من الانتكاسات، وفي ما يأتي شرح أبيات قصيدة لا تصالح:
:لا تصالحْ!
:ولو منحوك الذهب
:أترى حين أفقأ عينيك
:ثم أثبت جوهرتين مكانهما..
:هل ترى؟
:هي أشياء لا تشترى
يستخدم الشاعر هنا قصة كليب والزير ويطوعها للأحداث الواقعية وهو يدعو العرب ألّا يُقدموا على الصلح مع الجهات التي قادتهم إلى الموت، فالمال لا يُعوض أبدًا عن الكرامة والشرف.
:ذكريات الطفولة بين أخيك وبينك
:حسُّكما فجأةً بالرجولةِ
:هذا الحياء الذي يكبت الشوق حين تعانقُهُ
:الصمتُ مبتسمين لتأنيب أمكما وكأنكما
:ما تزالان طفلين
:تلك الطمأنينة الأبدية بينكما:
:أنَّ سيفانِ سيفَكَ..
:صوتانِ صوتَكَ
:أنك إن متَّ:
:للبيت ربٌّ
:وللطفل أبْ
هنا يُشبه الشاعر الدول العربية بمثابة الإخوة بين بعضهم بعضًا، فمن الأشياء التي لا تُشترى الحب والمودة التي يكنها العربي لأخيه العربي، فهو يرى فيه سندًا وقوة ولو مات لكان هو أب لطفله ورب لبيته.
:هل يصير دمي بين عينيك ماءً؟
:أتنسى ردائي الملطَّخَ بالدماء
:تلبس فوق دمائي ثيابًا مطرَّزَةً بالقصب؟
:إنها الحربُ
:قد تثقل القلبَ..
:لكن خلفك عار العرب
:لا تصالحْ..
:ولا تتوخَّ الهرب
يستنكر الشاعر هنا قدرة العربي على الصلح مع الأعداء، هل تراه يرى نزف أخيه للدماء ماء، إنّه عار على كل عربي أن يضع يده مع القاتل الذي ما زالت في يديه رائحة الدماء.
:لا تصالح على الدم حتى بدم
:لا تصالح ولو قيل رأس برأسٍ
:أكلُّ الرؤوس سواءٌ؟
:أقلب الغريب كقلب أخيك؟!
:أعيناه عينا أخيك؟!
:وهل تتساوى يدٌ.. سيفها كان لك
:بيدٍ سيفها أثْكَلك؟
سيُفاوضك الأعداء يا أخي وربما قالوا لك إنّا نعطيك رجالًا بدل الرجال التي قتلت، ولكن هل رأس ذلك العدو تراه يُساوي لرأس أخيك؟ وهل اليد التي كانت تدافع عنك مثل اليد التي جعلتك يتيمًا من دوني؟
:سيقولون:
:جئناك كي تحقن الدم
:جئناك كن يا أمير الحكم
:سيقولون:
ها نحن أبناء عم
:قل لهم: إنهم لم يراعوا العمومة فيمن هلك
:واغرس السيفَ في جبهة الصحراء
:إلى أن يجيب العدم
:إنني كنت لك
:فارسًا
:وأخًا
:وأبًا
:ومَلِك!
من الحيل التي سيحكيها الأعداء عند الصلح أنّهم ما جاؤوا سوى لحقن الدماء، ولكن إياك يا أخي أن تصالحهم أو تصدقهم، وهنا يكمن جمال التعبير عند أمل دنقل، إذ يقول التزم الصمت حتى يُجيبك العدم، ويقول إنني الفارس والأخ والأب وكل شيء لك.
:لا تصالح..
:ولو حرمتك الرقاد
:صرخاتُ الندامة
:وتذكَّر
:إذا لان قلبك للنسوة اللابسات السواد
:ولأطفالهن الذين تخاصمهم الابتسامة
:أن بنتَ أخيك "اليمامة"
:زهرةٌ تتسربل في سنوات الصبا
:بثياب الحداد
:كنتُ، إن عدتُ:
:تعدو على دَرَجِ القصر
:تمسك ساقيَّ عند نزولي
:فأرفعها وهي ضاحكةٌ
:فوق ظهر الجواد
:ها هي الآن صامتةٌ
:حرمتها يدُ الغدر
:من كلمات أبيها
:ارتداءِ الثياب الجديدةِ
يستخدم الشاعر في هذه الأبيات صورة تهز كل العرب، حين يُصور المغدور قد تيتم أولاده، فقد حرمت اليمامة -وهنا يستعير اليمامة رمزًا عن قصة كليب- من كلمات أبيها، وها هي الآن تكابد اليُتم.
:من أن يكون لها ذات يوم أخٌ!
:من أبٍ يتبسَّم في عرسها
:وتعود إليه إذا الزوجُ أغضبها
:وإذا زارها يتسابق أحفادُه نحو أحضانه
:لينالوا الهدايا..
ويلهوا بلحيته وهو مستسلمٌ
:ويشدُّوا العمامة..
:لا تصالح
:فما ذنب تلك اليمامة
:لترى العشَّ محترقًا فجأةً
:وهي تجلس فوق الرماد
يهز أمل دنقل العرب مرة أخرى في صورة حزينة عن الفتاة التي فقدت والدها، فلن يكون لها أخ سندًا لها في أفراحها وأتراحها، وستبقى طوال حياتها تُعاني من يُتم الأب والأخ في آن معًا.
:لا تصالح
:ولو توَّجوك بتاج الإمارة
:كيف تخطو على جثة ابن أبيكَ
:وكيف تصير المليكَ..
:على أوجهِ البهجة المستعارة؟
:كيف تنظر في يد من صافحوك
:فلا تبصر الدم..
:في كل كف؟
:إن سهمًا أتاني من الخلف..
:سوف يجيئك من ألف خلف
:فالدم الآن صار وسامًا وشارة
:لا تصالح
:ولو توَّجوك بتاج الإمارة
الآن ربما يعرضون عليك المُلك من أجل الصلح، ولكن إيّاك أيها الأخ العربي أن تصالحهم، فكما غدروا بي في سابق الأيام سيغدرون بك، وستتطلخ أيديهم بدمائك كما تلطخت بدمائي.
:لا تصالح
:ولو ناشدتك القبيلة
:باسم حزن "الجليلة"
:أن تسوق الدهاءَ
:وتُبدي لمن قصدوك القبول
:سيقولون:
:ها أنت تطلب ثأرًا يطول
:فخذ الآن ما تستطيع:
:قليلًا من الحق..
:في هذه السنوات القليلة
:إنه ليس ثأرك وحدك
:لكنه ثأر جيلٍ فجيل
من خلال القراءة في قصيدة لا تصالح لأمل دنقل التي يحكي فيها على لسان الضحية ما يتمناه من كل عربي ثائر، فيقول: إياك يا أخي أن تستكين لصرخات النساء، والجليلة هنا رمز عن امرأة كليب التي كانت من أهل قاتل زوجها، وإياك أن تتنازل عن حقك، فهذا ليس ثأرك وحدك يا أخي، بل هو ثأر جيل وراء جيل.
مناسبة قصيدة لا تصالح
قصيدة اشتقّها من وصايا كليب لأخيه الزير سالم، والتي فحواها يحضّ على عدم الصلح، قرأ أمل دنقل الأحداث السياسية الدارجة في الواقع العربي، فتنبأ بالكارثة التي ستحدث فتمخض عن هذه القصيدة في السبعينيات، وقد نشرها في ديوانه عام 1988م، وكانت مناسبة تلك القصيدة المباشرة هي زيارة الرئيس المصري الأسبق محمد أنور السادات للقدس، وقد سُجن أمل لفترة إثر تلك القصيدة من قبل الحكومة المصرية.
نبذة عن الشاعر أمل دنقل
أمل دنقل هو شاعر مصري، والده واحد من علماء الأزهر الشريف، حاول أمل أن يُكمل دراسته وسجّل في كلية الآداب، لكنّه انقطع عن الدراسة منذ السنة الأولى بسبب الظروف المادية وحاجته للعمل، وقد كان حزينًا على الانتكاسات التي تحدث في مصر، فبكى واستبكى بمجموعة من الأبيات، ومن الأعمال الشعرية لأمل دنقل: "بين يدي زرقاء اليمامة"، وقد عبّر عن حزن الشارع المصري في قصيدته "الجنوبي"، أمّا آخر مجموعة شعرية له فقد كانت "أوراق الغرفة"، وقد توفي عام 1983م في مصر.
كلمات خرجت من وحي قلب نابض حزين على المآسي العربية التي تحدث في كل شبر من الأرض، على دموع الثكالى ودماء الضحايا وشوق الأبناء واختفاء الضحكات، لا تُصالح ولا تضع يديك بيد الجريمة.