شرح قصيدة جمال الريف
شرح أبيات قصيدة جمال الريف
قصيدة جمال الريف؛ قصيدة من تأليف الشاعر المصري محمود غنيم ، كتبها وهو في إحدى إجازاته في بلدته "مليج منوفية"، ويبلغ عدد أبياتها ثمانية وثلاثين بيتًا، يُمجد بها الشاعر حياة الريف ومميزاتها ومدى إعجابه بها، ومدى تفوقها في نظره على حياة الحضر في المدينة، إذ نُشرت هذه القصيدة في ديوان "صرخة في واد" سنة 1947م، إذ يقول:
- عشقوا الجمالَ الزائف المجلوبا
- وعشقت فيك جمالكَ الموهوبا
يُقارن الشاعر الجمال الذي في الريف بجمال المدينة، فجمال المدينة زائف ومجلوب من مكان آخر، أو ذو طابع غير مصري، أمّا جمال الريف فهو جمال حقيقي موهوب أيّ أنّه مُبدع.
- قدستُ فيك من الطبيعة ِسرها
- أنعم بشمسك مشرقاً وغروبا
يرى الشاعر أنّ الطبيعة في الريف لها غموض مقدس، وأنّ الشمس نعمة بكل أحولها عندما تشرق أو تغرب، إذ يستمتع الشاعر بها.
- ولقد ذكرتك فادكرت طفولتي
- وتمائمي، طوبى لعهدك طوبى
الريف هو المكان الذي ترعرع فيه الشاعر، وعندما عاد إليه تذكر أحداث طفولته فيها، ويرى أنّ أجمل أيام حياته عندما كان يعيش هناك.
- زعموكَ مرعًا للسَوام وليتَهم
- زعموكَ مرعًا للعقولِ خَصيبَا
ينتقد الشاعر الفكرة السائدة حول الريف بأنّه مكان لرعي المواشي؛ لأنّ الناس تتغاضى أو لا تعرف حقيقة الريف فهي مرعى للعقول أيضاً.
- فهيَ القرائحُ أنتَ مصدرُ وحيها
- كم بتَّ تُلهِم شاعرًا وخطِيبا
يرى الشاعر أنّ حياة الريف الطبيعية مصدر لوحي الإلهام للشعراء والخطباء.
- حيَّيتُ فيكَ الثابتين عقائدًا
- والطَّاهرينَ سرائرًا وقُلوبا
يمدح الشاعر سكان الريف من الناحية الدينية، ويُشير بأنّهم ثابتون على عقيدتهم، يتميزون بطهر القلوب والخفايا.
- والذَّاهبات إلى الحقول حواسراً
- يمشي العفافُ ورائهنَّ رقيبا
كما يمدح الشاعر النساء في الريف، عندما يذهبن إلى الحقول وهم من غير ولي أمرهم، إذ يكون العفاف في داخلهم هو الذي يرعاهم ويُوجههم للسلوك الأخلاقي.
- سلبتْ عذاراكَ الزهورَ جمالَها
- فبكَتْ تريدُ جمالَها المسلوبا
يقول الشاعر إنّ الزهور تبكي؛ بسبب جمال العذارى العفيفات، إذ طغين على جمال الورود، فالزهور تُريد أن تسترجع جمالها.
- كسَت الطَّبيعة وجهَ أرضِكَ سُندسًا
- وحبَتْ نسيمَك إذ تضوَّع طيبا
مناطر الطبيعية تملأ الريف، كأن الطبيعة تكسوها، مثل السندس: أيّ الديباج، وإذا انتشر نسيم الريف، كانت رائحته مثل الطيب.
- بسطٌ تظلِّلها الغصون فأينما
- يمت، خلت سرادقا منصوبا
يُتابع الشاعر في تصوير الطبيعة في الريف، ويقول: إنّها مليئة بالشجر، والأغصان المجتمعة التي تبدو مثل: الخيمة الكبيرة المنصوبة.
- مالت على الماء الغصون كما انحنت
- أمٌّ تقبِّل طفلَها المحبوبا
تميل الأغصان على الماء، كأنها تحنّ عليها وتُقبلها مثل الأم.
- وبدا النخيلُ غصونُه فيروز
- يحملنَ من صافِي العقيقِ حبوبا
يقول الشاعر: إنّ أغصان شجر النخيل مثل: الفيروز، وهو حجر كريم لونه أخضر، وتحمل أكف النخيل حجر العقيق، وهو حجر كريم لونه أصفر، ويقصد به أشعة الشمس.
- أرأيت عملاقاً عليه مظلة
- أو ماردًا ملئ العيون مهيبا
يُكمل الشاعر في مديح النخيل، ويتساءل بأسلوب بلاغي عن احتمالية وجود عملاق، يحمل مظلةً أو ماردًا مهيبًا؛ لأنّه يرى النخيل هكذا.
- يا رب ساقية لغير صبابة
- أتت وأجرت دمعها مسكوبا
عندما تُمطر السماء ينسكب الماء من على شجر النخيل على شكل قطرات، كأنها تبكي وتذرف الدموع.
- وحمامة سمع الفؤاد هتافها
- فسمعته بين الضلوع مجيبا
يقول الشاعر: إنّ هدير الحمام في الريف، صوته جميل، لدرجة أنّ قلب الشاعر يُجيبه عند سماع صوته.
- سربانِ من بطٍّ وبيضٍ خرَّدٍ
- يتباريانِ سباحةً ووثوبا
وترى الجداول في الأصيل كأنها
- من فضة فيها النضار أذيبا
يُصور الشاعر الحيوانات، وهي تتسابق وتسبح وتركض، وصوّر شكل مجرى الماء في الريف على أنّه يلمع، مثل: الفضة في وقت غروب الشمس.
- يا بدر أنت ابن القرى وأراك
- في ليل الحواضر إن طلعت غريبا
يُخاطب الشاعر القمر إذ يقول إنّه من ينتمي للقرى؛ فالشاعر لا يشعر به عندما يكون في المدينة.
- بدت الحياة هناك في ريعانها
- ولو أنها سارت تدب دبيبا
تبدو الحياة في الريف في عطائها بالنسبة للشاعر، كأنها شخص في فترة شبابه، يركض بنشاط على يديه ورجليه.
- وهي السعادة كم أوت كوخاً وكم
- هجرت أشم من القصور رحيبا
يقول الشاعر: إنّ السعادة تملأ بيوت أهل القرية رغم أنّها أكواخ صغيرة، والناس فيها أكثر سعادة من أصحاب القصور الشامخة في المدينة.
- قالوا: الحضارة، قلت: أسفر وجهها
- فبدت محاسنها فكن عيوبا
يختلف الشاعر مع من يرونك أنّ الحياة الحضرية أجمل؛ لأنّ هذه المحاسن تُخفي عيوبًا كثيرةً.
- ما ضر أهل الريف ألا يحفلو
- بالطب أو لا يعرفوا (الميكروبا)
لا يضر أهل الريف أنْ ليس لديهم الكثير من الأطباء، أو أنّهم لا يعلمون؛ ماذا تعني كلمة ميكروب.
- ضمنت سلامتهم سهولة عيشهم
- وصفا هوائهم فكان طبيبا
أُسلوب العيش البسيط غيرالمعقد، ونقاء الهواء في الريف هم أفضل الأطباء.
- وسرى شعاع الشمس في أبدانهم
- فجرى بأوجههم دماً مسكوبا
أهل القرى يتعرضون للشمس؛ بسبب عملهم في الحقول، وعندما ترتفع درجة حرارتهم، ويزيد نشاط الدورة الدموية تبدو وجوههم حمراء.
- شمس القرى كست الوجوه نضارة
- أرأيت وجهاً في القرى مخضوبا
يقول الشاعر: إنّ الشمس تجعل وجوه الناس نضرة؛ فلا داعي أن يضع أجمل مساحيق التجميل أو توابعها.
- سر في الحقول ترى الرياضة عندهم
- فناً وخطاً عندنا مكتوبا
يُكمل الشاعر في مديح أسلوب العيش الصحي لأهل الريف، وأنّهم في عملهم في الحقول، يقومون بأفضل رياضة.
- أكبرت في القروي حدة عزمه
- وحسبته في صبره أيوبا
ينتقل الشاعر في هذا البيت إلى مديح أهل الريف من ناحية أخلاقهم وخِصالهم الشخصية، وهُنا يُشير إلى أنّ عزم القروي وصبره، ويحسبه النبي أيوب عليه السلام، الذي اشتهر بصبره.
- ورأيت طيب النفس فيه سجية
- ووداده سهل المنال قريبا
الطيبة والود هي صفات دائمة عند أهل القرى وجزء من طبعهم.
- فيه ترى الخلق الصريح ولا ترى
- ضحك النواجذ بالخديعة شيبا
يقول الشاعر إنّ أخلاقهم تظهر على سجيتهم، ولا تجد عندهم المخادعين.
- كم ضل من أهل الحواضر قارئ
- فاغتال أعراضاً وشق جيوبا
يقول الشاعر إنّ المتعلمين في المدينة، قد يقومون بالسرقة، أو اغتيال الناس، فالتعلّم ليس له علاقة بالأخلاق.
- في الرّيف فتيانٌ تسيل جباههُم
- عرقًا فيصبحُ لؤلؤًا مثقوبَا
لا فتيةٌ مردٌ بأيدٍ بضَّةٍ
- في كلِّ يوجمٍ يلبسونَ قشِيبا
فتيان الريف يبذلون مجهودًا جسديًا كبيرًا لدرجة التعرق من الجبهة، ويغتنون بما يحصلون عليه من العمل مهما كان، ويُقارن هذا بصورة الشباب في المدينة، الذين لا تمس أيديهم ما يفعله أهل القرى.
- بذلوا لمصر فوق ما في وسعهم
- ورضوا بما دون الكفاف نصيبا
يذكر الشاعر فضل القرويين العظيم على بلدهم مصر، وحالة الرضا الذين يعيشونها بالرغم من قلة أجورهم.
الأفكار الرئيسة في قصيدة جمال الريف
أبرز الأفكار التي يُريد الشاعر إيصالها للقراء من خلال قصيدة "جمال الريف" ما يأتي:
- القُرى هي موطن الجمال الطبيعي الساحر، وتحفل بمن هم يتميزون بأخلاقهم.
- القُرى منبع للإلهام الفني للشعراء والخطباء.
- تفوق حياة القرى على حياة الحضر من نواحي عديدة، مثل: الجمال، والطبيعة، والسعادة، والرضى، والهناء.
- نمط الحياة الصحية في الريف هو أفضل طبيب.
معاني المفردات في قصيدة جمال الريف
وردت في القصيدة مجموعةً من المعاني التي تحتاج لشرح، وهي كالآتي:
الكلمة | المعنى |
ادكرت. | تذكرت. |
طوبى. | الخير والحسنى. |
السوام. | المواشي. |
القرائح. | مَلَكة: تُمكِّن الإنسان من ابْتِداع الكَلام، وإِبداء الرَّأي. |
السندس. | قماش الديباج. |
السرادق. | الخيمة الكبيرة. |
فيروز. | حجر كريم لونه أخضر. |
العقيق. | حجر كريم لونه أصفر. |
تدب دبيبًا. | تمشي على أيديها وأرجلها. |
أشم. | أعلى. |
رحيبًا. | واسعًا. |
أسفر وجهها. | زال الغطاء. |
مشوب. | ساخن. |
مخضوب. | موضوع عليه المساحيق. |
أكبرت. | أمجد. |
النواجذ. | الأنياب. |
بضة . | بيضاء. |
قشيب. | جديد. |
مرد. | من لا نبات بوجهه. |
الصور الفنية في قصيدة جمال الريف
إنّ الشاعر أراد أن يُوصل إلينا صورة جمال العيش الريفي من جميع أوجهه؛ إذ تفنن في تصويرها على النحو الآتي:
- سلبتْ عذاراكَ الزهورَ جمالَها
- فبكَتْ تريدُ جمالَها المسلوبا
صور الشاعر نساء القرى على أنهنّ يخطفن الأنظار بجمالهنّ، والورود تبكي لذلك.
- كسَت الطَّبيعة وجهَ أرضِكَ سُندسًا
- وحبَتْ نسيمَك إذ تضوَّع طيبا
صور الطبيعة بقماش السندس.
- بسطٌ تظلِّلها الغصون فأينما
- يمت، خلت سرادقا منصوبا
صور تجّمع غصون الشجر بالخيمة الكبيرة.
- مالت على الماء الغصون كما انحنت
- أمٌّ تقبِّل طفلَها المحبوبا
شبه ميلان الغصون على الماء بأم تنحني؛ لتقبيل طفلها.
- أرأيت عملاقاً عليه مظلة
- أو ماردًا ملئ العيون مهيبا
شبه شجر النخيل برجل عملاق أو مارد مهيب.
- وحمامة سمع الفؤاد هتافها
- فسمعته بين الضلوع مجيبا
صور إعجابه بصوت هديل الحمام وكأنه يسمعه من قلبه.