شرح دعاء (اللهم تولنا فيمن توليت..)
نص دعاء ( اللهم تولنا فيمن توليت..)
ثبت في الحديث الصحيح، عن الحسن بن علي بن أبي طالب -رضي الله عنهما- أنَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- علَّمه هذا الدعاء، فقال -صلى الله عليه وسلم-: (اللَّهمَّ اهدِني فيمَن هدَيتَ، وعافِني فيمن عافَيتَ، وتولَّني فيمَن تولَّيتَ، وبارِكْ لي فيما أعطيتَ، وقِني شرَّ ما قَضَيتَ، فإنَّكَ تَقضي ولا يُقضى عَليكَ، وإنَّهُ لا يذلُّ من والَيتَ تبارَكْتَ ربَّنا وتعالَيتَ).
شرح دعاء (اللهم تولنا فيمن توليت..)
هذا الدعاء عظيمٌ له معانٍ سامية، وفيما يأتي بيان لهذه المعاني:
(اللَّهمَّ اهدِني فيمَن هدَيتَ)
فإنَّ المسلم يطلب الهداية من الله -سبحانه- ؛ هداية القول وهداية العمل، استشعاراً واستحضاراً لأهمّيّتهما، فلا تكون الهِداية بالعلم دون العمل بالحقّ، ولا أن يعمل دون علم نافع.
وأمَّا قول: (فيمَن هدَيتَ)؛ فهذا توَّسل بطلب الهداية، بأن يشملنا مع من أنعم الله عليهم بهذه النعمة، بمقتضى رحمته -سبحانه- وحكمته، فقد سبق فضله ورأينا إكرامه لمن اهتدى من الناس، أو أن يكون معنى ذلك: سؤالاً لله -تعالى- بأن يجعلنا في زُمرة المُهتدين الصالحين.
(وعافِني فيمن عافَيتَ)
هنا السؤال بالعافية من أمراض الأبدان وأمراض القلوب التي هي أشدُّ وأخطر ما قد يُصاب به الإنسان، وأمَّا أمراض القلوب فمنشؤها يعود لأمرين هامَّين؛ هما الشبهات والشهوات، فالشبهات ما يقع فيها الإنسان لجهله، وأمَّا الهوى فهي من الشهوات.
فيأتي الإنسان بالشهوات مُخالفاً للحقِّ سائراً على هواه، فيسأل العبد ربّه أن يعافيه من أمراض البدن وأمراض القلب ومن الشبهات والشهوات، فما سُئل المولى -عزَّوجلَّ- بشيءٍ أحبَّ من سؤاله العافية؛ لأنَّها جامعة للتخلُّص من كلِّ شرٍّ، ولنيل كلِّ خيرٍ.
(وتولَّني فيمَن تولَّيتَ)
أي طلب الولاية منه -سبحانه- بأن يكون الله للدّاعي ولياً، وهي نوعين؛ ولاية خاصَّة تتعلق بعناية ورعاية المؤمنين وهدايتهم إلى طريق التوفيق، وولاية عامَّة تشمل الجميع، فالمسلم يسأله الولاية الخاصّة وأن يجعله ممن يستحِّقها، ويسأله الولاية العامّة، فبهما يكون النصر والتسديد، والابتعاد عما يُغضبه -عزَّ وجلّ-.
(وبارِكْ لي فيما أعطيتَ)
أي زدني من البركة والخير الثابت، وأنزل عليَّ من فضلك الكثير الواسع، واحفظ لي كلّ ما أنعمت علي من الآفات والسوء، من مال وولد وعلم وجاه، وأستعيذ به -سبحانه- أن ينزع منّي بركته، فلا أنتفع بالنعم، أو لا أشعر بوجودها، وهذا والله حرمان عظيم.
(وقِني شرَّ ما قَضَيتَ)
المولى -عزّ وجلّ- يقضي بالخير والشرِّ، فالقضاء بالخير يعمّ بالخير: كالقضاء بالرزق الواسع، والهداية، والأمن والطمأنينة، وأمّا قضاؤه بالشرِّ: فيكون بالظاهر شرَّاً، وفي الباطن والخفاء خيراً، كقضاؤه بامتناع نزول المطر.
فظاهره شرٌ، وباطنه خير؛ لأنَّ في هذا دعوةٌ لرجوع الناس وتوبتهم من ذنوبهم، واستشعار تقصيرهم وجحودهم لنعمه -عزّ وجلّ-، فالمؤمن يسأله أن يقيه شرّ ما قضى لحكمةٍ أرادها وأخفاها، وأن يقيه من الشرّ الواقع من المخلوقات من الفتن والبلايا.
(فإنَّكَ تَقضي ولا يُقضى عَليكَ)
الله -سبحانه- له القضاء التامُّ الشامل؛ قضاء كوني، وقضاء شرعي، فله الحكم -سبحانه- ولا يُحكم، وله الحساب ولا يُحاسب، فالعباد يطيعونه ولا يملكون قدرةً فوق قدرته -سبحانه-، فهو يحكم بما يشاء في عباده، فلا مردَّ لأمره، ولا معقِّب لقضائه.
(وإنَّهُ لا يذلُّ من والَيتَ)
إذا تحقَّقت الولاية، ما كان لأيِّ بشر أن يعادي وليَّ الله -سبحانه- ولا يذلِّه، والعكس صحيح من عاداه الله وأذلَّه لا عزَّ له ولا مكانة، فنسأله دائماً أن يُعزُّنا ويكرمُنا بولايته، ونعوذ من إذلاله ومعاداته، فيكون الخسران والفشل، فلا يُطلب العزِّ إلاَّ منه، ولا يخشى الإذلال إلاّ منه.
(تبارَكْتَ ربَّنا وتعالَيتَ)
هذا ثناء على المولى -عزَّ وجلّ- فهو أهلٌ للثناء، وأهلٌ للبركة، وأهلٌ للعلوِّ، فقد وسع الجميع بفضل وجوده، وتعالى بذاته وصفاته عن كلِّ عيبٍ وكل نقصٍ، وعَظمت صفاته، وعلا قدره، وعمّ خيره.
صلوات يشرع فيها قول دعاء (اللهم تولنا فيمن توليت..)
يعرف هذا الدعاء بدعاء القنوت، والقنوت: الطاعة ولزومها والحرص على دوامها، ويطلق القنوت على الصلاة، كقوله -تعالى-: (أَمْ مَنْ هُوَ قَانِتٌ آَنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا)، ويُطلق على الدعاء، فقد ورد عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنّه قنت شهراً، ويُطلق أيضاً على القيام، ففي صحيح مسلم: (سُئِلَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ: أَيُّ الصَّلَاةِ أَفْضَلُ؟ قالَ: طُولُ القُنُوتِ).
ودعاء القنوت يكون في عِدِّة أحوال وعِدَّة صلوات، نذكر منها:
- في صلاة الوتر
في الركعة الأخيرة بعد الركوع.
- في صلاة الفجر
يكون بعد ركوع صلاة الفجر كذلك؛ لما ورد عن النبي -صلى الله عليه وسلم- فعله لذلك.
- عند النوازل
أي الشدائد، كما فعل النبي -صلى الله عليه وسلم- عندما دعا به على من قتل أصحابه في بئر المعونة.
- في الفرائض عند الشدائد
فقد قنت النبي -صلى الله عليه وسلم- في الفرائض كلّها، ظهراً وعصراً، ومغرباً وعشاءً.
- الدعاء به في أي حال
أي في السجود، وفي مواطن الإجابة، وعدم الاقتصار على القنوت، بل الدعاء بكلّ الجوامع التي وردت عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، دون المشقَّة على الناس إن كان إماماً.
ما حكم الزيادة على صيغة دعاء (اللهم تولنا فيمن توليت..)
لا بأس بالزيادة على صيغة دعاء القنوت، والاستفادة من ألفاظه؛ فقد ورد عن الصحابة السعة في الزيادة عمّا ورد عن النبي -صلى الله عليه وسلم-؛ كالزيادة في التلبية، ولم ينكر عليهم أحدٌ فعلهم هذا، وبما أنَّ المقام هنا للدعاء، فلا حرج أن يزيد المسلم على ما ورد عن النبي -صلى الله عليه وسلم- على ألّا يكون الدعاء بإثم أو قطيعة رحم.
وقد اشترط بعض أهل العلم بعض الشروط للزيادة على دعاء القنوت، فاشترطوا: أن تكون من ذات الأدعية الواردة في دعاء القنوت، وأن يكون محلُّ الدعاء بها بعد القنوت، وأن تكون من الأدعية العامّة الواردة في القرآن الكريم والسنة النبوية، وأن لا تكون الزيادة ممّا يداوم عليه بنفس الطريقة في كلِّ مرة، وأخيراً أن لا يشقُّ على المأمومين من الناس في حال كان الدّاعي إماماً.