عناصر بناء الشخصية في الإسلام
الإيمان
إنّ الإيمان هو من أهمّ عناصر ومقوّمات بناء الشخصيّة الإسلاميّة، والإيمان هو العقيدة الرّاسخة في القلب، والتّصديق الجازم بوجود الله -تعالى- وعبادته وحده، ووصفه بصفاته الثابتة التي وُصف -عز وجل- نفسه بها، من غير تكييفٍ، أو تعطيلٍ، أو تحريف.
بالإضافة إلى التّصديق برسوله -صلّى الله عليه وسلّم- وما أُرسِلَ به، والإيمان بأركانه كما وردت في حديث رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-: (الإِيمانُ: أنْ تُؤمن بِاللهِ ومَلائِكتِه ، وكُتُبِهِ، و رُسُلِهِ، و اليومِ الآخِرِ، و تُؤمن بِالقَدَرِ خَيرِهِ و شَرِّهِ).
وتتلخّص أهميّة الإيمان في بناء الشخصيّة بما يأتي:
- يحثّ الإيمان صاحبه على التفكير وإعمال عقله في موجودات الأرض.
- يعزّز الإيمان الرّابط الروحيّ بين العبد المؤمن وخالقه.
- يزرع في نفس صاحبه راحة البال والطمأنينة، ويقضي على الخوف والفزع ويُبعِدُ عنه اليأس.
- المؤمن بالله -تعالى- يخضع له ولتعاليمه، وتكون له منهجيّة ومرجع محدّد وسديد في جميع أموره.
العلم
يعتبر العلم أساساً في عناصر بناء الشخصيّة الإسلاميّة، فمن أين ستتكوّن هذه الشخصيّة وتُبنى إذا ما اجتهد الإنسان وبذل وسعه في تلقّي العلم في مجالِسِهِ وأماكنه، فلا قيمة للإنسان بغير علمٍ يُثري فِكره ويجعله مُلمّاً بأمورِ دينه وأحكامه في جميع الأمور.
وتكمُنُ أهمية العلم في أنّه من الأمور التي يُسأل عنها العبد في قبره، قال رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-: (إنَّ الميتَ ليسمعُ خفقَ نِعالِهم حين يُولُّونَ، قال: ثم يجلسُ، فيقال له: من ربُّك؟ فيقول: اللهُ، ثم يقال له: ما دِينُك؟ فيقول: الإسلامُ، ثم يقال له: ما نبيُّكَ؟ فيقول: محمدٌ، فيقال: وما عِلْمُك؟ فيقول: عرفتُه، آمنتُ به، وصدَّقْتُه بما جاء به منَ الكتابِ ثم يُفسحُ له في قبرِه مدَّ بصرِه، وتُجْعَلُ روحُه مع أرواحِ المؤمنينَ).
أيّ أنّه قام بالسّعي لمعرفة رسوله وما أُرسِلَ به، فقرأ القرآن وسيرة الرّسول -صلّى الله عليه وسلّم- وآمن بهم وصدّقهم تمام التّصديق والإيمان، ولا يكون ذلك إلّا بالعلم. وممّا يدلّل على أهمية العلم في الإسلام أنّ الله -تعالى- لم يأمر نبيه بطلب الاستزادة من شيءٍ سِوى العلم، فقد قال -عزّ من قائل-: (وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا).
الأخلاق
وهي مجموعة الصّفات الحسنة التي دعت إليها الشريعة الإسلاميّة، وقد تكون مجموعة من الصّفات الذميمة التي نهت عنها الشريعة الإسلاميّة، ومصدر هذه الأخلاق هو القرآن الكريم، وسنّة رسولنا -صلّى الله عليه وسلّم-، فقد قال الله -تعالى- عن رسوله الكريم: (وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ)، ووصفته أمُّ المؤمنين عائشة -رضيَ الله عنها-: (كان خُلُقُه القرآنَ)، وتكمُن أهمية الأخلاق لبناء الشخصيّة الإسلاميّة في أنّها تُكوّن مجتمع صالح، متماسك، يحبُّ بعضه بعضاً، وذلك يؤدّي إلى وحدة المسلمين، وقوّتهم، وعزّتهم، وتضامنهم.
القدوة الحسنة
حتى تتحقّق الصفة المُثلى للشخصيّة الإسلاميّة لا بُدّ أن يتوافر لهذه الشخصيّة القدوة الجيّدة والحَسنة، ولا أفضل ولا أزكى من رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-، وسيرته العَطِرة ليكون القدوة الحسنة لكلّ مسلم، فقد قال -تعالى-: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا)، وكذلك صحابته الكرام -رضوان الله عليهم-؛ فقد ضربوا أروع الأمثلة في الشخصيّة الإسلاميّة المثاليّة بعد رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-.
السلوك السوي
إنّ الشخصية الإسلاميّة هي الشخصيّة السويّة التي يتحلّى أصحابها بالسّلوك السَّوي، والسّلوك السويّ هو الذي لا يُنافي فطرة الله -عزّ وجل- التي فطر النّاس عليها في أحواله كلّها، فالشخصيّة الإسلاميّة السويّة هي الشخصيّة التي أراد الله -تعالى- أن يكون الإنسان عليها، و هي عكس الشخصيّة الممسوخة التي تعيش حياتها مشوشة الفكر، لا تعرفُ للحقّ طريقاً، وتظنُّ أنّها على الإسلام ولكنّها لا تملك من الإسلام إلّا قشوره.
والسّلوك السويّ يعني أيضاً الاستقامة والثبات على مبادئ الدّين الإسلاميّ، والتمسّك بتعاليمه في كل مجالات الحياة، ونرى أهميّة ذلك في أثر تعاملات النّاس، ومنها ما كان سابقاً من إقبال النّاس على الدّين الإسلامي والدّخول فيه؛ لأنّهم رأوا السّلوك السويّ المستقيم لتجّار المسلمين الذين كانوا يجوبون البلاد بهدف التّجارة، فساهموا بنشر الدّين الإسلاميّ.
العاطفة المتزنة
من العناصر الهامّة للشخصيّة الإسلاميّة اتِّزان العاطفة، فلكلِّ إنسانٍ قلب وعاطفة، والعاطفة هي لين القلب، وبها معاني الرأفة والرّحمة، ولكنّ المسلم يوازن بين قلبه وعقله في اتّخاذ قرارته، فليس من السّليم أن يتّخذ قرارته معتمداً على عاطفته فقط ويضع العقل جانباً، والعكس صحيح، وسيرة النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- وأصحابه -رضوان الله عليهم- مليئة بتلك المواقف التي يتجلّى بها التوازن في الأفعال، والمشاعر، والأفكار.
الإرادة القوية
تعتبر الإرادة القويّة من عناصر بناء الشخصيّة الإسلاميّة، فهي تقوّي شخصية الفرد المسلم، وتُعلي همّته، و تقوّي عزيمته، وتزرع في نفسه الثقة، فيُقدِم على فعل الخير وتحقيق ما يريده، فضعيف النّفس والعزيمة قد يُسلّم نفسه وينصاعُ للآخرين، وهذا غير مرغوبٍ في الشخصيّة الإسلاميّة التي يقع على عاتقها خدمة دين الله -تعالى- ونشره، ويكون ذلك بالإرادة القويّة والهمّة العالية.
الثقافة الواسعة
إنّ الثقافة من الأمور الهامّة التي ينبغي توافرها في شخصية المسلم، فيُعرَف قدرُ الشخص ومكانته بقدرِ ما يحصل على ثقافات ومعارف، فالثقافة إنّما هي سلاحٌ للمؤمن يحمي به نفسه ممّا يتعرّض له المجتمع من نَزَوات و أفكار خارجة عن الدّين والأخلاق، والثقافة كالهويّة الشخصية المميّزة للفرد المسلم، فتنعكس هذه الثقافة على نفس المسلم، وشخصيّته، وسلوكاته.
ملخص المقال: يتكلّم المقال عن مقوّمات وأُسُس بناء الشخصيّة الإسلاميّة، والتي تتلخّص بالإيمان بالله -تعالى- وعبادته وحده وما ينتج عن ذلك من استقامة الفرد وطمأنينته، ومن ثمّ العلم وأهميّته في معرفة المسلم أمور دينه به.
ثمّ الأخلاق التي تؤدي إلى وحدة صفّ المسلمين وعدم تنازعهم وضعفهم، ثمّ القدوة الحسنة؛ وتتلخّص بالتأسّي بأفعال رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- وصحابته -رضوان الله عليهم- وغيرها من الأُسس التي سبق ذكرها في المقال.