قصيدة أبي سفيان بن الحارث في رثاء الرسول
شعر الرثاء
الرثاء وهو أحد أهم الأغراض الشعرية عند الشعراء القدماء، ففيه يبكي الشاعر على فقدان شخص عزيز عليه، مما يحرك ذلك مشاعره وأحاسيسه الشعرية، فيترجم ذلك بنظم القصائد والأشعار حول هذا الشخص من خلال إظهاره مدى لوعة حزنه وألمه، وكم هي تلك الفجيعة التي مسته شديدة عليه، بالإضافة إلى أنه يذكر عمق المكانة التي يحتلها المرثي في قلبه، فضلاً عن صفاته وخصاله الحسنة التي كان يعرف بها في حياته، ففي هذا الغرض نوع من المديح ولكن لشخص غير موجود على قيد الحياة.
وهذا ما قام به بعض المسلمين بعد وفاة النبي -صلى الله عليه وسلم- ذاكرين صفاته الخُلقية والخَلقية، ومؤكدين في ذلك على حزنهم الشديد وما أصاب قلوبهم من ألم لسماع فقدان شخص عزيز عليهم، كيف لا وهو أفضل الخلق والمرسلين سيدنا وشفيعنا محمد - صلى الله عليه وسلم- الذي قام بهداية هذه الأمة إلى الخير والصلاح، فكان من ضمن الذين رثوا النبي -صلى الله عليه وسلم- في أشعارهم ابن عمّه أبو سفيان بن الحارث، وسيأتي ذكر تلك القصيدة في السطور القادمة من هذه المقالة.
أبو سفيان بن الحارث
أبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب القرشي، هو ابن عمّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم-، وأخوه في الرضاعة من مرضعتهما حليمة السعدية ، وكما يُقال هو من الذين كانوا يشبهون الرسول - صلى الله عليه وسلم-، وبعد أن أسلم حسُن إسلامه، كما أنه كان من الشعراء المطبوعين، وقد شهد له النبي - صلى الله عليه وسلم- بدخوله الجنة، واختلف المؤرخون بوفاته، فقيل أن أبي سفيان توفي في الحج سنة ٢٠هـ، حيث قام الحلاق بقطع ثُؤلُولاً كان في رأسه، فأصابه مرض بسبب ذلك، فبعدما وصل المدينة المنورة مات، وصلى عليه الخليفة عمر بن الخطاب ، وقيل أيضاً أنه توفي سنة ١٥ هـ في المدينة المنورة بعد أخيه نوفل بن الحارث بما يقارب الأربعة أشهر، كما أنه هو الذي حفر قبره بنفسه من قبل أن يدركه الموت بثلاثة أيام، ويذكر أنه عندما كان يحتضر طلب من الذين حوله بعدم البكاء عليه، فمنذ إسلامه لا يتلطخ بالإثم والخطيئة.
قصيدة أبي سفيان في رثاء النبي - صلى الله عليه وسلم-
قال أبو سفيان في قصيدته التي يرثي فيها النبي - صلى الله عليه وسلم-:
أَرِقْتُ فَبَاتَ لَيْلِي لاَ يَزُوْلُ
وَلَيْلُ أَخِي المُصِيْبَةِ فِيْهِ طُوْلُ
وَأَسْعَدَنِي البُكَاءُ وَذَاكَ فِيْمَا
أُصِيْبَ المُسْلِمُوْنَ بِهِ قَلِيْلُ
فَقَدْ عَظُمَتْ مُصِيْبَتُنَا وَجَلَّتْ
عَشِيَّةَ قِيْلَ قَدْ قُبِضَ الرَّسُوْلُ
فَقَدْنَا الوَحْيَ وَالتَّنْزِيْلَ فِيْنَا
يَرُوْحُ بِهِ وَيَغْدُو جِبْرَئِيْلُ
وَذَاكَ أَحَقُّ مَا سَالَتْ عَلَيْهِ
نُفُوْسُ الخَلْقِ أَوْ كَادَتْ تَسِيْلُ
نَبِيٌّ كَانَ يَجْلُو الشَّكَّ عَنَّا
بِمَا يُوْحَى إِلَيْهِ وَمَا يَقُوْلُ
وَيَهْدِيْنَا فَلاَ نَخْشَى ضَلاَلاً
عَلَيْنَا وَالرَّسُوْلُ لَنَا دَلِيْلُ
فَلَمْ نَرَ مِثْلَهُ فِي النَّاسِ حَيّاً
وَلَيْسَ لَهُ مِنَ المَوْتَى عَدِيْلُ
أَفَاطِمُ إِنْ جَزِعْتِ فَذَاكَ عُذْرٌ
وَإِنْ لَمْ تَجْزَعِي فَهُوَ السَّبِيْلُ
فَعُوْدِي بِالعَزَاءِ فَإِنَّ فِيْهِ
ثَوَابَ اللهِ وَالفَضْلُ الجَزِيْلُ
وَقُوْلِي فِي أَبِيْكِ وَلاَ تَمَلِّي
وَهَلْ يَجْزِي بِفَضْلِ أَبِيْكِ قِيْلُ
فَقَبْرُ أَبِيْكِ سَيِّدُ كُلِّ قَبْرٍ
وَفِيْهِ سَيِّدُ النَّاسِ الرَّسُوْلُ
صَلَاةُ اللهِ مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ
عَلَيْهِ لَا تَحولُ وَلَا تَزُولُ