شرح حديث (تسحروا فإن في السَّحُورِ بركة)
النص الكامل للحديث وبيان فقهه
تراجم عناوين أبواب البخاري في "صحيحه"، تدل على رأيه الفقهي في الأحاديث الواردة ضمن الباب، وقد أورد حديث: (تَسَحَّرُوا؛ فإنَّ في السَّحُورِ بَرَكَةً)،ضمن باب عنوَنَه بـ: "باب بركة السحور، من غير إيجاب" وذكر فيه أنَّ الأمر بالسحور في هذا الحديث للاستحباب؛ لأن النبي وأصحابه واصلوا ولم يُذكر أنهم تسحَّروا،فأجمع العلماء على أنَّ النبي حضَّ أمته على السحور بلا إيجاب.
والسحور فضيلة خصَّ الله بها هذه الأمة، فصار مزية من مزاياها، كما ورد في الحديث: (فَصْلُ مَا بَيْنَ صِيَامِنَا وَصِيَامِ أَهْلِ الْكِتَابِ، أَكْلَةُ السَّحَرِ)،والمعنى أن السحور يُعدُّ فارقاً من الفوارق بين صيامنا وصيام أهل الكتاب ؛ لأنّ الله أباح لنا كثيراً من الأمور التي حُرمت عليهم؛ تخفيفاً على أمتنا الإسلامية إنعاماً منه علينا، وفِعلُ مخالفتنا إياهم في تناول السحور يقع ضمن الشكر لتلك النعمة.
ويحصل السحور بأقلِّ ما يمكن أن يتناوله المرء مِن مأكولٍ أو يشربه من مشروبٍ،ولذلك كان الرسول الكريم ينادي الصحابة لتناوله ويصفه بأنه: "الغذاء المبارك"؛ فالقليل منه يكفي لتحصيل البركة والفضائل، قال العرباض بن سارية: (سمعتُ رسولَ اللهِ -صلَّى اللهُ علَيهِ وسلَّمَ- وهو يَدعو إلى السَّحورِ في شهرِ رمضانَ المباركِ، وقال: هلمُّوا إلى الغداءِ المبارَكِ).
شرح الحديث
فيما سيأتي شرح لمفردات الحديث وتراكيبه:
- (تَسَحَّرُوا)
تفعُّلوا، مِن فِعلِ التسحُّر، وهو القيام بالأكل وقت السَّحَر ، وهو الوقت قبل أذان الفجر.
- (فإنَّ)
لفاء للتعليل بمعنى: لأنَّ.
- (السَّحُورِ)
هذه الرواية بفتح السين، وروي بضمها: (السُّحُورِ)، والمعنى يختلف؛ فالمعنى بفتح السين: الطعام الذي يتسحر به الذي ينوي صوماً قُبيل الإمساك فجراً، والمعنى بضم السين: عملية التناول للطعام.
- (بَرَكَةً)
المعنى العام للبركة: حصول المنفعة الكبيرة من الشيء القليل، والمعنى الدقيق للبركة في هذا الحديث يختلف بحسب حركة السين المشددة في كلمة (السّحورِ)، فبفتح السين: التقوِّي على الصوم ولو بشربة الماء فقط، وبضمها: الأجر الكبير على الفعل اليسير ولو بشرب ماء فقط.
جوانب البركة في السحور
اجتهد العلماء في استنتاج فضائل تناول طعام السحور، وتعداد جوانب بركاته، ومن أبرزها ما سيأتي ذكره:
- القوة على الصيام والتفرغ لأداء عبادات في نهار الصوم سيصعب أداؤها إن ضعف بدنه؛ كقراءة القرآن، والسعي في طلب الرزق، والمحافظة على صلوات الجماعة.
- الخروج من مظنة الوصال في الصوم وبخاصة إذا نام الصائم فترة طويلة ولم يشاهد أبناءه إفطاره بعد المغرب.
- مخالفة أهل الكتاب الذين يصومون بلا سحور.
- تحري وقت السحَر حيث الدعاء فيه مستجاب والعمل فيه أرجى للقبول.
- التعرض لنفحات رحمات وقت السحَر وبخاصة عند الاستغفار في ذاك الوقت.
- تجديد النية للصوم فيخرج من اختلاف الفقهاء في حكم تجديده قبل الفجر.
- مدافعة سوء الأخلاق الذي قد يُثيره الجوع نهاراً.
- الامتثال لأمر الله ونبيه بإقامة السنّة مما يستوجب الأجر من الله وزيادته، في شهر مضاعفة الأجور.