شرح حديث: إذا خاصم فجر
نصّ حديث إذا خاصم فجر
أخرج البخاري في صحيحه، عن عبد الله بن عمرو -رضي الله عنه- عن النّبي -صلى الله عليه وسلم- أنّه قال: "أَرْبَعٌ مَن كُنَّ فيه كانَ مُنَافِقًا خَالِصًا، ومَن كَانَتْ فيه خَصْلَةٌ منهنَّ كَانَتْ فيه خَصْلَةٌ مِنَ النِّفَاقِ حتَّى يَدَعَهَا: إذَا اؤْتُمِنَ خَانَ، وإذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وإذَا عَاهَدَ غَدَرَ، وإذَا خَاصَمَ فَجَرَ".
شرح حديث: إذا خاصم فجر
معاني مفردات الحديث
فيما يلي بيانٌ لمعاني مفردات الحديث:
- المنافق: من يظهر خلاف ما يُبطن.
- خَصْلة: خُلُقٌ في الإِنسان، يكون فضيلةً أَو رذيلةً.
- اؤتمن: أراد ائْتمانه على ماله؛ اتِّخاذه أمِينًا عليه.
- عاهد: أي أعطاه عهدًا ووعدًا وميثاقًا لا رجعة فيه، عاقده وحالفه، قطع عَهْدًا له.
- فَجَر: أي فَسَقَ.
معنى الحديث
حثت الشريعة الإسلامية على الالتزام بمكارم الأخلاق ، ودعت إلى تجنّب كلّ ما هو مذمومٌ من الأفعال، وفي الحديث يخبر النبيّ -عليه الصلاة والسلام- عن علامات وخصال المنافق، والنفاق نوعان: نفاق اعتقاد وهو النفاق أكبر، ونفاق عملٍ وهو النفاق الأصغر؛ فأمّا نفاق الاعتقاد فهو أن يُظهر الإنسان الإيمان ويُبطن الكفر، وعقوبة صاحبه الخلود في الدرك الأسفل من نار جهنّم، وأمّا نفاق العمل -وهو موضوع هذا الحديث-؛ فذكر النّبي -عليه الصلاة والسلام- صفاتٌ له تميّزه وتدلّ عليه، فقال: "أَرْبَعٌ مَن كُنَّ فيه كانَ مُنَافِقًا خَالِصًا"؛ أي: من كانت فيه هذه الخِصال فهو أقرب ما يكون متشبِّهًا بالمنافقين، وإن كان فيه بعضها كان منافقًا بقدر ما يكون فيه حتّى يتركها، فأمّا الخصلة الأولى: فهي أن يشتهر بين النّاس ب الخيانة ؛ فإذا ما اؤتمن على مالٍ أو متاعٍ أو حديثٍ، لم يكن ملتزمًا بما بحفظ اؤتمن عليه وخان الأمانة، وأمّا الخصلة الثانية: أن يشتهر بالكذب في حديثه، والخصلة الثالثة: إذا عاهد غدر ولم يلتزم بما عاهد عليه، والرابعة: الفجور في الخصومة؛ فإذا ما خاصم تعمّد الخروج عن الحقّ، وجعل الحقّ باطلًا والباطل حقًّا، والمقصود من الحديث أنّ هذه الخِصال إنّما هي خصال المنافقين ، ومن تجرّأ على أيٍّ منها كان شبيهًا بالمنافقين في أخلاقهم وأعمالهم، لا أنّه مظهرٌ للإسلام مُبطن للكفر؛ ذلك أنّ معنى النفاق هو إظهار خلاف ما يُبطن فكان هذا المعنى موجودًا في الكذب، وإخلاف الوعد والخيانة، والفجور في الخصومة، فمن كانت فيه فإنّه يُردّ لمشيئة الله في الآخرة إن شاء عذبّه وإن شاء غفر له.
فوائد الحديث
في الحديث جملةٌ من المعاني والفوائد التي يجب التنبه إليها، ومنها ما يلي:
- على المسلم أن يلتزم بمكارم الأخلاق، ويتجنب سوء الخلق في القول والعمل.
- التحذير من الاتصاف بصفات المنافقين المُوجبة للعقاب.
- النفاق نوعان: نفاق عملٍ ونفاق اعتقادٍ، ولكلٍّ منهما عقوبته في الدنيا والآخرة.
أحاديث في صفات المنافقين
وردت أحاديث عدَّةٌ عن النبيّ -عليه الصلاة والسلام- تصف المنافقين، ومنها ما يلي:
- أورد الألباني في صحيح أبي داود، عن أُبيّ بن كعب -رضي الله عنه- قال: "صلَّى بِنا رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ يومًا الصُّبحَ فقالَ أشاهِدٌ فلانٌ قالوا لا قالَ أشاهدٌ فلانٌ قالوا لا قالَ إنَّ هاتينِ الصَّلاتينِ أثقَلُ الصَّلواتِ علَى المُنافِقينَ ولَو تعلَمونَ ما فِيهِما لأتيتُموهُما ولَو حَبوًا علَى الرُّكَبِ وإنَّ الصَّفَّ الأوَّلَ علَى مِثلِ صفِّ الملائِكَةِ ولَو عَلِمْتُم ما فَضيلتُهُ لابتَدرتُموهُ وإنَّ صلاةَ الرَّجلِ معَ الرَّجلِ أزكى مِن صلاتِهِ وحدَهُ وصَلاتُهُ معَ الرَّجُلَيْنِ أزكى مِن صلاتِهِ معَ الرَّجلِ وما كثُرَ فَهوَ أحبُّ إلى اللَّهِ تَعالى".
- أخرج الترمذي في سننه، عن عائشة أم المؤمنين -رضي الله عنها- قالت: "ما كان خُلُقٌ أَبْغَضَ إلى رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم من الكَذِبِ، ولقد كان الرجلُ يُحَدِّثُ عند النبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم بالكِذْبَةِ، فما يَزَالُ في نفسِهِ، حتى يَعْلَمَ أنه قد أَحْدَثَ منها توبةً".
أحاديث في عقوبة النفاق
- أورد الألباني في صحيح الجامع، عن معاوية بن حيدة القشيري -رضي الله عنه- عن النّبي -صلى الله عليه وسلم- أنّه قال: "وَيْلٌ للذي يُحَدِّثُ فيَكْذِبُ لِيُضْحِكَ به القومَ، وَيْلٌ له، وَيْلٌ له".
- أخرج البخاري في صحيحه، عن الأسود بن يزيد -رضي الله عنه- قال: "كُنَّا في حَلْقَةِ عبدِ اللَّهِ فَجَاءَ حُذَيْفَةُ حتَّى قَامَ عَلَيْنَا فَسَلَّمَ، ثُمَّ قالَ: لقَدْ أُنْزِلَ النِّفَاقُ علَى قَوْمٍ خَيْرٍ مِنكُمْ، قالَ الأسْوَدُ: سُبْحَانَ اللَّهِ! إنَّ اللَّهَ يقولُ: {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ} [النساء: 145]، فَتَبَسَّمَ عبدُ اللَّهِ، وجَلَسَ حُذَيْفَةُ في نَاحِيَةِ المَسْجِدِ، فَقَامَ عبدُ اللَّهِ فَتَفَرَّقَ أصْحَابُهُ، فَرَمَانِي بالحَصَى، فأتَيْتُهُ، فَقالَ حُذَيْفَةُ: عَجِبْتُ مِن ضَحِكِهِ، وقدْ عَرَفَ ما قُلتُ، لقَدْ أُنْزِلَ النِّفَاقُ علَى قَوْمٍ كَانُوا خَيْرًا مِنكُم ثُمَّ تَابُوا، فَتَابَ اللَّهُ عليهم".