درجات الصبر على الابتلاء
تعريف الصبر
عرَّف ابن القيّم الصبر في كتابه مدارج السالكين بأنّه: حَبس النفسِ عن الجزعِ والتسخّط، وحَبس اللسان عن الشكوى، وحبس الجوارح عن التشويش، وأرود في كتابه عدّة تعريفاتٍ للصبر، منها أنّه: "الوقوف مع البلاءِ بُحسن الأدب"، "تجرّع المرارة من غير تعبّس"، وعرّفه بأنّه: "تعويد النفس الهجوم على المكاره"، ونقيض الصبرِ الهَلع والجزع عند وقوع المصائب، وهو ممّا نهى النبيّ -عليه الصلاة والسلام- عنه في قوله: "ليسَ مِنَّا مَن ضَرَبَ الخُدُودَ، وشَقَّ الجُيُوبَ، ودَعا بدَعْوَى الجاهِلِيَّةِ"، وعن عليّ -كرّم الله وجهه- قال: "ألا إنّ الصبر في الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد؛ فإذا قُطع الرأس باد الجسد"، ثمّ رفع صوته قائلًا: "ألا إِنّه لا إيمان لمن لا صبر له".
درجات الصبر
قسّم بعض العلماء الصبر إلى ثلاث درجاتٍ، وهي:
- الصبر على المعصية؛ بمطالعة وعيد الله وعذابه، أو أن يكون باعث الصبر عليها؛ الحياء منه عزّ وجلّ، وأحسن من ذلك أن يكون الباعث محبَّته سبحانه.
- الصبر على الطاعة؛ بالمداومة عليها، والإخلاص فيها، والإحسان في عملها.
- الصبر على البلاء؛ بملاحظة حُسن جزاء من يصبر عليه، وانتظار الفرج، وتهوين البليّة، وذكر النِعم السابقة.
مراتب الصبر على البلاء
ذكر ابن القيّم -رحمه الله- مراتب للصبر، وهي في تعدادها خمسةٌ، وآتيًا ذكرها:
- مرتبة الصابر: وهي أعم المراتب.
- مرتبة المُصطَبِر: المُكتسب للصبر المليء به.
- مرتبة المُتصبّر: أي مُتَكلّف الصبر الذي يحمل نفسه عليه ويلزمها به، ومن ذلك قول رسول الله عليه الصلاة والسلام: "مَن يَتَصَبَّرْ يُصَبِّرْهُ اللَّهُ"، بمعنى أن الله تعالى جعل ثواب من يَتَصبّر أن يرزقه الصبر ويُعينه عليه.
- مرتبة الصَّبور: وهو الإنسان عظيم الصبر، الذي يكون صبره أكبر وأعظم من صبر غيره.
- مرتبة الصَّبار: الكثير الصبر، فهذا في القدرِ والكمِّ، والذي قَبله في الوصفِ والكيف.
ويتبع ذلك مرتبةٌ أعلى وأكمل، وهي: مرتبة الرضا، والرضا سنَّةٌ وليس بواجبٍ، وتتمثّل في رضا العبد بما حلَّ به من بلاء، و شكر الله تعالى على حاله؛ لما فيه من تكفيرٍ للسيّئات، ونيل الحسنات والجزاء الجزيل، والاستبشار بما عند الله من فرجٍ وتعويض.
أنواع الصبر
إنّ الصبر على ثلاثة أنواع، هي: صبرٌ بالله، وصبرٌ لله، وصبرٌ مع الله، أما الصبر بالله؛ فيُقصد به الاستعانة به، وأنّه -سبحانه وتعالى- هو المُتفضَّل على العبد بالصبر، يقول تعالى: (وَاصبِر وَما صَبرُكَ إِلّا بِاللَّـهِ)، وأمّا الصبر لله؛ فمعناه أن يكون دافع العبد للصبر محبَّة الله، وإرادة رضاه، والتقرّب إليه، والصبرُ مع الله -وهو أشد أنواع الصبر وأصعبها-؛ فيكون بصبر العبد على مُرادات الله وأحكام شريعته؛ فيسير حيث تسير، يتّجه حيث اتّجهت.