كيف أتعلم اصول الفقه
كيف أتعلم أصول الفقه
يمكن تعلّم أصول الفقه من خلال عدّة أمور أساسية لهذا العلم، نذكرها فيما يأتي:
- العلم بالقرآن الكريم، من خلال العلم بمعاني مفرداته المتعلّقة بالأحكام العمليّة فيه، والمقدّرة بخمسمائة آية، ولا يُشترط حفظها غيباً، وإنّما فهمها والقدرة على الرّجوع إليها عند الحاجة، ويتحقّق الفهم إمّا بتعلّم اللّغة العربية بفروعها كالنّحو، والصّرف، والمعاني، أو بالفطرة، وتعلّم المعاني المؤثرة في الأحكام، وأقسام اللّفظ، وأسباب النزول ، وما يرتبط من الآيات بالأحاديث، ليُتوصّل إلى المُراد من الآية الكريمة.
- العلم بالسنّة النبويّة المرتبطة بالأحكام الشرعيّة،فيعلم معاني مفرداتها ومقتضياتها، ولا يُشترط حفظها بل معرفتها ليتمكّن من الرّجوع إليها عند الحاجة إليها، والعلم بدرجة صحّة سندها ومتنها، مشتملاً بذلك العلم بالصّحيحين، والسُّنن الأربعة، وما يُلحق بها كالموطأ وسُنن الدارمي، والدارقطني، والبيهقي، إضافة إلى المسانيد والمُستخرجات، والكتب التي حرص مؤلفوها على انتقاء الأحاديث الصّحيحة مثل صحيح ابن حبان، وصحيح ابن خزيمة، ومصنف عبد الرزاق، ثم بعد اعتماده لهذه المصنّفات يجب أن يكون قادراً على تمييز الصّحيح من غيره، أو يعتمد على كتب أحاديث الأحكام وتخريجها للأحاديث الواردة فيها.
- العلم بالنّاسخ والمنسوخ؛ ويشمل ذلك منسوخ القرآن الكريم، والسنّة النبويّة، وذلك تفادياً من الوقوع في الاعتماد على نصّ منسوخ عند الفتوى وإصدار الحكم.
- معرفة المسائل المُجمع عليها من قبل المجتهدين؛ لأنّ المسألة إن أصبحت محلّ إجماع فإنّها تصير في مرتبة القطع ولا يمكن القول بخلافها، فعلى المجتهد أن يكون عالماً بمسائل الإجماع؛ ليحرص على عدم مخالفة رأيه للإجماع، ولا يُشترط حفظ المسائل المُجمع عليها، بل يكفي معرفتها لكي لا يجتهد فيها، ومن ذلك ينبغي معرفة المسائل التي اختلف فيها المجتهدون من قبله، ممّا يعمل عنده على تنمية القدرة على استنباط الأحكام والبحث والفهم.
- معرفة وجوه القياس وشروطه، وعِلل الأحكام، وطرق الاستنباط من النّصوص الشرعيّة وغيرها ممّا يُمكن الاستنباط منه.
- العلم باللّغة العربيّة وما يتفرّع عنها من العلوم؛ ذلك أنّها لغة القرآن الكريم، والسنّة النبويّة، فيستطيع المجتهد فهم مفردات كلّ منها، كما أنَّ التميّيز بين العامّ والخاص، والمُطلق والمقيّد، والأمر والنهي، والمُجمل والمبيّن، والحقيقة والمجاز، يعدّ ضرورة يتوقّف عليه الكثير من الأحكام، ولا يجب في ذلك المقام أن يكون حافظاً لكل ذاك، وإنّما أن يكون له علم بكيفيّة استخراج ذلك من المصنّفات المتعلّقة بها، وأن تكون له المقدرة على فهم مُرادات الألفاظ من قبل العرب ومواضعها التي جاءت بها.
- العلم بأصول الفقه ؛ ويأتي في الأهميّة في المرتبة الثانية بعد اللّغة العربيّة من أجل فهم النّصوص واستنباط الأحكام منها وفقاً للمصادر المعتمدة لذلك، ومعتمداً في ذلك على القواعد الأصوليّة، ثمّ يتفرّع منه العلم بمقاصد الشريعة حتى يُوفِّق المجتهد بين هذه المقاصد والنّصوص الشرعيّة، ولا يُشترط العلم بفروع الفقه وعلم الكلام ، وطرق المتكلّمين، بل يكفي ممارسة الفقه وحسب.
- العلم بلسان العرب بالقدر الذي يُمكِّنه من فهم الكلام.
- بذل الوسع والطاقة في البحث والاجتهاد، وأن يُبنى اجتهاده على دليل وأصل .
- العلم بتفاصيل الحادثة التي يقوم بالاجتهاد فيها، وأن يتأنّى بإطلاق الأحكام، حتى لا يعكس الحكم، وتتداخل الأمور ببعضها البعض عنده.
- الاتّصاف بالعلم والصّدق ، والسيرة الحسنة، والعدالة، وقول الحقّ دون خوف، فإنّ المجتهد يعدّ ناقلاً عن ربّ العالمين، مسؤولاً عما ينقله بين يدي الله -تعالى- ومحاسباً عليه.
حكم تعلم أصول الفقه
يختلف حكم تعلّم أصول الفقه باختلاف حال المتعلّم، وبيان ذلك فيما يأتي:
- فرض عين: إن كان طالب علم يبتغي الوصول إلى مرحلة الاجتهاد، واستنباط الأحكام، لأنّه السّبيل للوصول إلى غايته، وهو الطّريق الذي يُمكن من خلاله معرفة أحكام الله -تعالى- الواقعة بالمكلّفين.
- فرض كفاية إن كان طالباً للعلم بشكل عامّ دون الاختصاص بمجال الاجتهاد، مثله مثل غيره من العلوم، ويعد تعلّم هذا العلم من قبل العاميّ ليس بفرض، لكنّ السؤال في حقّه فرض، عملاً بقول الله -تعالى-: (فَاسأَلوا أَهلَ الذِّكرِ إِن كُنتُم لا تَعلَمونَ)، فعلم الأصول فرض كفاية إن تعلّمه مجموعة من النّاس سقط عن الباقين، ولم يجب في حقّهم، لأنّ السؤال من قبل غير العالمين به جائز.
مصادر علم أصول الفقه
يأخذ علم أصول الفقه محتواه من أربعة مصادر، وذكرها فيما يأتي:
- القرآن الكريم والسنّة النبويّة الشّريفة؛ فإنّ من موضوعات علم أصول الفقه أدلّة الأحكام، والمرجع الأساسي للدلالة على الأحكام هو القرآن الكريم، والحديث النبويّ.
- علم أصول الدّين أو ما يُسمّى بعلم الكلام؛ فالعلم بالأدلّة الإجماليّة والاستدلال بها يستلزم العلم بالله -تعالى- وصفاته، وما يجب له، وما يجوز له، وما يمتنع عنه، والتّصديق برسوله وما أخبر به، وما يجوز له وما يمتنع عنه.
- اللّغة العربيّة؛ فالقرآن الكريم نزل باللّغة العربيّة، وكذلك السنّة النبويّة جاءت باللّغة العربيّة،وعند ذكر أيّ منها كدليل يجب أن يكون المُستدِلّ عالماً بطريقة العرب في فهمها، وما فيها من عموم وخصوص، وإطلاق وتقييد، وإجمال، واشتراك، وغيرها.
- الفقه الإسلاميّ؛ فإنّ الفقه يُستمَدّ من الأدلّة التفصيليّة، وسُمّي أيضاً بالأحكام الشرعيّة، ذلك أنّ الغاية من الفقه معرفة الأحكام الشرعية.
أمّا من أسماه بالفقه فقد استند على أنّ الأصوليّ يحتاج إلى ذكر أمثلة من الفقه ليكون كلامه مفهوماً، إضافةً إلى وجوب العلم بالأحكام الشرعيّة كالحرام، والواجب.
يقدم تعلم أصول الفقه على الفقه
يُقدّم المتعلِّم علم أصول الفقه على تعلّمه للفقه، حتّى إذا ما بدأ بتعلّم الفقه كان عالماً بما يتعرّض له من دقائق الأمور، وجزئيات المسائل، وتكون النتائج التي يُتوصل إليها مبنيّة على أساس علميّ متين قائم على فروع هذه المسائل، ثمّ إنّ من تعلّم أصول الفقه فإنّه يَتمكّن من ترجيح الخلاف الحاصل بين المذاهب الفقهيّة في الفقه ووضعها على مقياس القواعد الأصولية ونقدها، وإذا اقتصر العلم على الفقه دون الأصول كان ناقصاً لا أساس له يرتكز عليه، وفيه قال أبو البقاء الكعبري: (أبلغ ما يُتوصّل به إلى إحكام الأحكام أصول الفقه).
فوائد علم أصول الفقه
لعلم الأصول العديد من الفوائد، نذكرها فيما يأتي:
- بيان القواعد والمبادئ التي تُمكِّن الفقيه من نهجها والسير عليها، من أجل استنباط الأحكام المتعلّقة بالنّوازل المستجدّة.
- مساعدة طالب العلم الذي لم يبلغ مرتبة استنباط الاحكام على الاطّلاع بما قام به معلمّه في الاجتهاد واستنباط الأحكام، فيرتاح قلبه لمعلّمه ويطمئن، ويقلّده فيما أخذ عنه ويبلّغه لغيره، ويدافع عنه.
- العالم بأصل الحكم ودليه أعظم أجراً ممّن لا يعلم الأصل والدّليل.
- القدرة على معرفة الأحكام الشرعيّة لكلّ أمر جديد يقع ولا يوجد نصّ فيها.
- الدعوة إلى الله -تعالى- بأسلوب مقنع من خلال تقديم الأدلّة،ممّا يساعد على استجابة الطّرف المدعو، وإثبات صلاحيّة الإسلام لكلّ مكان وزمان لأعدائه، وأنّه مُستجد وفق النّوازل، والأحداث المتطورة في كلّ زمان ومكان.
- تقديم النّفع لأهل اللّغة العربية؛ كون علم الأصول يبحث في معاني المفردات ويجمع بين اللّغة والشّريعة، أمّا علم اللّغة فإنه يبحث في اشتقاقات الكلام، إضافةً إلى استفادة المفسّرين وعلماء الحديث كون علم الأصول يبحث في دلالات الألفاظ.
- مساعدة الباحثين في كتابة بحوثهم من خلال إيراد المسائل والاستدلال عليها وفق قواعد ومبادئ واضحة.
- بيان المقصود من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية الشريفة، ولا يُمكن ذلك إلّا من خلال تعلّم أصول الفقه لمعرفة دلالة النّص ونوعها.
- معرفة مقاصد الشّريعة ، وتقديم إحداها على الأخرى إن تعارضت، وتقديم الواجبات على المُستحبات، والمستحبات على المباحات، ومعرفة المصالح والمفاسد وفقاً لقوّة الدّليل.