خطبة عن قيمة الوقت
خطبة عن قيمة الوقت
مقدمة الخطبة
الحمد لله ثم الحمد لله، الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، وبذكره تحلو الأوقات، وبرحمته ومغفرته تقال العثرات، والصلاة والسلام على النبي العربي الهاشمي الأمي، وعلى آله وأصحابه، وعلى من سار نهجهم، واقتفى أثرهم إلى يوم الدين، واجعلنا في زمرتهم يا رب العالمين، وبعد
الوصية بتقوى الله تعالى
أوصيكم أحبتي في الله بتقواه ولزوم طاعته، وأحذركم من مخالفة أمره ونهيه، واتعظوا من قوله -عز وجل-: (وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ).
الخطبة الأولى
أيها الأخوة الأكارم، خطبتنا لكم هذا اليوم عن قيمة الوقت، و"الوقت هو الحياة"،كما قال أحد الحكماء، وقال آخر: "الوقت كالسيف إن لم تقطعه قطعك"، وقال الشاعر: "والوقْتُ أَنْفَسُ ما عَنِيتُ بِحِفْظِهِ وَأَرَاهُ أسهَلَ ما عليك يَضِيعُ"،وقال آخر: "دَقَّـاتُ قلبِ المـرءِ قَائِلَةٌ لهُ إنَّ الحَيـَاةَ دَقَائقٌ وثَوَان".
أيّها الأحبة، ولأهمية الوقت فقد أقسم ربنا -سبحانه وتعالى- في كثير من آياته البينات بأوقات مختلفة، والله -سبحانه وتعالى- إذا أقسم بشيء دل على أهميته، ومن تلك الآيات قوله -عز وجل-: (وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى* وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى)،وقال -تبارك وتعالى- في موضع آخر: (وَالضُّحَى* وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى)،وقال -جل وعلا-: (وَالْعَصْرِ* إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ).
أيُّها الأكارم، بيّن لنا رسولنا الكريم -صلى الله عليه وسلم- أهمية الوقت في حديثه عن أهم الأسئلة التي توجه للعبد يوم القيامة، والذي ينقله لنا الترمذي عن أبي برزة الأسلمي -رضي الله عنه- قال: (لا تزول قدما عبدٍ حتى يُسألَ عن عمُرهِ فيما أفناهُ، وعن علمِه فيما فعل، وعن مالِه من أين اكتسَبه وفيما أنفقَه، وعن جسمِه فيما أبلاهُ).
أيُّها الإخوة الأعزاء، مما يؤكد قيمة الوقت أن هناك ارتباطاً وثيقاً بين شعائر الدين والوقت، فلكل صلاة وقت دخول ووقت انتهاء، قال الحق -سبحانه وتعالى-: (إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَّوْقُوتًا)،وكذلك الصيام يبدأ في وقت وينتهي في آخر، ويفرض في شهر محدد -رمضان-، من كل سنة، قال -عز وجل- عن أيام الصيام: (أَيَّامًا مَّعْدُودَاتٍ).
وكذلك الزكاة فقد حدّدت فرضيتها بدوران الحول، أو بوقت حصول الثمر، قال -عز من قائل-: (وَآتوا حَقَّهُ يَومَ حَصادِهِ)،والحج أيضاً له وقت خاص، لا يجوز في غيره، قال -تبارك وتعالى-: (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ)،وقال -صلى الله عليه وسلم-: (الحَجُّ عَرَفةُ)،وعرفه هو يوم من السنة -يعني وقت-.
أيُّها الفضلاء، للوقت خصائص، نبيّن لحضراتكم بعضا منها:
- سرعة انقضائه، فهو يمر مر السحاب، ولا تشعر بانقضائه، وقد عبر الله -سبحانه وتعالى- عن هذا المعنى حين تحدث عن قِصَر العمر الذي يشعر به المرء يوم القيامة: (كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا).
- إنّ ما مضى منه لا يعوض أو يعود، ولكم تمنى الناس عودته في حال مشيبهم متمثلين قول الشاعر: "ألا ليت الشباب يعود يوماً فأخبره بما فعل المشيب"، وأصدق من ذلك في هذا المعنى قول الحسن البصري -رحمه الله تعالى-: "ما من يوم ينشق فجره إلّا وينادي: يا ابن آدم أنا خلق جديد وعلى عملك شهيد، فتزود مني فإني إذا مضيت لا أعود إلى يوم القيامة".
- الوقت أنفس ما يملك الإنسان، فهو حياتك، وانظر إلى قول الحسن البصري البليغ الذي يقول فيه: "يا ابن آدم إنما أنت أيام، إذا ذهب يومك ذهب بعضك".
أيّها الأحباب، ما هو واجبنا نحو الوقت؟ علينا أحبتي في الله أن نتبع الأمور الآتية:
- نحرص على كل لحظة فيه، إما بعمل طاعة كذكر أو دعوة إلى الله -سبحانه وتعالى-، أو طلب علم، أو غيرها، وإما بأعمال تعود بالنفع المادي على الفرد ومن يعول، ولقد قال سلفنا في ذلك: "من علامة المقت إضاعة الوقت"، وقال الحسن البصري: "أدركت أقواماً كانوا أحرص على وقتهم منكم على دنانيركم".
- محاربة قتلة الأوقات، وما أكثرها في عصرنا، كوسائل التواصل الاجتماعي، وصحبة الفارغين وغيرها.
- اغتنام الفراغ، قال الصادق المصدوق -عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم-: (نِعْمَتانِ مَغْبُونٌ فِيهِما كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ: الصِّحَّةُ والفَراغُ)،وقال -صلى الله عليه وسلم-: (اغتنمْ خمسًا قبلَ خمسٍ: حياتَك قبلَ موتِك، وصحتَك قبلَ سقمِك، وفراغَك قبلَ شغلِك، وشبابَك قبلَ هرمِك، وغنَاك قبلَ فقرِك).
- المسارعة في الخيرات، قال الحق -جل وعلا-: (وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ)،وقال -عليه الصلاة والسلام-: (من خاف أَدْلَجَ، ومن أَدْلَجَ بلغ المنزلَ، أَلَا إن سِلْعَةَ اللهِ غاليةٌ، أَلَا إن سِلْعَةَ اللهِ الجنةُ).
- تنظيم الوقت، بمراعات الواجبات الدينية والدنيوية، مع الاهتمام بالأهم قبل المهم، وما هو واجب في هذه الساعة على غيره ممن يمكن تأجيله، فلكل وقت عمله، وهكذا.
الخطبة الثانية
الحمد لله ما تعاقب الليل والنهار، الحمد لله ما ذكره عباده الأبرار، والصلاة والسلام على النبي المختار، وعلى آله وصحابته الأخيار، فإنّ الوقت من أهم ما يجب على المؤمن أن يتفقده، وينظر فيما ينفقه؛ فلعظمته أقسم ربنا -سبحانه وتعالى- به في أكثر من موضع، وربط كثيراً من شعائرنا به وهو سريع الانقضاء.
وما ذهب منه لا يُعوّض ولا يُشترى، وهو حياة الإنسان، وفي مقابل ذلك وجب علينا أن نحرص على كل دقيقة، بل ثانية منه، وألّا نسمح بهدره فيما لا ينفع، وأن ننظّم وقتنا مستفيدين من أوقات الفراغ، مستخدمين ذلك في المسارعة في الخيرات.
الدعاء
- اللهم إنا نسألك صلاح الساعات، والبركة في الأوقات.
- اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه.
- اللهم اجعلنا من عبادك الذين يتسابقون على طاعتك في كلِّ حين، ونعوذ بك أن نضيع أعمارنا في غير ما يرضيك.