خطبة عن آية (ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع)
خطبة عن آية (ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع)
مقدمة الخطبة
الحمد لله رب العالمين، المتفضل على عباده بالنعم والمنن، ومن ألهم الصبر للمبتلين وبشرهم ببشارة عظيمة على صبرهم واحتسابهم، والصلاة والسلام على نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- سيد المؤمنين الصابرين وعلى آله وأصحابه ومن استن بسنته واقتفى أثره بإحسان إلى يوم الدين ثم أما بعد.
الوصية بتقوى الله
أوصيكم أيها الأخوة المؤمنون وأوصي نفسي المقصرة بتقوى الله العظيم؛ فالتقوى سبب الفلاح والنجاح في الدنيا والآخرة، وسبيل المؤمنين لنيل رفيع الدرجات عند الله -عز وجل-، وأحذركم -عباد الله- من مخالفة أمر الله ونهيه وعصيانه، فالتقوى تحصّل البركات وتدفع التهلكات.
قال الله -عز وجل- في كتابه الكريم بعد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا* يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا).
الخطبة الأولى
أيها الأخوة المؤمنون يقول الله -عز وجل- في محكم كتابه العظيم في سورة البقرة، بعد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (وَلَنَبْلُوَنَّكُم بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ ۗ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ).
يخبر الله المؤمنين في هذه الآية أن الدنيا دار ابتلاء واختبار، وأنه لا بد من أن يمس الإنسان من البلاء كبلوى الموت والفقر وانعدام الأمن ويأمرهم بالصبر، ويسوق لهم بشارة عظيمة إذا ما صبروا على تلك البلوى واحتسبوا.
ويتأتى -عباد الله- تحصيل الصبر على البلوى بعدة طرق؛ أول هذه الطرق: أن يعرف المسلم جزاء صبره الذي صبره، والثواب الكبير للصابرين الذي وعده الله -عز وجل- به، وكذا فإن من الطرق الأخرى لتحصيل الصبر أن يعلم الصابرون أن بصبرهم يكفر الله سيئاتهم وذنوبهم ويمحوها.
ويتأتى الصبر أيها الأخوة المؤمنون أيضاً من خلال الإيمان بأن هذا قدراً سابق يجري به، وأن البلاء مقدر له في أم الكتاب حتى قبل أن يخلق، وأنها لا بد منه، وبهذا فإن جزعه ونقمته لا تفيده ولا تزيده إلا بلاء فوق بلاء.
والمسلم -أيها الإخوة الموحدون- كذلك مأمور بمعرفة حق الله -تبارك وتعالى- عليه في هذه البلوى، والواجب عليه الصبر بإجماع أهل العلم، أو الصبر والرضا على أحد القولين، وبهذا تتحقق عبوديته لله وحق الله عليه بالصبر الذي هو مأمور بها، وكذلك يتحصل الصبر عن معرفة أنها هذه البلوى قد ترتبت عليه بسبب ذنوبه لقوله -تعالى-: (وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ) .
وهذا قول علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- بأنه ما نزل من بلاء إلا بذنب؛ وأنه لا يرفع إلا بالتوبة لله-عز وجل-، ومما يجلب الصبر على البلاء أيضاً -عباد الله- أن يعلم المرء أن هذه البلوى مما ارتضاه له ربه وقسمها له.
وأن العبودية لله -تبارك وتعالى- تستلزم من العباد أن يرضوا بما ارتضاه الله لهم، فهكذا يكون الرضا وهو الدرجة العليا بقبول البلوى واحتسابها، ومن لم يكن منه الرضا فينزل لمقام الصبر وإن لم يصبر فهذا تعدي للحق.
وعلى المسلم عباد الله أن يدرك أن هذا البلاء ساقه له الرحيم به، وهو ترياق نافع لحكمة يعلمها الله فليس عليه أن يسخط أو يشكو فيظلم نفسه ويحرم من النفع من هذا العلاج، وبعد هذا الدواء والعلاج هناك الشفاء وزوال الأوجاع.
ولن يتحصل المرء على هذا الشفاء بدون أن يجرع الدواء المر؛ وهو البلاء الذي ابتلاه الله به وصبر عليه ورضي به، أقول ما سمعتم واستغفر الله لي ولكم فاستغفروا الله.
الخطبة الثانية
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله أما بعد: إذا رأيت أيها المسلم أن هناك مرارة في هذه البلوى؛ فتذكر أن أجر الصابرين وأن عاقبة هذه البلوى خير وعافية، وتأثيرها خير وبركة حيث يقول الله -تعالى- في سورة النساء بكتابه الكريم، بعد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (فَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا)، وفي موضع آخر قوله -تعالى-: (وَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ ۖ وَعَسَىٰ أَن تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ ۗ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ).
والمصيبة لم تأتِ -عباد الله- لهلكة المرء؛ إنما لاختبار صبره وامتحانه بأنه هل يستحق أن يكون من المقربين من الله وأوليائه، وهل يثق بأن مولاه يعلمه ويربيه على أن هناك سراء وضراء في هذه الدنيا، وأن من يستعن بالله في نعمه وبلائه فهو العبد التي تتحقق عبوديته لله -عز وجل-.
الدعاء
- اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات، والمؤمنين والمؤمنات، الأحياء منهم والأموات، اللهم انصر الإسلام والمسلمين، اللهم اجعلنا من الراضين الصابرين في البأساء والضراء.
- اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك والصبر -مولانا- على بلائك، اللهم أحسن خاتمتنا في الأمور كلها، الله اجعلنا عباداً صالحين مصلحين صابرين منيبين إليك.
- اللهم كن لنا ولا تكن علينا، واقسم لنا من خشيتك ما تحول به بيننا وبين معصيتك، ومن طاعتك ما تبلغنا به جنتك، ومن اليقين -ربنا- ما تهون به علينا مصائب الدنيا وبلائها.
- اللهم متعنا اللهم بأسماعنا وأبصارنا وقواتنا أبداً ما أبقيتنا، واجعله الوارث منا، واجعل ثأرنا على من ظلمنا، وانصرنا على من عادانا، ولا تجعل مصيبتنا في ديننا، ولا تجعل الدنيا أكبر همنا، ولا مبلغ علمنا، ولا إلى النار مصيرنا.
- اللهم اهدنا واهد بنا واجعلنا سبباً لمن اهتدى، ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار، اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين والتابعين وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدين وعنا معهم أجمعين، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
عباد الله، إنّ الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى، وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي، يعظكم لعلكم تذكّرون، وأقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم فاستغفروه إنّه هو الغفور الرحيم.