متى تم فتح القسطنطينية
القسطنطينيّة
عُرِفت القسطنطينيّة في التاريخ بالعديد من الأسماء، كبيزنطة، والأستانة، وإسلامبول، إلى جانب اسم القسطنطينيّة الذي أطلقه عليها الإمبراطور الروماني قسطنطين العظيم عندما اختارها لتكون عاصمة للإمبراطوريّة الرومانيّة، وفي الفترة التي انقسمت فيها الإمبراطوريّة الرومانيّة إلى شرقيّة، وغربيّة، أصبحت القسطنطينيّة عاصمة للجزء الشرقي من الإمبراطوريّة، وفي الفترة التي توسَّع فيها المسلمون بفتوحاتهم، كانت القسطنطينيّة جزءاً من هذه الفتوحات؛ حيث دخلها محمد الفاتح وأطلق عليها اسم إسلامبول (مدينة السلام)، وفي هذا المقال ذكرٌ لتاريخ مدينة القسطنطينيّة، وكيفيّة فتحها.
تاريخ فَتح القسطنطينيّة
لا بُدّ لنا قبل الحديث عن تاريخ فَتح القسطنطينيّة من ذِكر نبوءة النبي -صلّى الله عليه وسلَّم- في فتحها، فعن عبد الله بن عمرو بن العاص أنّه قال: (بينما نحنُ حولَ رسولِ اللهِ نكتب، إذ سُئِلَ رسولُ اللهِ: أيُّ المدينتيْنِ تُفتحُ أولًا القسطنطينيةُ أو روميَّةُ؟ فقال رسولُ اللهِ: مدينةُ هرقلَ تُفتحُ أولًا: يعني قسطنطينيّة)، وقد جاء فتح القسطنطينيّة في عام 857 للهجرة، على يد السُّلطان محمد الفاتح، إلّا أنّه كانت هنالك محاولات أخرى للمسلمين؛ من أجل فتحها، حيث تمثَّلت هذه المحاولات بما يأتي:
- في العهد الأمويّ، وذلك عام 44 للهجرة، وتحديداً في زمن الخليفة معاوية بن أبي سفيان، إلّا أنّ هذه المحاولة لم تنجح، علماً بأنّها كانت بداية المحاولات لفتحها.
- في زمن الخليفة سليمان بن عبد الملك، وذلك في عام 98 للهجرة، حيث حاول الأمويّون فتحها، إلّا أنّ محاولتهم لم يتحقَّق لها النجاح.
- في عهد هارون الرشيد ، حيث كان للعبّاسيين نصيبٌ من هذه المحاولات التي كان أبرزها عام 190 للهجرة، ولم يُكتَب لهذه المحاولات النجاح أيضاً.
- في العهد العثماني، حيث كانت هنالك محاولات عديدة، علماً بأنّ أبرزها كانت في عام 796 للهجرة، وهي الحملة التي قادها بايزيد الأوّل (صاعقة الإسلام)، والذي استطاع فَرض الحصار عليها، ومن الجدير بالذكر أنّ القسطنطينيّة كانت على وشك أن تستسلم للعثمانيّين لولا غزو المغول للدولة العثمانيّة من ناحية الشرق، فما كان من بايزيد الأوّل إلّا أن فكَّ الحصار عن القسطنطينيّة؛ لمواجهة الخطر المغوليّ، وعلى الرغم من ذلك فقد أعاد العثمانيّون الكَرّة، وذلك بمحاولة أخرى لفتح القسطنطينيّة في عهد السُّلطان مراد الثاني، إلّا أنّه لم يُقدَّر لها النجاح.
الاستعدادات لفَتح القسطنطينيّة
وضع محمد الفاتح أمامه هدفاً رئيسيّاً منذ أن تولّى حُكم الدولة العثمانيّة، ألا وهو فتح القسطنطينيّة، وتحقيق نبوءة النبي -عليه السلام-، ولأجل ذلك، حرص على الإعداد لهذا الفتح العظيم، وذلك من خلال تقوية جيشه ماديّاً، ومعنويّاً؛ إذ نشرَ بينهم العلماء؛ لتقوية عزائمهم، وتذكيرهم بما قاله النبي عن الفتح، وثناءه على جيش الفتح؛ حتى يُعِدّوا العُدّة لذلك، عسى أن يكون جيشه هو الجيش المنشود، كما استعان بأهل الخبرة؛ لمعرفة السبب الذي يجعل فتح القسطنطينيّة من الأمور الصعبة، فكان هنالك عدّة أسباب تُعيق فتحها، وهي على النحو الآتي:
- عدم وجود حصون للمسلمين إن أرادوا حصارَها، حيث إنّهم مُعرَّضون للبقاء في العَراء أثناء فصل الشتاء شديد البرودة، إضافة إلى أنّ بناء حصن خاصّ للمسلمين يحتاج إلى سنة كاملة.
- عدم امتلاك جيش المسلمين مدفعاً قويّاً قادراً على اختراق أسوار القسطنطينيّة، أو يعلوها في الارتفاع.
- وجود سلسلة تمنع أسطول المسلمين من عبور الخليج؛ للوصول إلى القسطنطينيّة.
بعد أن حدَّد الفاتح الأسباب التي تُعيق فتح جيش المسلمين للقسطنطينيّة، حرص على حلّها بعقل واعٍ، ونفس طموحةٍ؛ فكوَّن مجلساً لحلّ العقبات جميعها، وأنفق الكثير من المال لتحقيق ذلك، واستقدمَ أصحاب الخبرة في الحرب ؛ لمساعدته على اجتياز هذه العقبات، وهذا ما جعله يضع خطّة أوّلية للفتح، حيث شملت هذه الخطّة إزالة العوائق جميعها من خلال ثلاثة أمور، وهي:
- بناء حصن للمسلمين خلال مدة زمنيّة قصيرة لا تتجاوز ثلاثة أشهر، وبذلك استطاع محمد الفاتح إزالة أولى العقبات التي تمنع فتح القسطنطينيّة.
- صناعة مدافع قويّة تصل إلى القسطنطينيّة؛ بهدف تجاوز العقبة الثانية (عدم وجود مدفع قويّ)، حيث عَهِد الفاتح إلى أوربان المهندس المجريّ بصُنْع ثلاثة مدافع، وذلك بمساعدة مُهندسين عثمانيّين، وبإشراف خاصّ من محمد الفاتح، وذلك في مدّة قصيرة لم تتجاوز ثلاثة أشهر، ومن بين هذه المدافع مدفع عملاق.
- إنشاء ممرّ في الجبل يصل بشكل مباشر إلى الخليج، دون الحاجة إلى المرور عبر السلسلة التي تُعيق السُّفن في الخليج، حيث استطاع محمد الفاتح نَقل سُفُنه عبر الخليج من خلال هذا الممرّ الذي أنشأه، وقد بنى هذا الممرّ من ألواح خشبيّة مدهونة بالزيت؛ حتى تُساهم في نَقل السُّفن بسهولة.
وبعد أن زالت العقبات جميعها أمام جيش المسلمين، بدأت المدافع تدكُّ القسطنطينيّة من الجهات كلّها، ولم تستطع القسطنطينيّة أن تصمد أمام قوّة الجيش العثمانيّ، فدخلوها منتصرين في الخامس عشر من جُمادى الأُولى من عام 857 للهجرة، مُحقِّقين بذلك نبوءة النبي -عليه السلام، وبعد فتح القسطنطينيّة، أمرَ محمد الفاتح بتحويل كنيسة آيا صوفيا إلى مسجد، وإقامة الأذان فيها.
فتوحات أخرى
لم يقف محمد الفاتح عند فَتح القسطنطينيّة فقط، بل استكمل فتوحاته من بعدها، ومن هذه الفتوحات ما يلي:
- تمكَّن محمد الفاتح عام 858 للهجرة من دخول بلاد الصِّرب، وفَتْح عاصمتها بلغراد، وبذلك تحوَّلت بلاد الصِّرب إلى ولاية عثمانيّة.
- تمكَّن محمد الفاتح عام 863 للهجرة من فَتح بلاد مورة (جنوب اليونان) المُسمَّاة حالياً (بيلوبونيز)، بالإضافة إلى فَتح غالبيّة الجُزُر في بحر إيجة.
- فتحَ السُّلطان محمد الفاتح بلاد الأفلاق -وهي جزء من رومانيا في الوقت الحالي-، وبلاد البلغار أيضاً.
- فتحَ السُّلطان محمد الفاتح البوسنة في عام 866 للهجرة، واعتنقَ أهلها الإسلام، وأصبحت ولاية عثمانيّة.
- أخضعَ محمد الفاتح ألبانيا ، وجعلَها تحت سيطرة الدولة العثمانيّة.
- سيطرَ محمد الفاتح على شبه جزيرة القرم، وعقدَ اتّفاقاً مع أهلها يتعلَّق بدفع خَراج سنويّ.
- تمّ فَتح آخر إمارة صليبيّة في الأناضول في عهد السُّلطان محمد الفاتح، وهي إمارة طرابزون.