حكم طواف القدوم للحاج والمعتمر
حكم طواف القدوم للحاج
اتَّفق جُمهور الفُقهاء من الحنفيّة، والشافعيّة، والحنابلة، على أنَّ حُكم طواف القُدوم سُنَّةٌ من سُنن الحجَّ؛ بحيثُ لو تركه الحاجُّ لا يكون آثماً ولا دمَ عليه، واستدلُّوا على قولهم بعددٍ من الأدلَّة؛ كقوله -تعالى-: (وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ)، والمقصود بالطَّواف هنا طوافُ الزّيارة -الإفاضة- بالإجماع، والأمر جاء مُطلقاً في الآية الكريمة؛ فلا يكون في غير هذا الطَّواف واجباً، واستدلُّوا أيضاً على قولهم بأنَّ حكم طواف القدوم سُنَّة بالقياس على سُنيَّة تحيَّة المسجد والتي من المُمكن تَركها، فيكون بذلك طواف القُدوم سُنَّة أيضاً؛ إذ إنَّه تحيَّة للبيت فيكون بذلك سنَّة مثله مثل ركعتي تحية المسجد، واستدلَّ بعض العلماء على سُنيَّة طواف القدوم بكونه طوافٌ في ركنٍ من أركان الحجِّ ؛ وهو السَّعي فكان بذلك سُنَّة من السٌّنن.
وبحسب كلٍّ من الحنفيّة، والشافعيّة، والحنابلة يكون طواف القُدوم أو الوُرود سُنَّةٌ في حقِّ كل من جاء من بلادٍ بعيدة -أو ما يُسمّى بالآفاقي- من خارج مكَّة. بينما ذهب الإمامُ مالك، وابن المُنذر، وأبو ثورٍ إلى القول بوجوب طواف القدوم، وقال المالكية بوجوبه على كُلِّ شخصٍ أحرم من خارج الحرم؛ سواء أكان من أهل مكة أو من خارجها، وسواء أكان إحرامه واجباً بالحجِّ أو ندباً؛ كالمُقيم بمكَّة ومعه متَّسعٌ من الوقت، ويُستثنى من ذلك من ضاق به الوقت وخشي فوات وقوف عرفة عليه.
واستدلَّ القائلون بوجوب طواف القدوم بفعل النّبيّ -صلَّى الله عليه وسلَّم- في الحجِّ، وبحجِّ أبي بكرٍ وعُمر -رضي الله عنهما- والصَّحابة من بعدهم؛ حيثُ كان أوَّل ما بدأوا به الطَّواف، لِحديث عائشة -رضي الله عنها-: (أنَّ أَوَّلَ شيءٍ بَدَأَ به حِينَ قَدِمَ مَكَّةَ أنَّهُ تَوَضَّأَ، ثُمَّ طَافَ بالبَيْتِ، ثُمَّ حَجَّ أَبُو بَكْرٍ فَكانَ أَوَّلَ شيءٍ بَدَأَ به الطَّوَافُ بالبَيْتِ، ثُمَّ لَمْ يَكُنْ غَيْرُهُ، ثُمَّ عُمَرُ مِثْلُ ذلكَ، ثُمَّ حَجَّ عُثْمَانُ فَرَأَيْتُهُ أَوَّلُ شيءٍ بَدَأَ به الطَّوَافُ بالبَيْتِ، ثُمَّ لَمْ يَكُنْ غَيْرُهُ، ثُمَّ مُعَاوِيَةُ وَعَبْدُ اللهِ بنُ عُمَرَ، ثُمَّ حَجَجْتُ مع أَبِي الزُّبَيْرِ بنِ العَوَّامِ، فَكانَ أَوَّلَ شيءٍ بَدَأَ به الطَّوَافُ بالبَيْتِ، ثُمَّ لَمْ يَكُنْ غَيْرُهُ، ثُمَّ رَأَيْتُ المُهَاجِرِينَ وَالأنْصَارَ يَفْعَلُونَ ذلكَ)، وفي هذا الحديث دلالةٌ على وُجوب الطَّواف، وتجدرالإشارة إلى أنَّ تارك طواف القُدوم يَلزمه دم.
حكم طواف القدوم للمعتمر
يُعدُّ طواف القُدوم للمُعتمر رُكناً من أركان العُمرة بدليل تحلُّله بذلك؛ بحيث لو نَوى به طوافَ القدوم لَغَتْ نيَّتُه، ومن دخل مكَّة يُريدُ العُمرة فلا يُسنُّ له طواف القُدوم الذي يكون تحيةً للبيت؛ وإنَّما يطوف طواف القدوم الذي يكون رُكناً للعُمرة؛ بحيثُ يتداخل طواف التحيَّة مع طواف العمرة، وذلك مثل الدَّاخل إلى المسجد وقت الفريضة والذي لا يُشرع له صلاة تحيَّة المسجد، واستدلُّوا على رُكنيَّة الطَّواف عند الوصول للبيت للمُعتمر بقولهِ -تعالى-: (وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ)، وكذلك إجماعُ الأُمّة عليه.
وتجدر الإشارة إلى أنَّ ترك طواف القدوم للمُعتمر لا يُجزئ عنه الدَّم؛ بل تَسقط سنيَّة طواف القدوم بالكُّليَّة عنه، ويطوف الحاجُّ ركن العمرة، وقد جاء عن النووي قوله: "واعلم أنَّ العمرة ليس فيها طواف قدوم، وإنَّما طوافٌ واحدٌ يقال له طواف الفرض، وطواف الرُّكن"، ويذكر الفُقهاء عند تعدادهم لأركان العُمرة الطَّواف، وهذا الطَّواف من أركان العُمرة؛ سواءً أكانت هذه العُمرة مُفردة، أو عُمرة التَّمتع في الحجّ.
تعريف طواف القدوم
يُعرف طواف القُدوم، بطواف التّحيّة؛ لأنَّه شُرع للقادم إلى البيت من غير أهل مكة، كما يُسمّى أيضاً بطواف الوُرود، وطواف الوارد، وطواف اللِّقاء؛ لأنَّه أَوَّل عَهْدِ الحاج بِالْبَيْتِ، ويُعرَّف الطواف عند الفُقهاء على أنَّه الدوران حول البيت الحرام، وأمّا طواف القُدوم؛ فهو الطَّواف الذي يُؤدّيه القادم إلى مكّة من خارجها، ويبدأ وقته من حين دُخوله إلى مكة، ويفضَّل المُبادرة إلى فعله قبل أيّ شيءٍ، وأمّا آخر وقته بالنسبة للحاجِّ عند الجُمهور يكون بوقوفه على جبل عرفات ؛ لأنَّه بعد ذلك يكون مُطالباً بطواف الفرض -ويُعرف أيضاً بطواف الزِّيارة وطواف الإفاضة-، وأمّا بالنسبة للمُعتمر فيكفيه طواف العُمرة عنه.
كيفية الطواف للحاج والمعتمر
يجب على كلٍّ من الحاجِّ والمتعمر في الطَّواف ستر العورة، والطَّهارة من الحدثين الأصغر والأكبر، والطَّهارة من النَّجاسة، ويبدأ الطَّواف بجعل البيت عن يساره؛ مع ابتدائه من الحجر الأسود وَهُوَ في الرُّكْنِ الَّذِي يَلِي بابَ الْبَيْتِ مِنْ جَانبِ المَشْرِق وَيُسَمَّى الرُّكْنَ الأَسْودَ، مع استقباله بوجهه، والاقتراب منه بشرط عدم إيذاء غيره، مع قطع الطائف للتلبيَّة عند بدئه بالطواف. والطَّواف سبعة أشواط، وتكون داخل المسجد الحرام مع ضرورة عقد النيَّة على نوع الطَّواف المُراد أداؤه.
ويُسنُّ في الطَّواف المشي حافياً، ويجوز لبس شيئاً في القدم لِعُذر، مع استلام الحجر الأسود وتقبيله ، ووضع جبهته عليه، وإن استطاع يستلم الرُكن اليمانيّ والحجر الأسود في كُلِّ شوط؛ لِفعل النبيّ -عليه الصَّلاةُ والسَّلام-. ويقرأ الحاج أو المعتمر الأذكار والأدعية خلال أشواط الطَّواف ، كقوله: اللَّهم آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار، اللهم قنِّعني بما رزقتني، وبارك لي فيه، واخلف علي كُلُّ غائبةٍ لي بخير. كما يُسنُّ الإضطباع للرجال -إدخال الرَّجل رداءه تحت منكبه الأيمن، وإلقائه على كتفه الأيسر، مع إبقاء كتفه اليمنى مكشوفة-، ويسنُّ لهم أيضاً الرَمَل -الهرولة- وذلك في الأشواط الثلاثة الأولى.