حكم ذبح الأضحية في الليل
حكم ذبح الأضحية في الليل
تعدّدت آراء الفقهاء فيما يتعلق بذبح الأضحية وقت اللّيل، نوردها فيما يأتي:
- الجمهور: جواز ذبح الأضحية في اللّيل مع وجود الكراهة في ذلك.
- المالكية: بنفي الجواز ليلاً، وإن وقعت فلا تُعدّ أضحية.
يبدأ الوقت المشروع من أجل الذّبح بانتهاء صلاة عيد الأضحى ويستمر إلى نهاية أيام التّشريق ، ولكن أفضل هذه الأوقات هو بعد صلاة العيد، لمن صلّاها، أمّا مَن لم يُصلّها فينتظر طلوع الشّمس، ويقدّر بعدها ما يكفي لأداء ركعتين وخطبتين، وذلك لِما روى البراء بن عازب -رضي الله عنه- عن رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- قال: (مَن صَلَّى صَلَاتَنَا، ونَسَكَ نُسُكَنَا، فقَدْ أصَابَ النُّسُكَ، ومَن نَسَكَ قَبْلَ الصَّلَاةِ، فإنَّه قَبْلَ الصَّلَاةِ ولَا نُسُكَ له)، وهذه الأوقات تشمل اللّيل مع النّهار من هذه الأيّام، وعليه فإنّ انتهاء الوقت يكون في اليوم الثالث عشر من الشّهر، لقول رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-: (كلُّ عرفاتٍ موقفٌ وارفَعوا عن عُرنةَ وكلُّ مزدلِفةَ موقفٌ وارفَعوا عن مُحسِّرٍ فكُلُّ فجاجِ منًى مَنحَرٌ وفي كلِّ أيَّامِ التَّشريقِ ذبحٌ).
الحكمة من النهي عن الذبح ليلا
نهى رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- عن الأُضحية في اللّيل لِما فيه من الظُّلمة التي قد تُؤدي إلى الخطأ في محلّ الذّبح، ولِما في اللّيل من السّتر والخفاء والأَوْلى في الأُضحية أن تكون بالعلن، ولِما قد يصيب اللّحم من التغيّر إلى حين طلوع النّهار، ولتعذّر توزيع الأضحية في اللّيل، لقلّة حضور الفقراء للذّبح في اللّيل مثل حضورهم له بالنّهار.
المقصود بالأضحية وحكمة مشروعيتها
تُعرّف الأضحية في اللّغة بأنّها؛ ذبح الأضحية وقت الضُحى، وفي الاصطلاح الشرعيّ؛ ما يُذبح من الإبل، أو البقر، أو الغنم، أو المعز تقرّباً إلى الله -تعالى- يوم العيد، وهي من السُّنن المؤكدة عن رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-، وقال بعض العلماء بوجوبها على القادر عليها، وتحصيل الإثم على تركها حال القدرة، وقد شُرعت الأُضحية في السنة الثانية من الهجرة، وجاءت النّصوص الشرعيّة من القرآن الكريم والسنّة النبويّة الشّريفة الدالّة على مشروعيّتها، ففي القرآن الكريم قال -تعالى-: (وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكًا لِّيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّـهِ عَلَى مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ)، ومن السنّة جاءت الكثير من الأحاديث عن رسول الله تُرغّب فيها وتحثّ عليها، منها ما رواه أنس بن مالك -رضيَ الله عنه- عن رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-، فقال: (ضَحَّى النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بكَبْشينِ أمْلَحَيْنِ أقْرَنَيْنِ، ذَبَحَهُما بيَدِهِ، وسَمَّى وكَبَّرَ، ووَضَعَ رِجْلَهُ علَى صِفَاحِهِمَا)، وأجمع المسلمون على مشروعية الأضحية.
وأمّا الحكمة من مشروعيّتها ففيها إحياء لسنّة خليل الله إبراهيم وابنه إسماعيل -عليهما السّلام-، حيث أنّهما انقادا لأمر الله -تعالى- وأقبلا على تنفيذ أمره وطاعته دون الاعتراض على ذلك، وفي الأضحية تتجلّى معاني الشّكر لله -عزّ وجلّ- على ما أنعم به على عباده من النّعم التي لا تُحصى وأهمّها نعمة الحياة، ثمّ إنّ التقرّب إلى الله -تعالى- بالأُضحية أفضل عنده من إخراج قيمتها صدقة، ذلك أنّ رسول الله والخلفاء من بعده فعلوا ذلك، ولِما روت عائشة -رضيَ الله عنها- عن رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- قال: (ما عملَ آدميٌّ من عملٍ يومَ النحرِ أحبُّ إلى اللهِ من إهراقِ دمٍ، وإنهُ ليأتي يومَ القيامةِ في قرنِه بقرونِها وأشعارِها وأظلافِها، وإنَّ الدمَ ليقعُ من اللهِ بمكانٍ قبلَ أن يقعَ في الأرضِ فطِيبُوا بها نفسًا).
الشروط المعتبرة في الأضحية وما يجزئ فيها
يجب أن تتوافر في الأضحية مجموعة من الشروط، وهي ما يأتي:
- اعتبارها من بهيمة الأنعام، وبهيمة الأنعام ثلاثة أصناف: الإبل، والبقر، والغنم بضأنه ومعزه، فمن ذبح غيرها لم تكن أضحية في حقّه وإن كانت أعلى قيمةً منها.
- بلوغ البهيمة للسّن المقرّر لها في الشّرع، وهو في الإبل خمس سنوات، وفي البقر سنتان، وفي المعز سنة، وفي الضّأن ستة أشهر، فإن كانت البهيمة دون ذلك في السّن فلا تُعتبر أضحية، لقول رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-: (لا تَذْبَحُوا إلَّا مُسِنَّةً، إلَّا أنْ يَعْسُرَ علَيْكُم، فَتَذْبَحُوا جَذَعَةً مِنَ الضَّأْنِ).
- خلوّ البهيمة من العيوب التي تضرّ بكونها مجزئة، وقد وردت هذه العيوب في قول رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-: (لا يجوزُ مِنَ الضحايا: العَوْرَاءُ الَبيِّنُ عَوَرُهَا، والعَرْجَاءُ البَيِّنُ عَرَجُهَا، والمريضةُ البَيِّنُ مَرَضُهَا، و العَجْفَاءُ التي لا تُنْقِي)، ويُقاس عليها في عدم الإجزاء ما كان مثلها أو أكثر منها، ذلك أنّ العيوب التي تُصيب البهيمة تضرّ بصحتها، أو قد تؤدي إلى نُقصان لحمها.
- التضحية في الوقت المخصّص للذّبح، فإن كانت قبل الوقت أو بعده اعتُبرت ذبيحة، ويُستثنى من ذلك ما خرج عن الوقت لعذر؛ كالنّسيان، أو ضياع البهيمة وإيجادها بعد خروج الوقت، فإنّ التّضحية بها جائزة.
- إسلام الذابح، وهو شرط أضافه المالكيّة، فلا تجوز الأضحية إن كان الذابح كافراً، مع جواز أكلها، وقال غير المالكيّة بالجواز مع الكراهة.
- التفرّد في دفع قيمة الأضحية، وهو شرط يختصّ بالمالكيّة، فإن اشترك فيها جماعة فلا تُجزئ عن أيّ واحد منهم، ويجوز أن ينوي صاحبها أن يشترك معه غيره في الثواب بشرط أن يكون قريباً له، وأن يكون ممّن يُنفق عليه سواء نفقة واجبة أم غير واجبة، وأن يكون مشتركاً معه في السكن، وعند غير المالكيّة يصحّ الاشتراك بثمن الأضحية إن كانت من الإبل أو البقر، وكان عدد المشتركين سبعة، فإن كان أكثر لا يجوز.
خلاصة المقال
تعدّدت الأقوال في جواز ذبح الأضحية في اللّيل، فالجمهور قالوا بالجواز مع الكراهة، وآخرون قالوا بنفي الجواز، ذلك أنّ الذبح باللّيل قد يضرّ بالأضحية ويضرّ بالمنتفعين منها، ويبدأ وقت الذّبح بانتهاء صلاة العيد أو تقديرها، ويستمر إلى انتهاء أيّام التشريق الثلاثة، ولا يُجزئ في الأضحية أيّ بهيمة، بل يشترط فيها مجموعة من الشروط؛ كبلوغها سنّاً معيناً حدّده الشرع، وأن تكون من بهيمة الأنعام، وغيرها من الشّروط.