حكم دفع كفارة الصيام عن شخص آخر
حكم دفع كفارة الصيام عن شخص آخر
أخرج البخاري في صحيحه حديثاً يُستبط منه جواز دفع كفارة الصيام عن شخصٍ آخر -كما سيأتي بيانه-، وفيما يأتي عرض لتفاصيل هذه المسألة وذكر الدليل الشرعي عليها:
كفارة الصيام
إن كفارة الصيام تقع في حالة واحدة كما عند جماهير أهل العلم؛ وهي عند حصول الجماع الحقيقي التام بين الرجل وزوجته عمداً، وأما الإفطار بالأكل والشرب عمداً فلا تجب فيه الكفارة، بل يجب فيه القضاء فقط، وكفارة الإفطار بجماع في نهار رمضان هي:
- عتق رقبة.
- من لم يجد فصيام شهرين متتابعين.
- من لم يستطع فعليه إطعام ستين مسكيناً.
ولو دققنا النظر في هذه الخيارات الثلاثة في الكفارة لوجدنا اثنين منها يكونان بدفع المال؛ وهما: عتق الرقبة ؛ حيث هي في الأصل مما يتقوم، أو إطعام ستين مسكيناً، ودليل ذلك ما رواه أبو هريرة -رضي الله عنه-: (بيْنَما نَحْنُ جُلُوسٌ عِنْدَ النبيِّ -صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ-، إذْ جَاءَهُ رَجُلٌ فَقَالَ: يا رَسولَ اللَّهِ هَلَكْتُ، قَالَ: ما لَكَ؟ قَالَ: وقَعْتُ علَى امْرَأَتي وأَنَا صَائِمٌ، فَقَالَ رَسولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ-: هلْ تَجِدُ رَقَبَةً تُعْتِقُهَا؟ قَالَ: لَا).
قَالَ: (فَهلْ تَسْتَطِيعُ أنْ تَصُومَ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ، قَالَ: لَا، فَقَالَ: فَهلْ تَجِدُ إطْعَامَ سِتِّينَ مِسْكِينًا. قَالَ: لَا، قَالَ: فَمَكَثَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فَبيْنَا نَحْنُ علَى ذلكَ أُتِيَ النبيُّ -صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- بعَرَقٍ فِيهَا تَمْرٌ -والعَرَقُ المِكْتَلُ-).
قَالَ: (أيْنَ السَّائِلُ؟ فَقَالَ: أنَا، قَالَ: خُذْهَا، فَتَصَدَّقْ به فَقَالَ الرَّجُلُ: أعَلَى أفْقَرَ مِنِّي يا رَسولَ اللَّهِ؟ فَوَاللَّهِ ما بيْنَ لَابَتَيْهَا - يُرِيدُ الحَرَّتَيْنِ- أهْلُ بَيْتٍ أفْقَرُ مِن أهْلِ بَيْتِي، فَضَحِكَ النبيُّ -صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- حتَّى بَدَتْ أنْيَابُهُ، ثُمَّ قَالَ: أطْعِمْهُ أهْلَكَ).
جواز دفع كفارة الصيام عن شخص آخر
الحديث السابق أصلٌ في مسألة كفارة الصيام، وفيه فوائد كثيرة جداً، وله دلالات فقهية كثيرة، ومن ضمن تلك الفوائد جواز دفع الكفارة عن شخص آخر، حيث إن النبي -صلى الله عليه وسلم- أمر هذا الرجل أن ينتظر مالاً يأتي من غيره من أموال الصدقة ، فلما جاءه المال أمره بأخذه ودفع الكفارة.
دفع كفارة الصيام عن شخص آخر وكالة جائزة
يُعتبر دفع الكفارة عن شخص آخر أمراً جائزاً، سواء كان المال وتوزيع هذا المال من شخص غير الذي ارتكب موجب الكفارة، وهو الجماع في رمضان، أو كان المال من غير مرتكب الإفطار وتوزيع المال للفقراء عن طريق المفطر، فكل ذلك جائز لا حرج فيه.
وقد سُئِل الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله- عن رجل دفع الكفارة عن أمه، فأجاب: "نعم إذا وجب على أحد كفارة وكفر عنه أحد بإذنه فلا بأس؛ لأنه يكون كالوكيل له، والوكيل في دفع الكفارات، وفي دفع الصدقات وكالته نافذة وصحيحة، وسواء أخرج الكفارة من مال والدته، أو من ماله هو".
ومما تقدّم يتبيّن لنا أنّ دافع الكفارة إنْ كان غير مرتكب موجبها يكون وكيلاً عن مرتكب موجب الكفارة بالجماع، فتكون صورة المسألة وكالة في أمر جائز، وكذلك يجوز للمفطر بالجماع أن يعطي المال لغيره ويوكله بإطعام ستين مسكيناً.
ومما لا بد من الإشارة إليه أنّه لا يجوز إخراج الكفارة عن الغير إلا بإذن من ترتّبت عليه الكفارة؛ لأنها عبادة ولا تصحّ هذه العبادة إلا بنية من صاحبها، فلا بد أن يأذن صاحب الكفارة بها لتصح نيّته فيها.
دفع فدية الصيام عن شخص آخر جائزة
كما أنّ دفع كفارة الصيام عن شخص آخر جائزة فكذلك دفع فدية الصيام عن الآخر جائزة؛ والفدية هي ما يجب على العاجز عن الصيام دفعه، وهي إطعام مسكين واحد عن كل يوم أفطره من أيام رمضان، فيجوز لأي أحدٍ أن يخرجها عن غيره تبرعاً وتطوعاً، وتكون بإذن من وجبت عليه الفدية؛ لأنها عبادة وتحتاج إلى النية.