الاستفهام في شعر المتنبي
الاستفهام في شعر المتنبي
استخدم المتنبي أسلوب الاستفهام في أشعاره بشكل كبير، وقد أثار هذا استغراب النقاد وأهل العلم والبلاغة، فما الذي دفع المتنبي إلى استخدام الاستفهام كأسلوب شعري في أغلب قصائده، وعندما درسوا قصائده وجدوا أن هذا الأسلوب يلعب دورًا مهمًا في التعبير عن الانفعالات والأفكار بطريقة جمالية مميزة.
وقد ركز الشاعر على المستفهم عنه، ففي بعض الأحيان يذكره وبعض الأحيان يخفيه، ويقدمه ويؤخره، ويثبته وينفيه، بحسب السياق والغرض الشعري ، ومن الأمثلة على الاستفهام كأسلوب لغوي:
أفي الرأي يشبه أم في السخا
- ء أم في الشجاعة أم في الأدب.
أحلمًا نرى أم زمانًا جديدًا
- أم الخلق في شخص حي أعيدا
الاستفهام الذي يفيد التعجب
تميز شعر المتنبي بتكرار بعض الأساليب اللغوية ، فيكثر المتنبي استخدام كيف وما عندما يريد الاستفهام بالأسلوب التعجبي، ومن الأمثلة الشعرية على ذلك، نذكر ما يأتي:
- وما أربَتْ على العشرينَ سِنِّي
:::فكيف مللنَ من طولِ البقاءِ؟
- فديناك من ربع، وإن زدتنا كربًا
- فإنك كنتَ الشرقَ للشمسِ والغربا
وكيف عَرَفْنا رسمَ مَن لم يَدَعْ لنا
- فؤادًا لعرفانِ الرسومِ ولا لبَّا
وكيف الْتِذَاذي بالأصائلِ والضحى
- إذا لم يَعُدْ ذاك النسيمُ الذي هبَّا؟
- تهاب سيوف الهند وهي حدائد
:::فكيف إذا كانَتْ نزاريةً عُرْبَا؟
ويُرهَبُ نابُ الليثِ والليثُ وحدَه
:::فكيف إذا كان الليوثُ له صحبَا؟
ويُخشى عُبابُ البحرِ وهْو مكانَهُ
:::فكيف بمَن يغشى البلادَ إذا عبَّا؟
الاستفهام الذي يفيد الإنكار
يخرج الاستفهام عن معناه الحقيقي بلاغيًا، عندما يكون المستفهم عنه أمر قد أُنكر عرفًا أو شرعًا، وقد استخدام المتنبي هذا الأسلوب في شعره، ومن الأمثلة على ذلك:
- أتلتمس الأعداء بعد الذي رأتْ
- قيام دليل أو وضوح بيان؟
رَأَت كُلَّ مَن يَنوي لَكَ الغَدرَ يُبتَلى
- بِغَدرِ حَياةٍ أَو بِغَدرِ زَمانِ
- أَتُمسِكُ ما أَولَيتَهُ يَدُ عاقِلٍ
- وَتُمسِكُ في كُفرانِهِ بِعِنانِ
وَيَركَبُ ما أَركَبتَهُ مِن كَرامَةٍ
- وَيَركَبُ لِلعِصيانِ ظَهرَ حِصانِ
ثَنى يَدَهُ الإِحسانُ حَتّى كَأَنَّها
- وَقَد قُبِضَت كانَت بِغَيرِ بَنانِ
الاستفهام الذي يفيد التحقير
يخرج الاستفهام عن معناه الحقيقي بلاغيًا، عندما يريد القائل أن يوبخ المقابل له بطريقة غير مباشرة، وقد استخدام المتنبي هذا الأسلوب في شعره، ومن الأمثلة على ذلك:
- من أية الطرق يأتي نحوك الكرم؟
- أين المحاجم يا كافور والجَلَمُ؟
جازَ الأُلى مَلَكَت كَفّاكَ قَدرَهُمُ
- فَعُرِّفوا بِكَ أَنَّ الكَلبَ فَوقَهُمُ
- أَغايَةُ الدينِ أَن تُحفوا شَوارِبَكُم
- يا أُمَّةً ضَحِكَت مِن جَهلِها الأُمَمُ
أَلا فَتىً يورِدُ الهِندِيَّ هامَتَهُ
- كَيما تَزولُ شُكوكُ الناسِ وَالتُهَمُ
المتنبي من أفضل شعراء العصر العباسي
عندما بدأت الخلافة العباسية تضعف بعض الشيء، بدء التوجه إلى تشجيع الشعر والشعراء، للارتقاء بمستوى الأدب في البلاد، واحتواء الشعراء من العديد من المدن العربية، مثل حلب، وبغداد وغيرها، وقد أدى ذلك إلى حدوث بعض التغييرات على الشعر وخصائصه وموضوعاته، وأغراضه الشعرية.
قل الاهتمام بالأشعار التي تتحدث عن السياسة، والغزل العذري ، بينما زاد الاهتمام بالأشعار المختصة بالمدح، والعتاب، والحكمة، والبطولة، وقد كان بطل هذا العصر الشعري أبو الطيب المتنبي، الذي كان متنقلًا بين البلاد العربية والإسلامية، مما أُتيحت له الفرصة للاطلاع على الكتب المترجمة والحضارات المختلفة.
تميز المتنبي عن غيره بأسلوبه الشعري المميز، فاستخدم الاستفهام بمعانيه البلغية المختلفة، واستخدام أسلوب الإثبات والنفي، واستخدم أسلوب التقديم والتأخير ، كما تعمد استخدام أسلوب الحذف في بعض أبياته الشعرية، فتلك الأساليب تُضفي على نصوصه الشعرية رونقًا خاصًا فريدًا من نوعه، ومن أشهر قصائده:
أَتُراها لِكَثرَةِ العُشّاقِ
تَحسَبُ الدَمعَ خِلقَةً في المَآقي
كَيفَ تَرثي الَّتي تَرى كُلَّ جَفنٍ
راءَها غَيرَ جَفنِها غَيرَ راقي
أَنتِ مِنّا فَتَنتِ نَفسَكِ لَكِنـ
ـنَكِ عوفيتِ مِن ضَنىً وَاِشتِياقِ
حُلتِ دونَ المَزارِ فَاليَومَ لَو زُر
تِ لَحالَ النُحولُ دونَ العِناقِ
تعريف الاستفهام
يُعرف الاستفهام بأنه نمط تركيبي مكون من الجمل الإنشائية الطلبية، وهو السؤال طلب العلم عن شيء غير معروف، وهذا الاسم مشتق من كلمة فهم، فقال ابن منظور في ذلك: "الفَهْمُ: معرفتك الشّيء بالقلب. فَهِمَهُ فَهْمَاً وفَهَمَاً وفَهَامَة:عَلِمَه. وفَهِمْتُ الشّيءَ: عَقَلْتُه وعَرَفْته، وفَهَّمتُ فلاناً وَأَفْهَمْتُه، وَتَفَهَّمَ الكلامَ: فَهِمَه شيئاً بعد شيء، ورجلٌ فَهِمٌ: سريعُ الفَهْم، ويقال: فَهْمٌ وفَهَمٌ، وأفهَمَه الأمر وفَهَّمه إيّاه: جعله يَفْهَمه. واستفْهَمْه: سأله أن يُفَهِّمَه. وقد استفهمني الشيء فأفهمته وفهّمته تفهيماً".