العلوم الدينية في العصر العباسي الأول
علوم الحديث في العصر العباسي الأول
نشأت العلوم الدينية في ظلال الحديث النبوي الشريف، فحَمِل كل المادة المتصلة بالتشريع والفقه والتفسير، ونتج عن ذلك علوم مختلفة تختص بعلم الحديث هي كالآتي:
علم تدوين الحديث
حيث قام علماء هذا العصر بتدوينه وتصنيفه على عدة طرق مختلفة، وهي كما يلي:
تصنيف الحديث على أبواب الفقه
في أوائل القرن الثاني للهجرة، بدأ تدوين الحديث تدويناً عاماً، حيث يتم توزيعه في مصنفات على أساس أبواب الفقه، وقد انقسم مصنفي الحديث على هذه الطريقة إلى جيلين هما ما يلي:
- جيل عبد الملك بن عبد العزيز بن جريح في مكة، ومعمر بن راشد في اليمن، وسعيد بن أبي عروة والربيع ابن صبيح وحماد بن سلمة في البصرة، وسفيان الثوري بالكوفة، وعبد الرحمن الأوزاعي بالشام، والليث بن سعد في الفسطاط.
- جيل مالك بن أنس في المدينة، وسفيان بن عيينة في مكة، وعبد الرزاق الصنعاني في اليمن، وعبدالله بن المبارك في خرسان، وهشيم بن بشير في واسط، ويحيى بن زكريا بن أبي زائدة في المدائن، ومحمد بن فضيل بن غزوان في البصرة، ووكيع بن الجراح في الكوفة، وعبدالله بن وهيب في الفسطاط.
وأهم كتاب لهذين الجيلين، كتاب (الموطأ) لمالك بن أنس إمام أهل المدينة، وهو مرتب على أبواب الفقه، وفي كل باب أحاديث الرسول (صلى الله عليه وسلم) المتعلقة به وأقوال الصحابة وفتاوى التابعين وفتاوى مالك نفسه.
تصنيف الحديث على أساس رواته
في أواخر القرن الثاني للهجرة، أخذ تدوين الحديث طريقة جديدة تقوم على تلخيصه وتصنيفه حسب الفقه، فأصبح يوزع في مصنفات على أساس رواته من الصحابة، وهي الطريقة المعروفة باسم (المساند)، وممن ألفوا على هذه الطريقة؛ الربيع بن حبيب الإباضي البصري، وأبو داود الطيالسي، وأشهر المصنفات في هذه الطريقة، مسند ابن حنبل وهو مطبوع في ستة أجزاء ضخام.
تصنيف الحديث على المعاني والموضوعات
بجانب الطريقتين السابقتين ظهرت طريقة جديدة توزع فيها الأحاديث على المعاني والموضوعات التي تتصل بها فقهية وغير فقهية، وممن ألفوا على هذه الطريقة: أبو بكر عبد الله بن أبي شيبة، وقال فيه المقريزي: "تفرد بتكثير الأبواب وجودة التصنيف وحسن التأليف"، واتبع طريقته في العصر العباسي الثاني البخاري وغيره من أصحاب الصحاح الستة.
علم التعديل والتجريح
أخذ المحدِّثون في هذا العصر يعرضون رواة الحديث على نقد شديد، حتى يحيطوه بسياج متين من الصحة والثقة، مما أدى إلى نشوء علم الرجال أو كما يعرف بعلم التعديل والتجريح، وهو علم محَّص مادة الحديث ونقى عنها الزيف والتدليس، وأهم من بدأ التصنيف فيه: محمد بن سعد، ويحيى بن معين.
علم الغريب من الحديث
وهو علم يفسر الألفاظ الغريبة والغامضة البعيدة عن الفهم؛ لقلة استعمالها، ومن أشهر اللغويين الذين ألفوا في هذا العلم: أبو عبيد القاسم بن سلام.
علوم القرآن في العصر العباسي الأول
نشأت في هذا العصر علوم قرآنية كثيرة، من أهمها ما يلي:
علم التفسير
تعددت الطرق التي انتُهجت بتفسير القرآن الكريم في العصر العباسي الأول، فمنها التفسير بالمأثور المستمد عن الرسول (صلى الله عليه وسلم) والصحابة، ومن أهم المفسرين بهذه الطريقة: سفيان بن عُيينة، وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم، ووكيع بن الجراح، وأبي بكر بن أبي شيبة، غير أن كتبهم ضاعت ولم تصلنا، لكن وصلنا تفسير الطبري الذي احتُفِظ به.
كما استقل الشيعة بتفاسير خاص بهم، من أهمها: تفسير جعفر الصادق، بالإضافة إلى نشاط المعتزلة في كتابة تصانيف عن المتشابه في القرآن، استطاع من خلالها أبو بكر الأصم أن يصنف أول تفسير اعتزالي.
علم التشكيل والتنقيط
وأهم من ألفوا فيه (الخليل بن أحمد) ومعروف أنه أول من ابتكر الشكل العربية.
- علم الوقف والابتداء: ومن أهم من ألفوا فيه (الفراء).
- علم الغريب: ومن أهم من ألفوا فيه (محمد بن سلام الجمحي، وأبو عبيد القاسم بن سلام).
- علم لغات القرآن: ومن أهم من ألفوا فيه (الأصمعي، وأبو زيد الأنصاري).
- علم المعاني: ومن أهم من ألفوا فيه (الفراء، وأبو عبيدة).
- علم القراءات: ومن أهم من ألفوا فيه (أبو عمرو بن العلاء، وأبو عبيد القاسم بن سلام).
- علم الناسخ والمنسوخ: ومن أهم من ألفوا فيه (أحمد بن حنبل) .
- علم الأحكام: ومن أهم من ألفوا فيه (الشافعي، ويحيى بن أكثم صفي المأمون وقاضيه).
علم الفقه في العصر العباسي الأول
ازدهرت دراسات الفقه في هذا العصر ازدهاراً عظيماً، فقد فتح الإسلام أمام الفقهاء أبواب الاجتهاد على مصرعيه، وكان منهم من يبحث عن نص من القرآن أو السنة يهتدي به في فتواه، وقلما اعتمد على الاستنباط العقلي، ومنهم من كان يتسع في الاستنباط والقياس السديد على ضوء الإسلام وتعاليمه.
ونتج عن فتح أبواب الاجتهاد في هذا العصر، أربعة مذاهب في الفقه والتشريع هي ما يأتي:
- المذهب المالكي: وهو مذهب الإمام مالك بن أنس في المدينة والحجاز، ويمثله كتابه الموطأ، واعتمد في استنباطه للأحكام على الكتاب والسنة.
- المذهب الحنفي: وهو مذهب أبي حنيفة النعمان بن ثابت في الكوفة والعراق، واعتمد في استنباطه للأحكام على القياس.
- المذهب الشافعي: وهو مذهب محمد بن إدريس، وقد نشره في مصر، وجمع فيه بين طريقة المذهب المالكي والحنفي في استنباط الأحكام.
- المذهب الحنبلي: وهو مذهب أحمد بن حنبل، الذي استقل بمذهب جديد يُعلي من شأن الحديث النبوي.