حكم الاحتفال بالمولد النبوي
مُجيزو الاحتفال بالمَولد النبويّ
المُجيزون من المُتقدِّمين
أجاز فريقٌ من أهل العلم المُتقدِّمين الاحتفال بالمولد النبويّ؛ وقد ألّفَ العديد منهم كُتباً في جواز الاحتفال به، ومنها: (التنوير في مولد البشير النذير) للإمام أبي الخطاب المعروف بابن دُحية، و(مولد ابن كثير) للإمام ابن كثير ، و(مولد العروس) للإمام ابن الجوزيّ، وغيرها، ويُمكن بيان آراء بعض المُتقدِّمين من أهل العلم فيما يأتي:
- الإمام الحافظ ابن حجر
إذ ذهب -رحمه الله- إلى أنّ المولد النبويّ بِدعةٌ لم يكن لها وجود في عهد رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-، ولم يُنقل عن أحدٍ من السَّلَف الصالح خلال ثلاثة قرونٍ أنّه احتفل بالمَولد النبويّ، وعلى الرغم من ذلك، فقد أجاز الاحتفال بالمولد النبويّ، واعتبره بِدعةٌ حَسَنةٌ، ولكن بشرط اجتناب المُخالفات جميعها.
- الإمام السخاويّ
نُقِل عن الإمام السخاويّ -رحمه الله- أنّه قال: "لو لم يكن في ذلك إلّا إرغام الشيطان، وسرور أهل الإيمان من المسلمين لكفى، فرحم الله امرءاً اتّخذ ليالي هذا الشهر المبارك، وأيّامه عيداً، لتكون أشدّ علّةٍ على مَن في قلبه أدنى مرضٍ وأعيا داءٍ".
- الإمام القسطلانيّ
إذ بيّن -رحمه الله- أنّ أهل الإسلام بعد القرون الثلاثة الأولى كانوا يحتفلون بشهر ميلاد النبيّ -عليه الصلاة والسلام-، ويتصدّقون في لياليه بأنواع الصدقات، ويُقيمون الولائم، ويُظهرون الفرحة والسرور، ويُقبلون على قراءة السيرة النبويّة المُطهَّرة، فكانت تظهر عليهم البركات والفضل العظيم.
- الإمام ابن عيّاد
فقد نُقِل عنه -رحمه الله- أنّه قال: "أمّا المولد فالذي يظهر لي أنّه من أعياد المسلمين، وموسمٌ من مواسمهم وكلّ ما يفعل فيه ممّا يقتضيه وجود الفرح والسرور بذلك المولد المبارك من إيقاد الشمع، وإمتاع البصر والسمع، والتزيّن بلبس فاخر الثياب، وركوب فاره الدوّاب، أمرٌ مباحٌ لا ينكر على أحد قياساً على غيره من أوقات الفرح".
- الإمام فتح الله البنانيّ
ذهب العلامة فتح الله البنانيّ إلى أنّ الاحتفال بالمولد النبويّ من أحسن ما ابتُدِع في زمانه؛ وذلك لِما يُفعَل في كلّ عامٍ في اليوم الذي يُوافق مولد رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- من الصدقات والمعروف، وإظهار الزينة والسرور، بالإضافة إلى الإحسان إلى الفقراء، وكلّ ذلك يزيد من تعظيم النبيّ -عليه الصلاة والسلام- في قلوب العباد، ويُذكّرهم بشُكر الله -تعالى- على نعمة إيجاد رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-، وبعثته رحمةً للعالمين.
- الإمام السيوطيّ
سُئِل الإمام السيوطيّ -رحمه الله- عن حُكم الاحتفال بالمولد النبويّ، فأجاب أنّ أصل هذا الاحتفال اجتماع الناس لقراءة القرآن الكريم، والاستماع إلى السيرة النبويّة المُطهَّرة، وما حدث من المعجزات عند ولادة رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-، وتناول الطعام إن توفّر، ثمّ الانصراف من غير الزيادة على ذلك من البِدَع الحَسَنة التي يُثاب فاعلها؛ لِما فيها من تعظيم النبيّ -عليه الصلاة والسلام-، وإظهار الفرح والسرور بمولده.
المُجيزون من المُعاصرين
ذهب العديد من أهل العلم المُعاصرين إلى جواز الاحتفال بالمولد النبويّ، وفيما يأتي الوقوف على بعض الآراء:
- الشيخ يوسف القرضاويّ
بيّن الشيخ القرضاويّ جواز الاحتفال بالمولد النبويّ من خلال تسليط الضوء على سيرة سيّد الخَلق محمّدٍ -صلّى الله عليه وسلّم-، والوقوف على أهمّ الأحداث الإسلاميّة في حياته -عليه الصلاة والسلام-، مثل: غزوة بدرٍ ، وأحدٍ، والهجرة النبويّة، والإسراء والمعراج، وميلاده -عليه الصلاة والسلام- لا سيّما أنّ تذكير الناس بنِعَم الله -تعالى- أمرٌ محمودٌ، وقد أمر الله -تعالى- به، فقال: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّـهِ عَلَيْكُمْ).
إلّا أنّ فضيلة الشيخ أكّد على أنّ الاحتفال بالمولد النبويّ مُباحٌ ما لم يشتمل على المُنكرات، والمُخالفات الشرعيّة، كإقامة الاحتفال بالأولياء الصالحين، وغيرها من البِدَع.
- الشيخ عبدالله بن بيه
بيّن الشيخ عبدالله بن بيه جواز الاحتفال بالمولد النبويّ من خلال سرد سيرة رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-، وبيان مناقبه وشمائله، ويُشترَط عدم فِعل أيّ أمرٍ مُخالفٍ للشرع أثناء الاحتفال، وعدم الاعتقاد بسُنّية هذا الاحتفال، ولا بوجوبه.
فمَن فَعل ذلك حُبّاً للنبيّ -عليه الصلاة والسلام-، نال الأجر والثواب إن شاء الله، ومَن ترك الاحتفال بالمولد النبويّ؛ لمُوافقة السنّة، وخوفاً من الوقوع في البِدعة، فهو مأجورٌ أيضاً.
- دائرة الإفتاء الأردنية
ذهب سماحة المفتي العام السابق الدكتور نوح علي سلمان إلى جواز الاحتفال بالمولد النبويّ؛ من خلال سرد سيرة النبيّ -عليه الصلاة والسلام-، وبيان شمائله الكريمة، والحَثّ على التمسُّك بالدِّين.
وبشرط عدم وجود مخالفاتٍ شرعيّةٍ أثناء الاحتفال، لا سيّما أنّ في ذلك تعبيراً عن مَحبّة رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-، والاعتزاز بقيادته، والالتزام بشريعته.
- دار الإفتاء المصرية
أفتت دار الإفتاء المصرية بجواز الاحتفال، بل إنّ الاحتفال بالمولد النبويّ من أفضل الأعمال وأجلّ القُربات لديهم؛ لأنّه تعبيرٌ عن مَحبّة رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- التي تُعَدّ أصلاً من أصول الإيمان؛ لِما ورد عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- عن رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- أنّه قال: (لَا يُؤْمِنُ أحَدُكُمْ، حتَّى أكُونَ أحَبَّ إلَيْهِ مِن والِدِهِ ووَلَدِهِ والنَّاسِ أجْمَعِينَ).،
بالإضافة إلى أنّ رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- قد سَنَّ للأمّة الشُّكر على ميلاده الشريف؛ فقد كان يصوم يوم الاثنين لأنّه يومٌ وُلد فيه؛ لِما ورد عن أبي قتادة الحارث بن ربعي -رضي الله عنه- أنّه قال أنّ النبيّ -عليه الصلاة والسلام-: (سُئِلَ عن صَوْمِ يَومِ الاثْنَيْنِ؟ قالَ: ذَاكَ يَوْمٌ وُلِدْتُ فِيهِ)، ولا يصحّ القول بأنّ الاحتفال بالمولد النبويّ بِدعةٌ؛ لأنّ البِدَع ما خالفت القرآن الكريم، أو السنّة النبويّة، أو الإجماع.
وقد ثبت أنّ الصحابة -رضي الله عنهم- كانوا يحتفلون بالنبيّ -عليه الصلاة والسلام-، وقد أقرّهم على ذلك؛ لِما رُوي عن بريدة بن الحصيب الأسلميّ -رضي الله عنه- أنّه قال: (خرجَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ في بعضِ مَغازيهِ، فلمَّا انصرفَ جاءت جاريةٌ سوداءُ، فقالت: يا رسولَ اللَّهِ إنِّي كُنتُ نذرتُ إن ردَّكَ اللَّهُ سالمًا أن أضربَ بينَ يديكَ بالدُّفِّ وأتغنَّى، فقالَ لَها رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ: إن كنتِ نذَرتِ فاضربي وإلَّا فلا).
الأدلّة على جواز الاحتفال بالمولد النبويّ
يُمكن الوقوف على عددٍ من الأدلّة الشرعيّة التي تدلّ على جواز الاحتفال بالمولد النبويّ فيما يأتي:
- الدليل الأوّل:
ثبت أنّ رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- كان يحتفل بميلاده الشريف؛ إذ كان يصوم يوم الاثنين ؛ لأنّه يوم ميلاده كما ورد في الحديث الصحيح الذي ورد عن أبي قتادة الحارث بن ربعي -رضي الله عنه-، والذي سبق ذِكره، وفيه دليلٌ على جواز الاهتمام بمثل ذلك اليوم المبارك بفعل عبادةٍ مُعيَّنةٍ، كالصوم، أو ما تيسّر من العبادات بشرط عدم مُخالفة الشَّرع.
- الدليل الثاني
الاحتفال بميلاد النبيّ -عليه الصلاة والسلام- فيه تعبيرٌ عن الفرح والسرور به، وهذا أمرٌ عظيمٌ؛ فقد أعتق أبو لهب الجارية التي بشّرته بميلاد محمّدٍ -صلّى الله عليه وسلّم-، مصداقاً لما ورد عن أمّ حبيبة -رضي الله عنها- أنّه قالت: (قالَ عُرْوَةُ، وثُوَيْبَةُ مَوْلَاةٌ لأبِي لَهَبٍ: كانَ أبو لَهَبٍ أعْتَقَهَا، فأرْضَعَتِ النبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فَلَمَّا مَاتَ أبو لَهَبٍ أُرِيَهُ بَعْضُ أهْلِهِ بشَرِّ حِيبَةٍ، قالَ له: مَاذَا لَقِيتَ؟ قالَ أبو لَهَبٍ: لَمْ ألْقَ بَعْدَكُمْ غيرَ أنِّي سُقِيتُ في هذِه بعَتَاقَتي ثُوَيْبَةَ)،
وقال الإمام الجزريّ -رحمه الله- في كتابه عرف التعريف بالمولد الشريف: "وقد رؤي أبو لهب فى النوم بعد موته فقيل له: ما حالك فقال: فى النار، إلّا أنّه يخفّف عني كلّ ليلة اثنين، وأمص من بين أصبعي هاتين ماءً بقدر هذا، وأشار برأس إصبعه -وإن ذلك باعتاقي لثويبة حينما بشّرتني بولادة النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- وبإرضاعها له".
- الدليل الثالث
أمر الله -تعالى- في القرآن الكريم بالفرح بالرحمة؛ إذ قال: (قُل بِفَضلِ اللَّـهِ وَبِرَحمَتِهِ فَبِذلِكَ فَليَفرَحوا هُوَ خَيرٌ مِمّا يَجمَعونَ)، ومن أعظم الرحمات مولد رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- وبعثته؛ لقَوْل الله -تعالى-: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ).
فالفرح برسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- مطلوبٌ في كلّ وقتٍ، وبالأخصّ في كلّ يوم اثنين، وفي كلّ شهر ربيع الأوّل من كلّ عامٍ.
- الدليل الرابع
أمر الله -تعالى- بتعظيم شعائره؛ إذ قال: (ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّـهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ).
ويُمكن القول إنّ الاحتفال بالمولد النبويّ من تعظيم شعائر الله -تعالى-، لا سيّما أنّ رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- هو الذي جاء بالشعائر، وأحيا القلوب، وأخرج الناس من ظلمات الشرك إلى نور التوحيد.
المانعون من الاحتفال بالمولد النبوي
المانعون من المُتقدِّمين
ذهب عددٌ من العلماء المُتقدِّمين إلى عدم جواز الاحتفال بالمولد النبويّ، ومنهم شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-؛ إذ ذهب إلى عدم جواز الاحتفال؛ ذلك أنّ السَّلَف الصالح -رحمهم الله- لم يحتفلوا بميلاد النبيّ -عليه الصلاة والسلام-، ولو كان في ذلك خيراً لكانوا الأحقَّ به.
ووافقه الإمام الفاكهيّ؛ إذ أفتى بأنّ الاحتفال بالمولد النبويّ بدعةٌ مكروهةٌ، حتى وإن خلا من المُخالفات الشرعيّة؛ وذلك لأنّه لم يجد للاحتفال بالمولد النبويّ أثراً في الكتاب، ولا في السنّة، ولم يُنقَل عن أحد علماء الأمّة أنّه فَعَله.
المانعون من المُعاصرين
ذهب عددٌ من العلماء المُعاصرين إلى عدم جواز الاحتفال بالمولد النبويّ، وفيما يأتي بيان بعض أقوالهم:
- ابن باز
سُئِل الشيخ ابن باز -رحمه الله- عن حُكم الاحتفال بالمولد النبويّ، فـأجاب بعدم جوازه، وأنّه بِدعةٌ مُستحدَثةٌ في الدِّين؛ لأنّه لم يثبت أنّ رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- احتفل بميلاده، ولا فَعل ذلك الخلفاء الراشدون ، ولا الصحابة -رضي الله عنهم-، والصحيح أنّه بِدعةٌ؛ لِما ورد عن رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- أنّه قال: (مَن عَمِلَ عَمَلًا ليسَ عليه أمْرُنا فَهو رَدٌّ).
وقد حذّر رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- من البِدَع؛ فكان دائماً ما يفتتح خُطبته بقوله: (أما بعدُ فإنَّ أصدقَ الحديثِ كتابُ اللهِ، وإنَّ أفضلَ الهديِ هديُ محمدٍ، وشرَّ الأمورِ مُحدثاتُها، وكلَّ مُحدَثةٍ بدعةٌ، وكلَّ بدعةٍ ضلالةٌ، وكلَّ ضلالةٍ في النَّارِ).
- ابن عُثيمين
بَيَّن الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله- أنّ الاحتفال بالمولد النبويّ ليس له أصلٌ في الدِّين؛ إذ إنّ رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- لم يفعله، ولم يأمر الأمّة به، وبما أنّ هذا العمل ليس له أصلٌ في الدِّين.
فلا يجوز من العبد أن يتعبّد به، ولا أن يتقرّب إلى الله -تعالى- به، لا سيّما أنّ الله -تعالى- قد بيّن طُرق عبادته، وقد اكتمل الدِّين قبل وفاة رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-؛ إذ قال -تعالى-: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا)، فلا يجوز للناس ابتداع طريقةٍ جديدةٍ للتقرُّب إلى الله -سبحانه وتعالى-.
معنى الاحتفال بالمولد النبويّ
عرّف العلماء المُؤيِّدون الاحتفال بالمولد النبويّ بأنّه: اجتماع الناس؛ لقراءة القرآن الكريم ، والاستماع إلى سيرة النبيّ -عليه الصلاة والسلام- منذ البداية، وما حدث من المعجزات في ولادته.
وعند وصول القارئ إلى ولادته -عليه الصلاة والسلام- مختوناً يقوم الحضور جميعهم؛ إجلالاً وتعظيماً، ويُردّدون نشيد (طلع البدر علينا)، ثمّ يتناولون الطعام الذي يُصنَع بمبادرة أحد المُحسنين، وغالباً ما يشتمل الحفل على موعظةٍ قصيرةٍ من أحد العلماء.