حكم أكل الضربان الشوكي
التعريف بالضربان الشوكي
هو حيوان يعيش في البرية كالصحراء والجبال والغابات، وتعرفه العرب في كتب التراث باسم "الدلدل"، ويُسمى في بعض الأماكن باسم: "النِّيص"، وشكله يشبه شكل القنفذ عظيم الحجم، ويكون حجمه بمقدار السخلة -أي كحجم الماعز والخروف الصغير-، وعلَّلوا سبب تسميته بـ"النِّيص" لأنَّ حركته بطيئة، فكأنه يُنيصُ مِن يسير معه؛ أي يؤخره.
وشبهه ابن دريد بحيوان: "الشيهم العظيم"، ووصفه أبو حاتم بأنَّ له أشواكاً ثخينة -كغلظ الأصبع-، يسكن في الجبال فإذا خاف انتفض ورمى بأشواكه، التي قد تخرم الرِّجل وتعقرها، ولا فرق كبير في التكوين الجسمي بين الضربانٍ شوكي والقنفذٍ؛ إلا كالفرق بين بقرةٍ وجاموسٍ، وجرذٍ وفأرٍ، وتصفه العرب بِحِدَّة السمع، فتقول في أمثالها: فلانٌ أسمعُ مِن دلدل.
حكم أكل الضربان الشوكي
لا يفرق العلماء بين حكم أكل الضربان الشوكي و حكم أكل القنفذ ؛ لأنَّ الشكل متقارب جداً، والطبائع في الأكل واحدة، وقد تعددت آراؤهم في بيان حكمه بناءً على اختلافهم في كونه خبيث مستقذر أم لا، بحسب التفصيل الآتي:
- الإباحة
بدليل قوله -تعالى-: (هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا)، وحديث: (ما أَحَلَّ اللهُ في كتابِه فهوَ حَلالٌ، وما حَرَّمَ فهوَ حرامٌ، وما سَكَتَ عنهُ فهوَ عَفْوٌ، فَاقْبَلوا مِنَ اللهِ عَافِيَتَهُ)، ولا يوجد دليل على تحريم أكل لحمه.
- التحريم
بدليل قوله -تعالى-: (وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ)، وورد أنَّ شيخاً قال لابن عمر: سَمِعتُ أبا هُرَيرةَ يقولُ: ذُكِرَ القنفذ عندَ النَّبيِّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ-، فقالَ: (خُبيثٌ مِنَ الخبائثِ)، وهو حقاً خبيث متقذَر؛ يعيش على أكل الحشرات، والعرب -ذوو اليِسار- يستخبثونه.
ضابط المستقذرات التي يحرم أكلها مما لم يرد فيه نص
حُكم الناس على طعام معيَّن بأنه طعام مستقذر حكمٌ نسبي؛ لأن كثيراً من المستقذرات في بلد معيَّن غير مستقذرة عند شعوب ذات ثقافات أخرى والعكس كذلك صحيح، فكيف ينضبط الحكم الشرعي المُعلِّل لتحريم حيوان معيَّن بأنه من المستقذرات الخبيثة؟.
الجواب: الطيِّب هو ما تستطيبه نفوس العرب، والمستقذر ما تستخبثه؛ لأنَّ الضمير في الآية: (وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ)، يعود على العرب وهذا ما ذهب إليه الشافعي.
وفصَّل النووي باستبعاد الرجوع في ضبط المستقذر إلى مختلف شعوب الناس وثقافاتهم؛ لأن ذلك سيستوجب اختلاف أحكام الحلال والحرام ، وهذا يخالف أنَّ الشرع يخاطب جميع الناس، فرأى الفقهاء أنَّ العربَ هم أَولى الأمم بأن يؤخذ باستقذارهم لطعامٍ معيَّن؛ لأنهم المخاطَبون بالآية، والأفضل أن يُرجع في كل زمان ومكان اكتشفنا فيه حيواناً جديداً إلى عربٍ موجودين فيه، فإن استقذروه فهو حرام.
وقيّدهم ابن قدامة الحنبلي بعرب الحجاز للسبب ذاته؛ فالذين يُعتبَر استقذارهم للحيوانات المكتشفة في بلدان ليست من بلاد العرب؛ -مِن غير المنصوص عليها- هم العرب مِن أهل الحجاز الذين يعيشون في تلك البلدان؛ لأنهم هم الذين نزلت عليهم الآية، فيرجِع مُطلق ألفاظ القرآن إلى عُرفهم دون غيرهم.