حق العمل في الإسلام
أهمية العمل والتشجيع عليه
كفل الإسلام العمل بل وشجّع عليه ورغّب فيه؛ فقد وردت الكثير من الآيات والأحاديث التي تتحدث عن أحقيّة الإنسان بالعمل، وعن دعوة الناس إلى امتهان المِهن والعمل والجدّ، والكسب بعرق جبينهم، فذلك يُغنيهم عن سؤال الناس، ويحفظ كرامتهم وماء وجههم، فسؤالُ الناس موطن ذلّة، ولا يريد الله -سبحانه وتعالى- لعباده أن يكونوا أذلّاء بل يُريدهم أهل عزّة وكرامة، قال -تعالى-: (هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ﴾ .
و قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إِنَّ أَطْيَبَ مَا أَكَلَ الرَّجُلُ مِنْ كَسْبِهِ، وَوَلَدَهُ مِنْ كَسْبِهِ"، وقال أيضاً: "والذي نفسي بيدِه لأن يأخذَ أحدُكم حبلَه فيحتطبَ على ظهرِه خيرٌ له من أن يأتيَ رجلًا أعطاه اللهُ من فضلِه، فيسألَه أعطاه أو منعه".
وقد جعل الرسولُ -صلى الله عليه وسلم- العمل بمنزلة الجهاد في سبيل الله، وذلك عندما رأى الصحابةُ رجلاً قوياً يعمل، فقالوا لو أنّه يجاهد في سبيل الله لكان أفضل، فرد عليهم النبي -صلى الله عليه وسلم- وصحح لهم مفهوم الجهاد، وبيّن لهم أهمية العمل في الإسلام .
فقال -صلى الله عليه وسلم-: "إنْ كان خرجَ يَسعَى على ولَدِهِ صِغارًا فهوَ في سبيلِ اللهِ، وإنْ كان خرجَ يَسعَى على أبويْنِ شيْخيْنِ كبيريْنِ فهوَ في سبيلِ اللهِ، وإنْ كان خرجَ يَسعَى على نفسِهِ يَعِفُّها فهوَ في سبيلِ اللهِ، وإنْ كان خرجَ يسعَى رِياءً ومُفاخَرةً فهوَ في سبيلِ الشيْطانِ".
الوصية بالإحسان للعامل
لقد أوصى الإسلام بالإحسان إلى العامل وضرورة إعطائه حقّه كاملاً، وعدم هضم حقّه في الأجر الذي يستحقه، أو المماطلة في أداء حقّه، وحذّر من ذلك تحذيراً شديداً، فقال -صلى الله عليه وسلم-: "قالَ اللَّهُ: ثَلاثَةٌ أنا خَصْمُهُمْ يَومَ القِيامَةِ: رَجُلٌ أعْطَى بي ثُمَّ غَدَرَ، ورَجُلٌ باعَ حُرًّا فأكَلَ ثَمَنَهُ، ورَجُلٌ اسْتَأْجَرَ أجِيرًا فاسْتَوْفَى منه ولم يُعطِه أجرَه"، وقال أيضاً: "أعطوا الأجيرَ أجرَهُ قبلَ أن يجفَّ عرقُهُ".
وقد أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- بعدم تكليف العامل ما لا يستطيع، وأمر بالرأفة والرحمة به، وإعطائه فرصةً للراحة أثناء العمل، وتقديم الطعام الجيد له، بل ومساعدته إن احتاج، قال -صلى الله عليه وسلم-: "إخْوَانُكُمْ خَوَلُكُمْ، جَعَلَهُمُ اللَّهُ تَحْتَ أيْدِيكُمْ، فمَن كانَ أخُوهُ تَحْتَ يَدِهِ، فَلْيُطْعِمْهُ ممَّا يَأْكُلُ، ولْيُلْبِسْهُ ممَّا يَلْبَسُ، ولَا تُكَلِّفُوهُمْ ما يَغْلِبُهُمْ، فإنْ كَلَّفْتُمُوهُمْ فأعِينُوهُمْ".
ضرورة إتقان العمل
كما كفل الإسلام حقّ العمل ورسخ حقوق العمال وضمنها، فإنّه أمر بإتقان العمل وأكّد على ذلك بشدَّةٍ، فلا يجوز أن يقوم العامل بأداء عمله بشكلٍ غير متقن، أو أن يقصّر في واجبه، فذلك ليس من صفات المؤمن ، فأداءُ العمل أمانةٌ، والله -تعالى- أمر بأداء الأمانةِ على أكمل وجهٍ، وكما تمّ الاتفاق عليها بين الأشخاص، قال -تعالى-: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَىٰ أَهْلِهَا)، وقال -صلى الله عليه وسلم-: "إنَّ اللهَ تعالى يُحِبُّ إذا عمِلَ أحدُكمْ عملًا أنْ يُتقِنَهُ".