حق الجار في القرآن
حقوق الجار في القرآن والسنة
تمنع رابطة الجِوار من التنافر، والشّحناء، والبغضاء، والحقد، وتزرع بين الجارِ وجَاره التراحم والتعاون في مختلف مجالات الحياة، ممّا يدلّ على رُقيّ المجتمع، وعلوّ أخلاقه، وتترتّب على رابطة الجوار العديد من الآداب والحقوق، التي أقرّها الإسلام، وبيّنها في نصوص القرآن الكريم ، وسنّة النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-.
حقّ الجار في القرآن
يحرص العبد المُسلم المُتخلّق بأكرم الأخلاق على أداء حقّ الجار ، في كلّ الأحوال، ويقومون على رعايته حقّ الرعاية، ولذلك كان إكرام الجار من الأمور التي افتخر فيها العرب، ويكون إكرام الجار بالعديد من الصُّور؛ منها: تأمين ما يطلبه ويحتاجه، وإعارته من بعض الأمتعة، وقد ذمّ الله -تعالى- مَن يمنع جاره من ذلك، فقال: (وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ). وقد ورد الحثّ على أداء حقوق الجار في العديد من المواضع في القرآن الكريم، منها: قَوْله -تعالى-: (وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا)، ويُقصد بالجار الجُنُب؛ الجار الذي لا قرابة له، ويكون له حقّ الجوار فقط، أمّا الجار ذي القُربى؛ فهو: الجار القريب، الذي له حقّ القرابة، وحقّ الجِوار، والصاحب بالجَنْب؛ فهو الصاحب في السفر، وقيل: الزوجة، وقيل: الصاحب مُطلقاً، ومن الآيات الواردة أيضاً في بيان حقّ الجار؛ قَوْله -تعالى-: (لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لَا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلَّا قَلِيلًا).
حقّ الجار في السُّنة
وردت العديد من الأحاديث عن النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- التي تبيّن البعض من حقوق الجار، فيما يأتي بيان البعض منها:
- أخرج الإمام مُسلم في صحيحه عن أبي هريرة -رضي الله عنه-، أنّ النبيّ -عليه الصلاة والسلام- قال: (حَقُّ المُسْلِمِ علَى المُسْلِمِ سِتٌّ قيلَ: ما هُنَّ يا رَسولَ اللهِ؟ قالَ: إذا لَقِيتَهُ فَسَلِّمْ عليه، وإذا دَعاكَ فأجِبْهُ، وإذا اسْتَنْصَحَكَ فانْصَحْ له، وإذا عَطَسَ فَحَمِدَ اللَّهَ فَسَمِّتْهُ، وإذا مَرِضَ فَعُدْهُ وإذا ماتَ فاتَّبِعْهُ)، فمن حقّ الجار على جارِه؛ تقديم النَّصيحة له إن طلبها، وإلقاء السلام عليه عند مُلاقاته، وإجابة دعوته على الطعام، والدّعاء له، وعيادته إن أصابه مرضٌ ما، واتّباع جنازته إن مات.
- أخرج الإمام البخاريّ في صحيحه عن عبدالله بن عُمر -رضي الله عنهما-، أنّ النبيّ -عليه الصلاة والسلام- قال: (ما زالَ جِبْرِيلُ يُوصِينِي بالجارِ، حتَّى ظَنَنْتُ أنَّه سَيُوَرِّثُهُ)، وذلك ممّا يدلّ على عِظَم مكانة الجار في الإسلام ، وأهميّة أداء حقوقه.
- حذّر النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- من إيذاء الجار، فقال: (واللَّهِ لا يؤمنُ واللَّهِ لا يؤمنُ واللَّهِ لا يؤمنُ قالوا وما ذاكَ يا رسولَ اللَّهِ قالَ الجارُ لا يأمنُ جارُهُ بوائقَهُ قالوا يا رسولَ اللَّهِ وما بَوائقُهُ قالَ شرُّهُ)، فقد نفى الرسول -عليه الصلاة والسلام- الإيمان عن الجار الذي يكون سبباً في إلحاق الأذى أو الضرر بجارِه.
- قال النبيّ -عليه الصلاة والسلام-: (مَن كانَ يُؤْمِنُ باللَّهِ واليَومِ الآخِرِ فلا يُؤْذِ جارَهُ)، فقد جعل الرّسول -عليه الصلاة والسلام- كفّ الأذى عن الجار من علامات الإيمان الصادق.
- قال النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- فيما أخرجه الإمام البخاريّ في صحيحه: (الجارُ أحَقُّ بصَقَبِهِ)، أي أنّ الجار أحقّ بجاره من غيره؛ بسبب حقّ الجِوار.
- أخرج الإمام مُسلم في صحيحه، عن أبي ذرٍ الغفاريّ -رضي الله عنه- أنّ النبيّ -عليه الصلاة والسلام- قال: (يا أبا ذَرٍّ إذا طَبَخْتَ مَرَقَةً، فأكْثِرْ ماءَها، وتَعاهَدْ جِيرانَكَ)، فمن صور إحسان الجار لجاره؛ تقديم الهدايا له بين الوقت والآخر، من باب الألفة والمحبّة، ولِما لها من أثرٍ في القلوب والنُّفوس، ومن صور الإحسان للجار أيضاً؛ التنازل والتغاضي عن بعض الحقوق التي لا توثّر على أيّ طرفٍ، استدلالاً بما ثبت في الصحيح أنّ النبيّ -عليه الصلاة والسلام- قال: (نَهَى رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أَنْ يَمْنَعَ جَارَهُ أنْ يَغْرِزَ خَشَبَهُ في دَارِهِ).
حقوقٌ أخرى للجار في الإسلام
ذكر العلماء العديد من حقوق الجار الأخرى؛ منها: تقديم التهاني للجار، وتحقيق الخير له بأيّ طريقةٍ مُمكنةٍ، وإظهار الفرح والسرور عند مقابلته، والعفو عن زلّاته، وتجنّب النَّظر إلى عوراته، وعدم التسبّب له بأيّ ضيقٍ أو حرجٍ، وحفظ بيته حين غيابه عنه، وعدم الإنصات لِما يُقال عنه بالسوء، وغضّ البصر عن محارِمه، والعطف على أولاده، وتعليم جاره ما يتعلّق بأمور دِينه، وتقديم النَّصيحة له، وتحمّله والصَّبْر عليه، وعدم إزعاجه، وحفظ سرّه، وعدم إزعاجه، والحفاظ على شرف جاره، والابتعاد عن كلّ ما يُسيء إليه، ويضرّه، وصيانة عِرضه.
حال جيران الرّسول والصحابة
حَرِصَ النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-، والصحابة -رضي الله عنهم- على حقوق الجار، فكان البعض من جيران النبيّ -عليه الصلاة والسلام- يقدّمون بعض الهدايا له، وعندما عَلِمَ النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- بجوع أبي هريرة -رضي الله عنه- أرسل إليه اللبن، كما كان لجارات أسماء زوجة الزُّبير -رضي الله عنهما- دوراً عظيماً في مُساعدتها، حين هاجرت من مكّة المكرّمة إلى المدينة المنوّرة.
تعريف الجار
بيّن الإسلام العديد من الحقوق والواجبات المترتّبة على الجار تِجاه جارِه ، إذ إنّ الجار قد يكون أقرب لِجارِه من أهله وذويه، فيستر عورته، ويتجاوز عنه، ويغفر له، ويُقيل عثرته، ويُعرّف الجار بأنّه: مَن جاوَرَ الآخر، دون النَّظر إلى الدِّين، أو العِرق، وغير ذلك من المُفارقات، وقيل إنّه ما تعارف عليه الناس من حدود الجِوار، وتتعدّد صُور الجِوار؛ ومن أعظمها الجِوار في السَّكن.