تفسير وشرح كُونُوا قردة خَاسِئِينَ
تفسير وشرح كُونُوا قردة خَاسِئِين
ورد وصفٌ لطائفة من بني إسرائيل بأنهم مُسخوا إلى قردة خاسئين بسبب تحايلهم على شريعتهم، وذلك في قصة أصحاب السبت المذكورة في موضعين من القرآن الكريم:
- الموضع الأول: عند قوله تعالى: (وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ).
- الموضع الثاني: عند قوله تعالى: (فَلَمَّا عَتَوْا عَنْ مَا نُهُوا عَنْهُ قُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ).
والقصة مذكورة في كثير من التفاسير وكتب التاريخ والقصص القرآني، ومختصرها: كان بعض أهل منطقة تقع على خليج العقبة متمسكين بشريعة التوراة التي تحرِّم العمل في السبت، فكانت الحيتان قد ألِفت منهم السكينة في مثل هذا اليوم، فكان يكثر اقترابها من شاطئ بحر منطقتهم يوم السبت، ولمَّا رأت طائفة من الناس ذلك احتالوا على اصطيادها بأن ينصبوا شباك الصيد يوم الجمعة، فإذا جاءت الحيتان يوم السبت علقت بالمصائد، فإذا جاء يوم الأحد أخذوها؛ فغضب الله عليهم، ولعنهم، ومسخهم إلى قردة؛ بسبب احتيالهم لخلافهم لأمره.
حقيقة مسخ طائفة من أصحاب السبت لقردة
يرى جمهور المفسرين أن مسخ أصحاب السبت لقردة خاسئين كان على حقيقته؛ ولكن أحد أشهر مفسري التابعين وهو مجاهد بن جبر حمَل النسخ على المعنى المجازي، فقال: "مُسخت قلوبهم، ولم يُمسخوا قردة، وإنما هو مثل ضربه الله لهم كمثل الحمار يحمل أسفاراً".
وردَّ عليه مكي بن أبي طالب بأن "جميع أهل التفسير على خلاف ذلك؛ لأنهم مُسخوا قردة حقيقة، وقوله: (فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً)، هو أمر، وتأويله الخبر، أي: فكوَّناهم قردة، وهذا هو الأمر الذي يُكوَّن به الخلق، فحوَّلهم مِن خِلقة إلى خِلقة أخرى، فهو مثل قوله: (إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ)، و(خَاسِئِينَ)؛ أي: مبعدين، ومطرودين، هذا قول أهل اللغة".
تعريف المسخ
يتقاطع معنى المسخ في اللغة مع معناه الاصطلاحي، وفيما يأتي بيان ذلك.
المسخ لغةً
عرَّفه ابن منظور بأنه: "تحويل صورة إلى صورة أقبح منها، ومسخه الله قرداً يمسخه، وهو مسخ، ومسيخ، وكذلك المشوَّه الخلق".
المسخ اصطلاحاً
عرَّفه التهانوي فقال: "انتقال النفس الناطقة من بدن الإنسان إلى بدن حيوان آخر، يناسبه في الأوصاف". وهناك مَن جعل دلالة المسخ تُسمح لأن تُحمَل على المجاز بتغيير العادات الصالحة و الأخلاق الحسنة وتشويهها، حيث يَضل الممسوخ طريق الهدى بعد أن كان مهدياً، فيُشبهَ البهيمة التي لا تهتدي لِما يُفيدها، وعلى ذلك يُحمل المسخ المذكور في سورة يس عند قوله تعالى: (وَلَوْ نَشَاءُ لَمَسَخْنَاهُمْ عَلَى مَكَانَتِهِمْ فَمَا اسْتَطَاعُوا مُضِيًّا وَلَا يَرْجِعُونَ)، قال القرطبي : "أي لأقعدناهم فلا يستطيعون أن يمضوا أمامهم ولا يرجعوا وراءهم، وكذلك الجماد لا يتقدم ولا يتأخر. وقد يكون المسخ تبديل صورة الإنسان بهيمة، ثم تلك البهيمة لا تعقل موضعاً تقصده فتتحير، فلا تُقبِل ولا تُدبِر".