حكم البسملة في الصلاة
حكم البسملة في الصَّلاة
يُشرع للمُصلِّي أن يَقرأ "بسم الله الرحمن الرحيم" في بداية سُورة الفاتحة بحسب قول أكثر أهل العلم، كما يُشرع قراءتها أيضاً في أوَّل كلِّ سُورة من القرآن الكريم، وأمَّا بالنِّسبة لحكم قراءة البسملة في الصَّلاة؛ فقد تعدّدت آراء العلماء في ذلك على عدَِّة أقوال، نوضّحها فيما يأتي:
- الوُجوب: حيث قال أصحاب هذا الرأي بأنَّ قراءة البسملة واجبةٌ في الصَّلاة كما تجب الفاتحة فيها؛ وذلك لأنَّ البسملة تُعدُّ آيةً من آيات سورة الفاتحة، لذلك وَجبت كما تجب أيُّ آيةٍ فيها، وهذا الرَّأي منقولٌ عن ابن عباس وابن عمر -رضي الله عنهما-، والمشهور في المذهب الشَّافعي، كما يُشرع عندهم الجَهر بالبسملة في الصَّلاة كما تُجهر بقيَّة آيات سورة الفاتحة؛ أي أنَّ البسملة عندهم تُعامل معاملة سُورة الفاتحة تماماً؛ لأنَّها جزءٌ منها، والجزء يأخذ أحكام الكل.
- الاستحباب: قال أصحاب هذا الرَّأي بأنَّ قراءة البسملة في الصَّلاة مُستحبَّةٌ مع سُورة الفاتحة ومع كلِّ سُور القرآن الكريم؛ لأنَّها جاءت في المصحف مُثبتةٌ فيها جميعاً، باستثناء سُورة براءة ؛ لأنَّها لا تُقرأ معها في المُصحف، فقراءتها مستحبّة لا واجبة لأنها آية مستقلة في القرآن الكريم، وليست من الفاتحة، وهذا القول مَنسوبٌ لجمهور أهل العلم، ومن ضمنهم أبو حنيفة والإمام أحمد في المشهور عنه، وأكثر أهل الحديث، ومن أدلَّة هذا الفريق أنَّ الرَّسول -صلَّى الله عليه وسلََّم- والخلفاء من بعده لم يجهروا بالبسملة في الصَّلاة، ولو كانت واجبةً في الصَّلاة كما تجب الفاتحة لجَهروا بها كما يَجهرون ببقيَّة آيات سورة الفاتحة.
- عدم المشروعيَّة: ذهب أصحاب هذا القول إلى عدم مشروعيَّة قراءة البسملة في الصَّلاة المكتوبة، سواءً جُهر بها أم لم يُجهر، وتُشرع فقط قراءتها في صلاة النَّافلة وقيام اللّيل ، ولِمن يَعرض القرآن عرضاً، وهذا القول هو المشهور في المذهب المالكي؛ وسبب القول بعدم المشروعيَّة عندهم يعود إلى أنَّهم لا يَعدُّون البسملة آية من القرآن الكريم أصلاً؛ فهي ليست آية من سُورة الفاتحة، ولا آية في أوائل السُّور، كما أنها ليست آية مستقلَّة من القرآن الكريم.
ويُسنُّ قراءة البسملة للمُنفرد سرَّاً في الصَّلاة في أوَّل سورة الفاتحة من كلِّ ركعةٍ من ركعات الصَّلاة، ولكن لا يُسنُّ قراءتها بين سورة الفاتحة وبقيَّة السُّور الأخرى عند الإمام أبو حنيفة وأصحابه؛ وذلك لأنَّهم لا يَعدُّون البسملة آيةً من آيات سورة الفاتحة، وإنَّما تُذكر في بدايتها من باب التَّبرُّك فقط لا غير، وقال بعض العلماء إنَّه يُسنُّ قراءتها من باب الاحتياط، وخروجاً من الخلاف المُتمحور حول كونها جزءاً من سورة الفاتحة أم لا، على أن تُقرأ سرَّاً لا جهراً بين سورة الفاتحة والسُّورة التي تليها في الصَّلاة السِّرية ، وأمَّا إن كانت الصَّلاة جهريَّةً فلا تُقرأ البسملة بين الفاتحة والسُّورة التي تليها؛ لأنَّه لو قرأها وجب عليه إخفاؤها، فيكون هذا سكتَةً في وسط القراءة، وهذا ليس مأثوراً عن السَّلف، وتجدر الإشارة إلى أنَّ البسلمة تعدُّ آية من آيات سورة الفاتحة عند قرّاء الكوفة وجمهور فقهائهم، ولكنَّهم مع ذلك قالوا بأنَّ السُّنَّة أن تُقرأ سرَّاً في الصَّلاة الجهريَّة عندهم؛ وذلك اتِّباعا للآثار التي وردت بإخفاء البسملة وعدم الجهر بها.
حكم الجهر بالبسملة في الصَّلاة
يُستحبُّ الجهر بالبسملة في سورة الفاتحة في الصَّلاة الجهريَّة، إذ إنَّها تُعامل كما تُعامل سورة الفاتحة وتأخذ أحكامها، وهذا القول يُنسب لأكثر أهل العلم من الصَّحابة، والتَّابعين، والفقهاء، والقُرَّاء، ومن الصَّحابة الذين قالوا بهذا الرَّأي: أبو بكر الصِّديق ، وعمر، وعثمان، وعلي، وعمار بن ياسر، وأُبي بن كعب، وابن عمر، وابن عباس، وأبي قتادة، وأبي سعيد، وقيس بن مالك، وأبي هريرة -رضي الله عنهم أجميعن-، وذهبت طائفةٌ إلى القول بأنَّ السُّنَّة أن يُسِرَّ في البسملة في الصَّلاة الجهريَّة والسِّريَّة على السَّواء، ونُقل هذا الرَّأي عن الصَّحابة من مثل: علي بن أبي طالب، وابن مسعود، وعمار بن ياسر، وابن الزبير، والحكم، وحمَّاد، والأوزاعي، والثَّوري، وأبي جنيفة، وهو مذهب الإمام أحمد بن حنبل، وذهب الشَّافعية إلى القول بسُنيَّة الجهر بقراءة البسملة في الصَّلاة الجَهريَّة، سواءً كان ذلك في سورة الفاتحة أو في السُّورة التي تليها.
المواطن التي تُشرع فيها البسملة
لا يَقتصر ذكر البسملة في الصَّلاة وفي سورة الفاتحة فقط، وإنَّما يُشرع ذكرها في العديد من المواضع، نذكر منها ما يأتي:
- عند الوضوء : حيث تُعدُّ البسملة سنَّةً عند ابتداء الوضوء، وإذا تذكَّر البسملة المُتوضِّئ أثناء الوضوء جاز له أن يذكرها حتى لا يخلو الوضوء من اسم الله -تعالى-.
- عند دخول المسجد وعند الخروج منه: وقال النَّبي -صلَّى الله عليه وسلَّم-: (كان رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم إذا دخل المسجدَ؛ صَلَّى عَلَى مُحَمَّدٍ وَسَلَّمَ، وقال: رَبِّ اغفِرْ لي ذنوبي، وافتحْ لي أبوابَ رحمتِك، وإذا خرج صَلَّى عَلَى مُحَمَّدٍ وَسَلَّمَ، وقال: رَبِّ اغفِرْ لي ذنوبي، وافتحْ لي أبوابَ فضلِك).
- عند الرُّكوب مُطلقاً: سواءً كان الرُّكوب ركوب طائرة أو سيَّارة أودابَّة وكلُّ ما يُشاكل ذلك، لقوله -تعالى-: (وَقالَ اركَبوا فيها بِسمِ اللَّـهِ مَجراها وَمُرساها إِنَّ رَبّي لَغَفورٌ رَحيمٌ).
- عند الذَّبح ، وعند الصَّيد: لقول الله -سبحانه وتعالى-: (فَكُلوا مِمّا ذُكِرَ اسمُ اللَّـهِ عَلَيهِ إِن كُنتُم بِآياتِهِ مُؤمِنينَ)، ولحديث النبيِّ -صلى الله عليه وسلم-: (إذَا أرْسَلْتَ كَلْبَكَ وسَمَّيْتَ فَكُلْ).
- عند البدء بالأكل: لحديث النَّبي -صلَّى الله عليه وسلَّم- المشهور: (يا غُلَامُ، سَمِّ اللَّهَ، وَكُلْ بيَمِينِكَ، وَكُلْ ممَّا يَلِيكَ)، وللحديث الآخر: (إنَّ الشَّيْطَانَ يَسْتَحِلُّ الطَّعَامَ أَنْ لا يُذْكَرَ اسْمُ اللهِ عليه).
- عند دخول المنزل: لحديث النَّبي -صلَّى الله عليه وسلَّم- (إِذَا دَخَلَ الرَّجُلُ بَيْتَهُ، فَذَكَرَ اللَّهَ عِنْدَ دُخُولِهِ وَعِنْدَ طَعَامِهِ، قالَ الشَّيْطَانُ: لا مَبِيتَ لَكُمْ، وَلَا عَشَاءَ، وإذَا دَخَلَ، فَلَمْ يَذْكُرِ اللَّهَ عِنْدَ دُخُولِهِ، قالَ الشَّيْطَانُ: أَدْرَكْتُمُ المَبِيتَ، وإذَا لَمْ يَذْكُرِ اللَّهَ عِنْدَ طَعَامِهِ، قالَ: أَدْرَكْتُمُ المَبِيتَ وَالْعَشَاءَ).
- عند الجِماع: لما رواه ابن عباس -رضي الله عنه- عن النَّبي -صلَّى الله عليه وسلَّم-: (لَوْ أنَّ أحَدَكُمْ إذَا أتَى أهْلَهُ قالَ باسْمِ اللَّهِ، اللَّهُمَّ جَنِّبْنَا الشَّيْطَانَ وجَنِّبِ الشَّيْطَانَ ما رَزَقْتَنَا، فَقُضِيَ بيْنَهُما ولَدٌ لَمْ يَضُرُّهُ).
- عند الخُروج من البيت: لما رواه أنس بن مالك -رضي الله عنه- عن النَّبي -صلَّى الله عليه وسلَّم-: (إذا خرَجَ الرَّجُلُ من بَيتِه، فقال: باسمِ اللهِ، تَوكَّلتُ على اللهِ، لا حَولَ ولا قُوَّةَ إلَّا باللهِ، قال: يُقالُ حينئذٍ: هُديتَ، وكُفيتَ، ووُقيتَ، فتَتنحَّى له الشَّياطينُ، فيقولُ شَيطانٌ آخَرُ: كيف لك برَجُلٍ قد هُدِيَ وكُفِيَ ووُقِيَ).
- في المساء، وفي الصَّباح: لحديث النَّبي -صلَّى الله عليه وسلَّم-: (مَن قال: بسمِ اللهِ الذي لا يَضرُ مع اسمِه شيءٌ في الأرضِ ولا في السماءِ وهو السميعُ العليمِ . ثلاثُ مراتٍ، لم تصبْه فجأةُ بلاءٍ حتى يُصبحَ، ومَن قالها حينَ يُصبحُ ثلاثَ مراتٍ لم تُصبْه فجأةُ بلاءٍ حتى يُمسي).
- عند النَّوم: لحديث النَّبي -صلَّى الله عليه وسلَّم-: (إذا أوَى أحَدُكُمْ إلى فِراشِهِ فَلْيَنْفُضْ فِراشَهُ بداخِلَةِ إزارِهِ، فإنَّه لا يَدْرِي ما خَلَفَهُ عليه، ثُمَّ يقولُ: باسْمِكَ رَبِّ وضَعْتُ جَنْبِي وبِكَ أرْفَعُهُ، إنْ أمْسَكْتَ نَفْسِي فارْحَمْها، وإنْ أرْسَلْتَها فاحْفَظْها بما تَحْفَظُ به عِبادَكَ الصَّالِحِينَ).
- عند دخول الخلاء لقضاء الحاجة.
- إذا تعثَّر الشَّخص، أو إذا تعثَّرت دابَّته.
- عندما يشعر المسلم بألمٍ في جسده، فعندها يُشرع له أن يضع يده على مكان الألم ويُسمِّي الله -تعالى- ثلاثاً.
- عند وضع الميِّت في قبره.
- عند التَّيمم .
- عند كلِّ أمرٍ ذي بال، سواءً كان عبادةً أو أمراً من أمور الدُّنيا، ومن ذلك: عند إطفاء النُّور وإضاءته، عند صعود الخطيب للمنبر، عند تغطية الإناء، في أوائل الكتب، وعند الدُّخول في صلاة النَّفل .