تفسير سورة النور من الآية 35 إلى 45
سورة النور
التعريف بسورة النور
سورة النور سورة مدنية عدد آياتها أربع وستون آية، من أهم مقاصد السورة ذكر أحكام العفاف والستر وأحكام معاشرة الرجال للنساء وآداب الزيارة والاستئذان وحكم اللعان وفيها براءة عائشة -رضي الله عنها- وغير ذلك من أحكام مهمة تتعلق بالبيت المسلم.
تفسير الآيات (35 إلى 45) من سورة النور
فيما يأتي تفسير لعشرة آيات كريمة، نلخصها بأسلوب مبسط على النحو الآتي:
- (اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ)
أي هادي من في السماوات والأرض؛ دل على هذا المعنى ما سُبقت به الآية من الحديث عن إنزال الله -تعالى- آيات بينات لهداية الناس؛ فهو -سبحانه- مصدر الهداية المطلق.
- (مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ)
الهاء في نوره عائدة على لفظ الجلالة الله ؛ أي مثل نور الله وهو القرآن ودينه الذي اختاره للناس كمثل مشكاة، وهي الكوة في الحائط لكنها غير نافذة إنما هي تجويف في الجدار يوضع فيه، (الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ ۖ)، وهو اسم للإناء الذي يوقد فيه بالزيت للإنارة.
وقد اجتمعت في هذا المصباح كل أسباب الإشراق فالمصباح في زجاجة، والزجاجة: (كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ)، أي الكوكب شديد السطوع، والدر يضرب فيه المثل في السطوع والإشراق، (يُوقَدُ مِن شَجَرَةٍ مُّبَارَكَةٍ)، يوقد من الإيقاد وهو ما يزاد في النار؛ لزيادة اشتعالها والمراد به الزيت، وجاءت بصيغة المضارع للدلالة على الاستمرارية.
- (شَجَرَةٍ مُّبَارَكَةٍ)
وصفها -سبحانه- بالمباركة لكثرة منافعها فيؤكل حبها ويعصر، ويستفاد من زيتها في الإنارة وتدخل في بعض العلاجات والأدوية، وحطبها سريع الاشتعال لوجود الدهن فيه، (زَيْتُونَةٍ لَّا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ)، صفة للزيتونة فجهتها ما بين الشرق والغرب؛ أي أنها تنبت بين شرق بلاد العرب وغربها وقيل المقصود أصل منبتها في بلاد الشام.
- (يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ)
دلالة على جودته، (وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ)، أي كأن الضوء يخرج منه دون أن يشتعل بالنار، (نُّورٌ عَلَىٰ نُورٍ)، جملة مستأنفة على أن المقصود من هذا التشبيه البليغ هو سرعة انتشار الهداية المتمثلة بدين الله وكتابه.
- (فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ)
أي أن هذا النور يضاء في بيوت أذن الله أن تقام وتبنى؛ ليذكر فيها اسم الله وهي المساجد ويسبح فيها (بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ)؛ وقت الغداة ووقت العصر، وهما أول ما فُرض من الصلاة.
- (رِجَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ)
من يسبح في هذه البيوت رجال لا تشغلهم التجارة والبيع عن ذكر الله وإقامة الصلاة وأداء الزكاة؛ خوفاً من الوقوف بين يديه -سبحانه- يوم الحساب ليجزيهم الله بأحسن أعمالهم التي عملوها في الدنيا.
- (وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ)
أما أعمال الكافرين، فقد شبهها -سبحانه- كالسراب؛ وهو ما لصق بالأرض حين يشتد الحر، ويكون كالماء بين السماء والأرض ويكون أول النهار، (بقيعة) جمع قاع وهو ما انبسط من الأرض حيث يحدث السراب (يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً)، أي يظنه العطشان ماء، فإذا انتهى أجله لم يجد شيئاً من عمله ينجيه من عذاب الله.
- (أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُّجِّيٍّ)
مرة أخرى يشبه -سبحانه- حال الكافر وأعماله كالبحر العميق؛ يعلوه موج، وهذا الموج أيضاً يعلوه موج آخر، ومن فوقه سحاب فأعمال الكافر وقلبه مثل هذه الظلمات؛ ظلمات بعضها فوق بعض، حيث إنه إذا أخرج يده لم يكد يراها من شدة الظلام، (وَمَن لَّمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِن نُّورٍ)، وذلك جزاء من يعرض عن نور الله وآياته، فإنه يحرم من نوره.
- (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ ۖ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلَاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ)
يلفت -سبحانه وتعالى- أنظارنا للتفكر في عظيم خلقه؛ فليس الإنسان وحده من يسبحه -عز وجل-، بل حتى الطير في السماء، وكل المخلوقات تسبح بحمده؛ بالطريقة التي هداه الله -سبحانه- إليها.
- (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُزْجِي سَحَابًا ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ)
يزجي يؤلف السحاب فيجعله متراكماً، ويخرج البرق من خلاله ثم ينزل الغيث فيصيب به من يشاء ويصرفه عمن يشاء، بحكمته وعدله -سبحانه-.
- (يُقَلِّبُ اللَّهُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ)
ومن آياته -سبحانه- أنه يقلب الليل والنهار.
- (وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِّن مَّاءٍ ۖ فَمِنْهُم مَّن يَمْشِي عَلَىٰ بَطْنِهِ وَمِنْهُم مَّن يَمْشِي عَلَىٰ رِجْلَيْنِ وَمِنْهُم مَّن يَمْشِي عَلَىٰ أَرْبَعٍ ۚ يَخْلُقُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)
إن أصل الخلق من الماء؛ إلا أنهم أنواع مختلفة في طريقة مشيهم، وطبيعة خلقتهم، وهو -سبحانه- يخلق ما يشاء إنه على كل شيء قدير.