تفسير سورة النجم من الآية 1 إلى الآية 18
تفسير سورة النجم من الآية 1 إلى الآية 18
سورة النّجم من السور المكيّة، وعدد آياتها اثنتان وستون آيةً، وقد اشتملت على موضوعات مهمّة أولها إثبات ظاهرة الوحي في الآيات (1-18)، وفيما يأتي بيان تفصيليّ لتفسيرها بالترتيب:
الوحي حقيقة لا شك فيها
تبدأ سورة النجم ببيان أنّ الوحي حقيقة لا مجال لأن يعتريها شكّ، وتفسير هذه الآيات تباعًا فيما يأتي:
- (وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى)
يقسم الله -سبحانه وتعالى- بالثريّا -إذا أريد بها العهد- أو بالنجوم عمومًا -إذا أريد بها الجنس- إذا مالت إلى الغرب أو انتثرت يوم القيامة، وقيل: المقصود بالنجم القرآن؛ لأنّه نزل منجّما؛ أي مفرّقا على بضعٍ وعشرين سنة، وقيل أيضًا: إنّ المقصود من الآية النجوم إذا نزلت لترجم الشياطين التي تحاول استراق السمع.
- (مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى)
المقصود بصاحبكم في الآية سيّدنا محمد -صلى الله عليه وسلّم-، والمراد أنّ الرسول الكريم لم يَحِد عن طريق الحق ونهج الاستقامة ، والخطاب فيها لقريش لِما كانوا يزعمونه على النبيّ -عليه أفضل الصلوات والتسليم- من الضلال واتّباع الغيّ.
- (وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى)
أي إنّ القرآن الكريم الذي جاء به سيّدنا محمّد -صلى الله عليه وسلّم- والسنّة الصادرة منه لم ينطق بها بناءً على هواه.
- (إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى)
أيّ إنّه لا يتكلّم إلّا بما جاءه فيه الوحي من عند الله -جلّ وعلا-.
جبريل هو من علّم النبي القرآن
جبريل هو الذي علّم سيّدنا محمّد القرآن الذي نزل به من عند الله -تعالى- بما لديه من قوة علمية وعملية، والآيات الآتية تبيّن ذلك:
- (عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى)
شديد القوى المذكور هو الوحي جبريل -عليه السلام-، فهو الذي علّم الرسول -صلى الله عليه وسلّم- القرآن، وشديد القوى دلالة على قوّته؛ فقد كان يهبط على الأنبياء -عليهم السلام- ويصعد بأقل من ردّة الطرف، وهو شديد القوّة الظاهرة والباطنة، ويوصل الوحي إلى الرسول -صلى الله عليه وسلّم- ويمنع اختلاس الشياطين له.
- (ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى)
ذو مرّة؛ أي القوة و الأخلاق الحسنة ، والجمال ظاهرًا وباطنًا، والمراد بذلك جبريل -عليه السلام-، واستوى؛ أي استقرّ بصورته الحقيقيّة.
- (وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلَى)
المقصود بالأفق الأعلى: أفق السماء الذي لا تتمكن الشياطين من الوصول إليه.
- (ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى)
أي إنّه اقترب من سيّدنا محمّد -صلى الله عليه وسلّم- لإيصال الوحي إليه، وتدلى؛ أي على النبيّ الكريم من الأفق.
- (فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى)
في هذه الآية دلالة على عدم وجود الواسطة بين جبريل -عليه السلام- وبين الرسول -صلى الله عليه وسلّم-؛ فقد كان في قربه منه على قدر قوسين أو أقلّ.
- (فَأَوْحَىْ إِلى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى)
أيّ إن الله -تعالى- أوحى إلى عبده الذي يقصد به سيّدنا محمّد -صلى الله عليه وسلّم- ما أوحى من أوامر وشرع قويم وعظيم.
مشاهدة الرسول لجبريل
في الآيات الآتية إثبات بأن رؤية النبيّ -صلى الله عليه وسلّم- لم تكن من الخيال، بل كانت رؤية لصورته الحقيقية، وسيأتي تفسيرها:
- (مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى)
أي قلب سيّدنا محمّد -صلى الله عليه وسلّم- لم يكذّب عينه عندما رأى جبريل -عليه السلام-؛ فلم يقل: لم أعرفك، فقد رآه بعينه وعرفه بقلبه.
- (أَفَتُمَارُونَهُ عَلَىْ مَا يَرَى)
أي هل تجادلونه أيها المشركون على ما رآه يوم الإسراء والمعراج ؟
- (وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَىْ)
أي إنّ سيّدنا محمّد -صلى الله عليه وسلّم- رأى جبريل -عليه السلام- نازلًا إليه على صورته الحقيقيّة مرّة أخرى.
- (عِندَ سِدْرَةِ الْمُنتَهَى)
سدرة المنتهى شجرة وراءها غيب غير معروف سوى لله -سبحانه وتعالى-؛ فهذه الشجرة هي منتهى علم الخلق، وهي شجرة عظيمة موقعها فوق السماء السابعة.
- (عِندَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى)
وهذه الجنّة التي تصير إليها الملائكة، وتأوي إليها أرواح الشهداء ومن يتقي الله -تعالى-.
- (إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى)
أي يغشى السدرة شيء عظيم من أمر الله -تعالى- لا يُعلم ما هو وصفه، وقال الحسن: "غشيها نور رب العالمين فاستنارت"، وقال ابن مسعود: "غشيها فراش من ذهب".
دلائل قدرة الله تعالى
في الآيات الآتية دلائل على أنّ النبيّ -صلى الله عليه وسلّم- رأى من عجائب قدرة الله -تعالى- يوم أسري فيه بالروح والجسد رؤية العين، وفيما يأتي تفسير الآيات:
- (مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى)
أي إن بصر سيّدنا محمد -صلى الله عليه وسلم- ما مال عن مقصوده، ولم يتجاوز المقام الذي أقامه الله -تعالى- فيه، وهذا يدلّ على كمال الأدب منه -عليه أفضل الصلاة والسلام-.
- (لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى)
أي إن سيّدنا محمّد رأى من قدرة الله -تعالى- وعجائب ملكوته يوم الإسراء والمعراج، فقد رأى سدرة المنتهى، ورأى جبريل -عليه السلام- في صورته، ورأى الجنّة والنار والبيت المعمور.
فوائد من الآيات الكريمة
يُستنتج في الآيات السابقة مجموعة من الفوائد، ومنها ما يأتي:
- يُقسم الله -تعالى- بما شاء، ويكون في ذلك تعظيم لما أقسم به، أما الخلق فينبغي أن يقسموا بالله فقط.
- يجب تصديق الرسول -صلى الله عليه وسلّم- في كلّ ما يبلغه؛ لأنّه وحي من الله.
- لا تجوز مجادلة الرسول فيما رآه من المعجزات ودلائل قدرة الله.