مقاصد سورة الأحزاب
تعريف بسورة الأحزاب
سورة الأحزاب إحدى سور القرآن الكريم المدنيّة، وعدد آياتها ثلاث وسبعون آية، وترتيبها في المصحف الشريف هو الثالث والثلاثون، جاءت سورة الأحزاب بين سورتي السجدة وسبأ المكيتين، تحدّثت السورة عن عدة أمور، كقضية التبّني في الإسلام ، والميثاق، وغزوة الأحزاب، وأحكام زوجات بيت النبوة، وعن زواج زينب، وعن وصايا الرسول -صلّى الله عليه وسلّم- في أزواجه، وما يحل لهن وما لا يحل، وورد في السورة الأمر للمؤمنين بالصلاة على النبي -عليه الصلاة والسلام-، والأمر لنسائه ونساء المؤمنين بإدناء الجلابيب عليهنّ، وورد ذكر المنافقين والمرجفين، وتحدثت السورة عن الساعة، وعن الأمانة وعرضها، وهي مواضيع متنوّعة تجمعها وحدة موضوعيّة واحدة، حيث صوّرت السورة حياة المسلمين بعد غزوة بدر إلى ما قبل صلح الحديبيّة، وإعادة تنظيم الجماعة المسلمة، وبيان أصول العقيدة والتشريع، وذكرت مواقف الكفّار والمنافقين ودسائسهم ضد المسلمين.
مقاصد سورة الأحزاب
اشتملت سورة الأحزاب كغيرها من سور القرآن الكريم على مقاصد جليلة، نذكر منها:
- دعوة المؤمنين إلى استشعار جلال الله وعظمته ، والاستسلام لمشيئته، وتفويض الأمر إليه، والاطمئنان إلى حمايته، وبيانُ أن الإنسان لا يستطيع أن يتجه لأكثر من عقيدة، ولا أن يتبع أكثر من منهج، وإلا تشتت خطاه وتاه، والله الواحد هو أولى بقلبه الواحد، فلا بد أن يتجه إليه، وأن يدع ما دونه من عادات وتقاليد ومألوفات.
- إبطال بعض الأفكار الجاهليّة التي كانت منتشرة آنذاك، والتي كانت تمسّ الأسرة المسلمة، مثل عادة الظهار والتبنّي، وإبطال آثار المؤخاة التي تمّت في أول الهجرة وردّ الأمر إلى القرابة الطبيعيّة في الإرث والدين وما إليها.
- حث المؤمنين على التمسّك بما شرع الله لهم؛ لأنه أخذ العهد بذلك على جميع الأنبياء، وبيان حفظ الله -تعالى- لعباده المؤمنين في معاركهم مع الكفّار والمنافقين، وإمدادهم بجنوده وحوله وقوته حتى يكون النصر حليفهم في إعلاء كلمة الله.
- بيان أن اجتماع أعداء الإسلام على الدين وأهله سنّة إلهيّة ماضية في كل زمان ومكان، فلا تنقطع عداوتهم للمسلمين، وفي ذلك حكمة بالغة في الرجوع إلى الله، وبذل الغالي لهذا الدين.
- الثناء على صدق المؤمنين في إيمانهم لمّا دافعوا عن دين الإسلام بأرواحهم وأموالهم، وما تبع ذلك من نعمة الله عليهم باستخلافهم في ديار أهل الكتاب الذين والوا الأحزاب وناصروهم ضد النبي محمّد -صلّى الله عليه وسلّم- ومن آمن معه، والتمييز بين المؤمنين والكافرين في الصفات والجزاء والخيريّة.
- بيان أحكام معاشرة النبي -صلى الله عليه وسلم- لأزواجه، وذِكر فضلهنَّ وفضل آل البيت، وتخييرهن بين طلب متاع الحياة الدنيا، وبين طلب ما في الآخرة من ثواب وأجر، وفي ذلك توجيه للمؤمنين إلى إيثار الله ورسوله والدار الآخرة على الحياة الدنيا وزينتها.
- بيان أن ولاية رسول الله للمؤمنين أقوى ولاية، وأن لأزاوجه حُرمة الأمهات لهم، وأن أمر المؤمنين والمؤمنات مرّده إلى الله -تعالى- وإلى النبي محمّد -صلّى الله عليه وسلّم-، فليس لهم في أنفسهم الخيرة؛ إنما هي إرادة الله ومشيئته، ويستسلم له المسلم الإسلام الكامل الصريح.
- توجيه الله -تعالى- النبي -صلّى الله عليه وسلّم- ومن اتّبعه من المؤمنين، بأن يعتصموا بأصول منهج الدعوة؛ حتى يرفعوا عن أنفسهم حرج الطريق وتحدياته، وأمرهم -تبارك وتعالى- بمخالفة أعداء الله وعدم موالاتهم.
- بيان بعض الأحكام المتعلقة بالعلاقات الأسرية كالطلاق قبل المساس، و عدّة النساء والنفقة، وتقرير فرضيّة الحجاب والجلباب على المرأة المسلمة، وتنظيم علاقة المسلمين ببيوت النبي -صلّى الله عليه وسلّم- وزوجاته، في حياته وبعد وفاته.
- مواساة الله -تعالى- لنبيّه محمّد -صلّى الله عليه وسلّم- من خلال تعظيم قدره عنده سبحانه وفي الملأ الأعلى، ودعوة المؤمنين إلى الاقتداء فيه والتأسي به، ووعيد المنافقين بسبب بثّهم الدعايات المغرضة وإيذاؤهم لرسول الله والمؤمنين.
- التأكيد على أن اليوم الآخر هو في علم الله وشأن من شؤونه سبحانه، لا علم لأحد فيه.
- بيان المسؤولية التي تقع على عاتق الإنسان عمومًا وعلى المسلم بشكل خاص، وهي أمانة العقيدة والاستقامة عليها، والدعوة و الصبر على تكاليفها، والشريعة والقيام على تنفيذها في أنفسهم وفي الأرض ومن حولهم.
سبب نزول سورة الأحزاب
نزلت سورة الأحزاب في السنة الخامسة للهجرة، بعد سورة الأنفال، وقبل سورة المائدة، وترتيبها التسعين في النزول، وقد نزلت هذه السورة بسبب غزوة الخندق التي خاضها الرسول -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه الكرام، حين اجتمعت عليهم جموع المشركين بقيادة قريش وكنانة وغطفان، الذين سماهم الله -تعالى- بالأحزاب، حيث زحفوا إلى المدينة في عدد ضخم، بلغ عشرة آلاف، وكان عدد المسلمين ثلاثة آلاف فقط، وقد ساند يهودُ بني قريظة المشركين في عدوانهم على المدينة، وتحدثت السورة عن غدرهم ومكرهم، وكذلك عن غدر المنافقين الذين ساندوا هذا العدوان وآذوا رسول الله والمؤمنين، وقد بينت السورة شدة البلاء الذي حل بالمسلمين ونعمة الله عليهم بدحر المعتدين جميعاً، قال -تعالى-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَّمْ تَرَوْهَا ۚ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا* إِذْ جَاءُوكُم مِّن فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا}.