تحليل قصة القرود والطائر والرجل
تحليل قصة القرود والطائر والرجل
القرود والطائر والرجل؛ هي واحدة من القصص التي ذُكرت في كتاب كليلة ودمنة، الذي يضم مجموعةً من القصص التي تجري على لسان الحيوان في ظاهرها، إذ تستنطق الحيوان بهدف الوصول إلى دروس أخلاقية لإصلاح المجتمع والنظام فيه.
هذا يعني أنّ الحيوان في كتاب كليلة ودمنة ما هو إلّا أداة توظيف يقوم الكاتب باستخدامها للوصول إلى غاية وهدف محدد، ويُمكن تحليل قصة القرود والطائر والرجل وفق ما يأتي:
التحليل الموضوعي
يدور موضوع القصة عن الفهم والرؤية الخاطئة، والحكمة من عدم التدخل في شؤون الآخرين طالما كانوا مصممين على خطئهم، وإلّا فالعاقبة ستكون كبيرةً، وهذا ما حدث للطائر الذي حاول نصح القردة وتنبيههم، فلم يستمعوا إليه.
إذ صمم على الاقتراب منهم أكثر وتحذيرهم مجددًا على الرغم من نصح الرجل الحكيم له، لكنه لم يستمع له، فكان مصيره الموت والهلاك، وقد صرح ابن المقفع أنّ القصص المذكورة في الكتاب لها غرض ظاهري وآخر باطني، ومن يقرأ الكتاب ولا يفهم المعنى الباطني فلن ينتفع به أبدًا.
التحليل الأسلوبي
اتبع الكاتب في القصة أسلوب السرد القصصي، على لسان الطيور والحيوانات التي تُشكل معظم شخصيات الكتاب، واستخدم الكاتب أسلوب النصح في هذه القصة، فهي قصة مليئة بالحكم والأمثال التي تُعبر عن آراء فلاسفة قدماء.
كما مجد الكاتب من خلالها الفضائل الأساسية؛ كالوفاء والكرم والشجاعة والعفة وغيرهم، وفي هذه القصة ركز الكاتب على قيمة النصح وضرورة الاستماع للآخرين ونصائحهم في الوقت المناسب.
تحليل الشخصيات
تحكي القصة عن مجموعة من القرود الذين يسكنون الجبل، وفي إحدى الليالي الباردة ذات الرياح والأمطار، حاولوا أن يلتمسوا نارًا فلم يجدوا، فإذا بيراعة (نوع من أنواع الحشرات) تطير كأنها شرارة نار، فخُيل إليهم أنّها نار، فجمعوا الكثير من الحطب وألقوه عليها، وراحوا ينفخون بأفواههم ويُلوحون بأيديهم رغبةً منهم في أن تُوقد نار يتدفأون بها.
كان بالقرب منهم طائر يقف على شجرة ينظر إليهم وينظرون إليه، وقد رأى ما فعلوه فراح يُنادي عليهم ويقول: لا تُتعبوا أنفسكم، إن ما رأيتموه ليس نارًا، فلما طال ذلك ولم يستجيبوا له، عزم على الاقتراب منهم لينهاهم عما يُريدون فعله.
مر به أثناء ذلك رجل عرف ما عزم على القيام به، فنهاه عن ذلك، وقال: "لا تلتمس تقويم ما لا يستقيم، فإنّ الحجر الصلب الذي لا ينقطع لا تجرب عليه السيوف، والعود الذي لا ينحني لا تعمل منه القوس، فلا تتعب"، إلّا أنّ الطائر رفض الاستماع للنصيحة، وتقدم نحو القردة ليُخبرهم أنّ اليراعة ليست نارًا، فأمسك به أحد القردة وضرب به الأرض فمات.
تحليل الحوار والسرد
أكد الكاتب في القصة على عنصر الحوار بكل أبعاده، فتكاد القصة أن تكون بمثابة مشاهد حية من مسرحية، تحكي للقارئ عن مثل ما يُقال على لسان الفيلسوف بيدبا للملك دبشليم، بالاستعانة بحكاية تتضمن شخصيات رمزية من الحيوانات، التي يدور بينها حوارات مختلفة عن القضايا التي يُريد الكاتب عرضها في قصته.
تكمن خصوصية الحوار في هذه القصة وغيرها من القصص في كتاب كليلة ودمنة، إلى إظهار اللغة بمستواها التواصلي التفاعلي، والكشف عن عنصر الذاتية الذي تتضمنه، بالإضافة إلى ميزة الإقناع التي يستخدمها الفيلسوف للتأثير على الحاكم.
كما أنّ الكاتب من خلال توظيفه لتقنيات الحوار في القصة، سعى إلى تحقيق فوائد تواصلية للقارئ، على الرغم من أنّ القصص جاءت بشكل تلميحي، إلّا أنّه راعى الشروط التي من شأنها مساعدة المتلقي على فهم كل المقاصد التي يعنيها، سواء التي ذكرها بطريقة صريحة أو ضمنية.