تحليل رواية عالم بلا خرائط
التحليل الموضوعي لرواية عالم بلا خرائط
عالم بلا خرائط هي عمل روائي جمع كاتبين من روّاد الأدب العربي الحديث هما عبد الرحمن المنيف و جبرا إبراهيم جبرا ، حيث قاما بدمج تجربتهما وموهبتهما حتى نتج عنهما عالمًا روائيًا متكاملًا، ثريًا وفريدًا من نوعه، مليء بالتفاصيل السياسية والفنية التي تجعله مواكبًا للعصر.
تتناول الرواية قصة الروائي علاء بامرأة لا يجمعهما شيء سوى مدينة خيالية اسمها عمورية وهي مزيج من عواصم عربية مختلفة وواقعة تحت نفس الظروف الاجتماعية والسياسية، والصراع الذي فيها بين محاولة الثبات على الأصالة وبين الانجراف للثقافة الغربية.
تدور جميع الأحداث حول شخصية الراوي علاء الدين نجيب وهو أستاذ جامعي تخرج من كلية في الغرب، متذبذب وفضولي تجاه ماضي عائلته الغريب، وشبكة العلاقات التي حوله التي ستكون سببًا للجريمة التي تعتبر أساس الرواية ، وقصص الحب العنيف المجنون والصدام السياسي.
ويمثل حادث اغتيال نجوى العامري عشيقة علاء محور الرواية والحدث الذي أفسح مجالًا للراوي أي علاء أن يكتشف حقيقة واهتزاز عالمه الذي يعيش فيه ويعرف موقعه منه، وتنتهي الرواية دون اكتشاف الجاني الحقيقي، بسبب تراكم الغموض والتفاصيل التي تحيط بكل من علاء الذي يتم اتهامه بالقتل ونجوى وزوجها خلدون، هذا الغموض الذي يجعل المحققين في حيرة من أمرهم.
التحليل الأسلوبي لرواية عالم بلا خرائط
اتسمت الرواية بتركيز لغوي شديد إذ من الفصل الأول نلحظ لغة دسمة ووصفًا غامضًا متسم بمصطلحات وتراكيب قد تترك القارئ في حيرة من أمره وتبثّ فيه الفضول والإثارة وتحشر برأسه الأسئلة لمعرفة خيوط القصة الكاملة، إلا أنه ينتهي به الأمر بحال من التيه أكثر من الذي بدأ فيه بقراءة الفصل الأول من الرواية.
تعتبر الرواية غنية بأبعاد دلالية ورمزية وبإشكالات عميقة، التي تحتاج إلى قارئ ماهر، قادر على تتبع الدلالات المتخفية فيها، وتأويلها بما يتناسب مجريات الأحداث، بحيث تساعد القارئ على فهم الخطاب الروائي الخيالي، وهذا ما نراه في مقدمة الرواية، بكون عوالمها خيالية.
وقد جاء في المقدمة سرد لأسطورة العرافة "السيبيلا" عرافة كوماي، ويمكن معرفة الحكمة من توظيف هذه الأسطورة في أن مبدعي هذا العمل الأدبي يوجّهون خطابًا للقارئ بأن استيعاب وفهم الرواية سيحتاج إلى جهد نقدي، وتأمّل فلسفي، بسبب فصولها المتعددة والمتشابكة.
وإننا عند تأمل نص الرواية عن قرب نلاحظ أن اللغة كانت أقرب للغة الشعرية ، وأن منشئيها لم يوضّحا خيط الأحداث ومسارها، ولم يرسما الشخصيات ويشرحانها بكل دقة، محتفظَين للقارئ بالمتعة والتشويق، عن طريق تتبعه للفصول المليئة بالحكايات التي قد تكون صعبة التأويل والشرح، جاعلين القارئ يرى الأمور من وجهة نظر البطل الذي كان يتصف بشكل واضح بأنه مثقف عربي متوتر، مقيد بعائلته وعلاقاته، ويعي قسوة مصير بلاده.
تحليل شخصية البطلين في رواية عالم بلا خرائط
تزخر الرواية بحكايا كثيرة وشخصيات متعددة ذكرها الراوي، إلا أن المحرّك الأساسي للأحداث كان يتمثّل في شخصيتين رئيسيتين، هما علاء ونجوى، ونستعرض هنا تحليلًا لكل من الشخصيتين:
- علاء نجيب سلوم
هو كاتب ينشر مقالاته بجريدة "الميزان" وأستاذ جامعي لتاريخ الفنون، مثقف، في الأربعينات من عمره، متحرر من كل القيود كالدين والعادات، نزق وثائر على كل السلطات المعيقة لتحرر الإنسان كسلطة والده والدولة والرقابة المفروضة التي تعيقه عن الكتابة والتعبير بحرية.
وهو خائب عاطفيًا وسياسيًا، يحلم بتغيير حال مدينته عمورية، مصاب بالعجز في الكتابة التي يمارسها لدرجة الهذيان وتحدّ من مخيلته، هذا العجز الذي يخلصه منه نجوى، التي رأى فيها المنقذ والمخلّص.
- نجوى العامري
نجوى العامري كما يمكن أن نستنتج بعد الانتهاء من قراءة الرواية فهي ابنة شهاب خالد سلوم ابن عم والد علاء سلوم، الذي تم إعدامه بتهمة التآمر على الدولة سنة 1949م وتبنّاها عم أمها محسن العامري بعد موت أمها، ونجوى هي زميلة صبا أخت علاء أيام الجامعة، التي كانت سببًا في تعرف علاء على نجوى.
والشخصية المحورية التي تدور جميع الأحداث، وتتشابك حولها مشكلةً عقدة الرواية بما فيها من تشويق، ومتعة، وتمرد، وهي العاشقة التي لا قدرة لعلاء على مواجهة جموحها، وتتملكه حالة من الضعف أمام سحرها، وعلى الرغم من كونها حلم علاء العاطفي والسياسي، إلا أن حلمه هذا تعرض لخيبة جراء ما أصاب عمورية كما يقول الراوي.
فبعد وفاة محسن العامري عم أمها الذي لطالما ظنّت أنه والدها الحقيقي، انعكس هذا الأمر بشكل سيء على علاقة نجوى وعلاء، وبالآخرين، وربما هذا الانعكاس الذي وصل لحد الكراهية والقتل، الذي يشكل بؤرة أحداث الرواية.