كيف تكون الدعوة إلى الله
الدّعوة إلى الله
الدّعوة في اللغة تأتي بعدّة معانٍ؛ منها: الطلب والاستمالة والنّداء، والشّخص الذي يقوم بالدّعوة يسمّى داعية والجمع دعاة، وأمّا في الاصطلاح الشّرعيّ فالدّعوة تعتبر من الألفاظ المشّتركة، والتي يُقصد بها معنيين رئسيين عند إطلاقها؛ هما: معنى رسالة الإسلام نفسها، أو عملية نشر وتبليغ رسالة الإسلام للنّاس كافّة، وتعدّ الدّعوة إلى الله في الإسلام من أفضل الأعمال وأجلّ القُربات، وقد بعث الله -تعالى- الأنبياء -عليهم السّلام- واصطفاهم للقيام بها، وجعل للقائمين عليها من النّاس أجوراً عظيمةً وأفضالاً كثيرةً، فهم ورثة هذه المهمّة عن الأنبياء والرّسل عليهم الصّلاة والسّلام.
والدّعوة إلى الله -تعالى- هي دعوة إلى العدل والإحسان وإلى كلّ ما يطمئن القلب له من عقائد سليمة متوافقة مع الفطرة التي فطر النّاس عليها، وهي دعوة إلى الصّراط المستقيم الذي أمر باتّباعه الله تعالى، وهي دعوة إلى خير الأخلاق وأحسن الصّفات والخِصال، وهي دعوة لفعل الخيرات واجتناب السيئات وحفظ الحقوق ونشر المحبة والأخوّة بين النّاس، ولذلك فقد أمر الله -تعالى- ورغّب كثيراً للقيام بها في القرآن الكريم والسّنة النبويّة ، وفي ذلك قال الله عزّ وجلّ: (وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ).
كيفيّة الدّعوة إلى الله
تكون الدّعوة إلى الله -تعالى- بأفضل الطّرق الممكنة؛ حتى يكون نتاجها مؤثّراً وقويّاً، ومن هذه الطّرق:
- اختيار الوقت المناسب لتقديم الدّعوة والتّوجيه والنُّصح والإرشاد.
- التلطّف والتودّد والابتعاد عن الغلظة والقسوة في دعوة النّاس إلى الإسلام وإلى توحيد الله عزّ وجلّ؛ وذلك بترك الألفاظ الجافّة والمنفّرة والشتائم والكلام البذيء، فالنّاس تحبّ الأسلوب اللطيف والتعامل الليّن.
- مخاطبة النّاس على قدر عقولهم؛ وذلك بتوضيح الكلام والتحدّث مع المدعوّين بما يمكنهم فهمه وليس بما يخفى عليهم؛ لأنّ المراد إفهامهم وتوصيل العِبر والدروس لهم.
- مراعاة الأولويّات في الدّعوة والتدرّج في الأوامر والنّواهي، ولا بأس بالسّكوت عن بعض أخطاء المدعوّين أحياناً إلى حين الوقت المناسب للتحدّث معهم.
- الاستعانة بالله -تعالى- والدّعاء للمدعوّ بأن يهديه الله عزّ وجلّ، مع عدم الاستعجال على تحصيل النتيجة والآثار المطلوبة.
- الإيجاز في الدّعوة وعدم الإطالة في وقت النُّصح والإرشاد؛ حتى لا تملّ نفوس المدعوّين.
حُكم الدّعوة إلى الله
تجب الدّعوة إلى الله -تعالى- على المسلمين بنوعين من الوجوب ؛ هما: الوجوب الكفائيّ والوجوب العينيّ، فأمّا الوجوب الكفائيّ فهو أن تقوم طائفة أو مجموعة من المسلمين بالتصدّي لواجب الدّعوة إلى الله -عزّ وجلّ- ونشر دينه، وذلك على سبيل التفرّغ لهذا العمل فيبذلون في ذلك أقصى جهودهم، وأمّا على سبيل الوجوب العينيّ؛ فتجب الدّعوة إلى الله على كلّ مسّلم بقدر استطاعته وبحسب مكانه، فيأمر بالمعروف وينهى عن المنّكر ما أمكنه ذلك.
وتجب الدّعوة على من كان قادراً على إنشاء منصّات للدّعوة إلى الله -تعالى- وتبليغ رسالة الإسلام للنّاس جميعاً من خلالها؛ كالفضائيات ومواقع شبكة الإنترنت وغيرها من الوسائل التي بالإمكان الوصول من خلالها إلى النّاس البعيدين عن ديار الإسلام ، فلا يُعذر المُستطيع على ذلك إن ترك ذلك لبخلٍ أو كسلٍ، وهذا الأمر يتعيّن على أولياء أمور المسلمين والأغنياء منهم أكثر من غيرهم بلا شكّ.
ثمرات الدّعوة إلى الله
شرع الله -عزّ وجلّ- الدّعوة إليه لحِكَم وثمرات عظيمة، فبالدّعوة يكون صلاح حال المجتمع القريب من الدّاعية، ثمّ بمتدّ ذلك الأثر فيشمل المجتمع عامّة، وهي طريقة لدخول الناس في الإسلام ونجاتهم من عذاب النّار يوم القيامة، وبالدّعوة إلى الله -تعالى- تتلاشى مظاهر الفُحش والفجور والمنكر في المجتمع وتظهر علامات الخير والبرّ والمعروف، وتُردُّ دعوات المُضلّين والمشكّكين في دين الإسلام، وإظهار عزّة الإسلام والمسلمين والنّصر لهم، أمّا الثّمرات العائدة للدّاعية من دعوته إلى الإسلام أنّ فيها تثبيت له على طريق الحقّ والصّواب، وتحصيل للأجر الكبير من الله -تعالى- الذي سيستمرّ معه حتى بعد وفاته، كما يحصل له ولأهله البركة في حياتهم وأرزاقهم، ويكسب بدعوته إلى الإسلام المحبّة والألفة في قلوب النّاس من حوله.
حال السّلف في الدّعوة إلى الله
اهتمّ السّلف الصالح بالدّعوة إلى الإسلام وإلى الله عزّ وجلّ، واجتهدوا في ذلك اجتهاداً عظيماً، وقد ورد في ذلك عدّة أحداثٍ وأقوال؛ منها:
- نادى الإمام مالك بن دينار لصّاً دخل ليسرقه فلم يجد شيئاً، وقال له: (لم تجد شيئاً من الدنيا، فهل تريد شيئاً من الآخرة؟)، فقال اللّص: (نعم)، قال له الإمام: (قم فتوضأ وصلّ ركعتين)، ففعل اللّص، ولمّا سُئل الإمام مالك عن اللّص قال: (جاء يسرق منّا فسرقناه).
- قال الإمام عبد القادر الجيلانيّ: (أراد الله مني منفعة الخَلْق؛ فقد أسلم على يديّ أكثر من خمسمئة، وتاب على يديّ أكثر من مئة ألف، وهذا خير كثير).
- قال الحافظ عمر البزّار عن شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: (كان شيخ الإسلام ابن تيمية في حال صغره إذا أراد المضيّ إلى المكتب يعترضه يهوديّ، وكان بيت هذا اليهوديّ في طريق الشّيخ، فكان يعترضه بمسائل يسأله عنها، وكان الشيخ يجيبه عنها سريعاً، حتى تعجّب اليهوديّ منه، ثمّ إنّه صار كلّما اجتاز به يخبره بأشياء ممّا يدلّ على بطلان ما يدينه من دين اليهوديّة، فلم يلبث أن أسلم الرجل وحَسُن إسلامه، وكان ذلك ببركة الشّيخ على صغر سِنّه).