الموسيقى والغناء في العصر العباسي الأول
الموسيقى والغناء في العصر العباسي الأول
اهتمّ العباسيون اهتماماً كبيراً بالفن والموسيقى، وفيما يأتي تفصيلٌ لاهتمام العباسيين بالموسيقى وتطويرهم لها:
نشأة الموسيقى والغناء في العصر العباسي الأول
دخل النشاط الموسيقيّ في العصر العباسيّ الأول، واهتمّ العباسيون بهذا النشاط ولم يكن جديدًا عليهم، إذ كان من الجاهلية مثل الغناءالبسيط الذي كان يُسمّى بالحذاء الذي اشتقّ منه الغناء المعروف، وتطوّر الغناء في العصور العباسية وبلغت ذروة الكمال والتطور عند بروز المُغنيين أمثال إبراهيم الموصلي وإسحاق وغيرهم، وقد شاركت المرأة أيضًا بذلك.
عوامل تطور الموسيقى والغناء في العصر العباسي الأول
تأثّر ظهور الغناء والموسيقى بعوامل عدّة منها ظهور الفرس بعد الفتوحات فغنوا بالعيدان والمزامير والطنابير والمعازف، فسمع العرب ذلك فتأثّروا فيهم، ولاسيما من خلال الجواري الفارسيات اللواتي دخلوا كجواري الحرب، وقد كان للمغنيين دوراً كبيراً في تطوُّر الغناء والموسيقى لأنّهم حملوا ذلك من ثقافاتهم المُتعدّدة.
كان لعناية الخلفاء بهذا الفنّ الأثر الكبير، فقد كانوا يكرمون المُغنين، ويجزلون لهم العطاء، ويفاضلون بينهم، ويتّخذونهم من الندماء، ولا يُفارقونهم أبدًا، وكان المُغني إن عظُمت منزلته عند الخليفة استدعاه متى شاء، وصار قريبًا منه، وبلغ في الخلفاء أنّهم كانوا يقصدون المغنيين في بيوتهم، وقاموا بتعليم أبنائهم الغناء، ويُحاولونه بأنفسهم.
جمع الرشيد بين المغنين المتعصبين للقديم وهم إبراهيم الموصلي وابنه إسحق، وبين نصراء التجديد أمثال إبراهيم بن جامع، وكان من عناية الخلفاء بالمغنيين أنهّم أسقطوا الكلفة عنهم، وكانوا يزورونهم في منازلهم، ويُقدّمون لهم أياما معينة في الأسبوع يستمتعون فيها مع عائلاتهم، حتّى أقبل بعضهم على تعلم الغناء والبراعة فيه.
ظهرت عنايتهم الشديدة أيضاً من خلال تعليمهم للجواري إضافة إلى وجود القيان اللاتي أظهرن براعة في الجمال والأنوثة والأدب والصوت الجميل والعزف البارع، وبالتالي تطور هذا الفن، لاسيما مع ظهور الألحان الخاصة فلكلّ مغنٍ لحن خاص به أو أكثر من لحن، يضع فيه الكثير من الأصوات، إضافة إلى ترقية الآلات الموسيقية وتطويرها.
التعليم الموسيقي والتأليف في العصر العباسي الأول
ذكر ابن النديم كتبًا كثيرة في الغناء، لكن جلّها ضاع ولم يعد له أثر، فمنها كتاب الغناء كتاب النغم للخليل، وأخبار المُغنين لإسحق الموصلي، والآداب الرفيعة في الغناء والمُنادمات لعبيد الله بن عبد الله بن طاهر ، وكتاب لجحظة البرمكي وحسن بن موسى النصيبي، ولم يبقَ منها إلا كتاب الأغاني لأبي فرج الأصفهاني ولكنّه أخلاه من قواعد الغناء، واكتفى بأن يكون بالصبغة الأدبية في أخبار المُغنيين.
كانت الآلات الموسيقية المُستخدمة مُتنوعة مثل المزمار، والناي، والرباب، والعود، والطنبور، والرق، والطبل، والمعزفة، والكلارنيت، وغيرها من الأدوات، وقد أُقيمت المجالس الغنائية في قصور الخلفاء وأصحاب المقامات العليا، واشتهرت خاصة في عهد الرشيد، والمتوكل، والواثق، والمقتدر، وقد تكون هذه المجالس في الأعياد أو المُناسبات مثل أول يوم في الخلافة.
كما كانت الجلسات الموسيقية تُعقد في قصور الخلفاء، كانت أيضًا في بيوت الأمراء والوزراء، ولم تكن تقلّ روعة من حيث البذخ والإسراف، وكان يحضرها الناس من مُختلف طبقاتهم.
أشهر الموسيقيين والمغنيين في العصر العباسي الأول
من أبرز المغنيين أيضا إبراهيم الموصلي، ومنهم أيضاً ابن جامع مغني الرشيد، ومنهم أيضاً مخارق الذي كان الناس يبكون لجمال غنائه ورقته، ولقبه أبو العتاهية بدواء المجانين، وكان إسحق الموصلي أنبه المُغنيين في هذا العصر وقد تلقى الغناء عن أبيه إبراهيم الموصلي.
أقبل على هذا الفن أبناء الخلفاء، وعلية القوم يتعلمونه ويتقنونه، ويُؤلفون فيه الأصوات والألحان، وكان أشهرهم إبراهيم ابن المهدي، وأخته عُلية، وكان إبراهيم يُعدّ من كبار المغنيين في عصره وله أصوات، إضافة إلى عبد الله بن طاهر، وأبو دلف العجلي قائد المأمون.