الآيات القرآنية التي تحث على الرفق بالحيوان والموجودات
آيات تحث على الرفق بالحيوان والموجودات
الدين الإسلامي دين الرحمة والإنسانية؛ فقد حثّ الإسلام على لين الإنسان مع أخيه الإنسان ومع غيره من المخلوقات، ودعا إلى الرفق بالحيوانات، وجعل ضربها أو تعذيبها أمراً محرما، كما حرّم علينا حرمانها من الطعام أو الشراب، أو حتى تحميلها فوق طاقتها.
والرفق بالحيوان يعني: رعايته والعناية به وتوفيرحاجاته من مأوى وطعام وشراب، ورفع الأذى عنه والإحسان والتلطف في معاملته، ومن عظيم عناية القرآن الكريم بالحيوان أن كانت هناك العديد من السور التي أنزلت بأسماء بعض الحيوانات مثل: الفيل، البقرة، العنكبوت، النحل، والنمل، وفيما يأتي ذكر لبعض الآيات القرآنية التي تحث على الرفق بالحيوان:
قوله تعالى:(وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ ... ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ)
قال الله -تعالى-:(وَما مِن دابَّةٍ فِي الأَرضِ وَلا طائِرٍ يَطيرُ بِجَناحَيهِ إِلّا أُمَمٌ أَمثالُكُم ما فَرَّطنا فِي الكِتابِ مِن شَيءٍ ثُمَّ إِلى رَبِّهِم يُحشَرونَ)، في هذه الآية الكريمة، يقول -تعالى- لنبيه محمد -صلى الله عليه وسلم-: قل لهؤلاء المعرضين عنك، المكذبين بآيات الله:أن الله ليس بغافل عما تعملون، وسوف يجازيكم على ما تكسبون، وكيف يغفل عن أعمالكم ومحاسبتكم عليها وهو غير غافل عن عمل أي شيء يدبّ على الأرض صغيراً كان أو كبيراً.
وبيّن لهم أن الله تعالى لا يغفل أيضاً عن عمل أي طائر طار بجناحيه في الهواء، وأن عالم الحيوان فيه أجناس وأصناف كما للإنسان جنس وصنف، وأن هذه الحيوانات تعرف كما تعرفون، وتتصرف فيما سخرت له كما تتصرفون، ومحفوظ عليها ما عملت من عمل لها وعليها، ثم إنه تعالى سوف يُميتها ثم يُنشرها ويجازيها يوم القيامة جزاء أعمالها.
وفي قوله سبحانه وتعالى: (إلا أمم أمثالكم)، يعني أنها الحيوانات لها أصناف وأمم كما أن الإنسان أمم، ولذا فإن لها حقوقاً وعلينا الإحسان إليها، والرفق بها، كما أننا محاسبون على كل فعل يمس بهذه المخلوقات من دواب، أو طيور أوغيرها من أصناف الحيوانات المختلفة، وفي هذا إشارة إلى حقوق الحيوان ووجوب الرفق به.
قوله تعالى: (وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ)
قال -تبارك وتعالى-: (وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّـهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ)، أمرنا الله سبحانه وتعالى في هذه الآية أن نحسن فيما رزقنا، والإحسان يعني أن يعبد الإنسان المؤمن ربّه في الدنيا على وجه الحضور والمُراقبة له وكأنّه يرى الله بقلبه، وينظر إليه في حال عبادته وخلوته، مراعين حق الله تعالى في أنفسنا أولاً وفي التعامل مع جميع مخلوقاته سبحانه وتعالى ثانياً، والأمر بالإحسان في الآية الكريمة جاء مطلقاً بمعنى مراعاة حق الله تعالى واستشعار مراقبته في الأمور كلها، وهذا يشمل الإحسان إلى الحيوان والرفق به.
قوله تعالى:(وَالأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءَهَا وَمَرْعَاهَا وَالْجِبَالَ أَرْسَاهَا مَتَاعًا لَّكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ )
قال تعالى: (وَالأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا* أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءَهَا وَمَرْعَاهَا* وَالْجِبَالَ أَرْسَاهَا* مَتَاعًا لَّكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ)، دحاها: بمعنى بسطها ومدها، والمقصود أن الله تعالى خلق الأرض وجعلها منبسطة، وأخرج منها العيون المتفجرة بالماء، وأخرج النبات، وجعل الجبال أتواداً تثبت الأرض؛ وهذا كله ميسر لكي يستمتع له الإنسان والحيوان.
وفي قوله تعالى: (مَتَاعًا لَّكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ)، إشارة إلى عظيم رعاية الخالق سبحانه وتعالى في مخلوقاته من الإنسان والحيوان، وفي ذلك بيان لأهمية الحيوانات ووجوب رعايتها والاهتمام بها؛ حيث إن الله تبارك وتعالى جعل كل هذه الأمور من بسط الأرض، وإحياء النبات، وإخراج الماء مسخرة لخدمة الحيوان كما هي مسخرة للإنسان، لذا وجب على الإنسان الرفق بالحيوانات ورعايتها.
قوله تعالى:(وَالأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ...وَيَخْلُقُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ)
قال الله تعالى: (وَالأَنعامَ خَلَقَها لَكُم فيها دِفءٌ وَمَنافِعُ وَمِنها تَأكُلونَ* وَلَكُم فيها جَمالٌ حينَ تُريحونَ وَحينَ تَسرَحونَ* وَتَحمِلُ أَثقالَكُم إِلى بَلَدٍ لَم تَكونوا بالِغيهِ إِلّا بِشِقِّ الأَنفُسِ إِنَّ رَبَّكُم لَرَءوفٌ رَحيمٌ* وَالخَيلَ وَالبِغالَ وَالحَميرَ لِتَركَبوها وَزينَةً وَيَخلُقُ ما لا تَعلَمونَ)، جاء في تفسير هذه الآيات:
- قوله تعالى: (وَالأَنعامَ خَلَقَها لَكُم فيها دِفءٌ وَمَنافِعُ وَمِنها تَأكُلونَ)، يعني: أن الله تبارك وتعالى امتن على عباده بأن خلق لهم الإبل والبقر والغنم، وفيها من الخير الوفير، فمن أوبارها وأشعارها وأصوافها ملابس تستدفئون بها وتقيكم برد الشتاء وحر الصيف، كما أنكم تنتفعون من شرب حليبها وأكل لحومها، والركوب والحمل عليها وغيرها من المنافع.
- قوله تعالى: (وَلَكُم فيها جَمالٌ حينَ تُريحونَ وَحينَ تَسرَحونَ)، أي أن في هذه الأنعام من الإبل والأبقار والأغنام زينة وفرح لمالكها، وقت رواحها في العشي إلى بيوتها و وقت ذهابها صباحاً إلى المكان الذي تسرح فيه، وقدّم الرواح لأن المنافع تُؤخذ منها بعد الرواح، ومالكها يكون أعجب بها إذا راحت.
- وقول الله تبارك وتعالى: (وَتَحمِلُ أَثقالَكُم إِلى بَلَدٍ لَم تَكونوا بالِغيهِ إِلّا بِشِقِّ الأَنفُسِ إِنَّ رَبَّكُم لَرَءوفٌ رَحيمٌ)، واستكمالاً لفضل الله تعالى وإنعامه على عباده، ذكر منافع الأنعام وأنها تحمل الأثقال من بلد إلى آخر في السفر، ولولا هذه الأنعام لصعب على الإنسان بلوغ تلك البلاد إلا بمشقة كبيرة، ولولا رأفة الله بخلقه لما جعل لهم هذه المنافع.
- وقوله سبحانه: (وَالخَيلَ وَالبِغالَ وَالحَميرَ لِتَركَبوها وَزينَةً وَيَخلُقُ ما لا تَعلَمونَ)، فيها بيان لمنافع هذه الحيوانات وغيرها مما لا نعلمه من مخلوقات.
قوله تعالى:(أَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ مُسَخَّرَاتٍ...وَمَتَاعًا إِلَى حِينٍ)
قال الله -تعالى-: (أَلَم يَرَوا إِلَى الطَّيرِ مُسَخَّراتٍ في جَوِّ السَّماءِ ما يُمسِكُهُنَّ إِلَّا اللَّـهُ إِنَّ في ذلِكَ لَآياتٍ لِقَومٍ يُؤمِنونَ* وَاللَّـهُ جَعَلَ لَكُم مِن بُيوتِكُم سَكَنًا وَجَعَلَ لَكُم مِن جُلودِ الأَنعامِ بُيوتًا تَستَخِفّونَها يَومَ ظَعنِكُم وَيَومَ إِقامَتِكُم وَمِن أَصوافِها وَأَوبارِها وَأَشعارِها أَثاثًا وَمَتاعًا إِلى حينٍ)، جاء في تفسير هذه الآيات:
- قال تعالى: (ألم يروا إلى الطير مسخرات في جو السماء)، في هذه الآية الكريمة يستنكر الله تعالى على المشركين إشاركهم بالله، وقد بعث لهم الكثير من الدلالات على وحدانيته سبحانه، فطيران الطيور في السماء دون أن يمسكهنّ شيء لا يكون إلا بتسخير الله -سبحانه وتعالى-، وفي ذلك علامات على توحيد الله تبارك وتعالى، ودليل على أن الحيوانات أيضاً فيها دلالة على وحدانية الله تعالى، ولا يجب التقليل من شأنها.
- قال تعالى: (والله جعل لكم من بيوتكم سكنا)، يذكّر الله تبارك وتعالى الإنسان بنعمه وفضله وكرمه، بأن جعل للإنسان بيوتاً يسكن فيها، وجعل في هذه البيوت ستر للعورة والأمان الذي تستقر به الأنفس وتسكين فتهدى الجوارح، وفي قوله تعالى: (وجعل لكم من جلود الأنعام)، يمتن الله تبارك وتعالى على الإنسان أن جعل له من جلود الإبل والبقر والغنم بيوتًا خفافًا يحملها في سفره وترحاله، وينتفع بها في إقامته، فدل ذلك على عظم المنافع التي تؤخذ من الحيوانات حتى أن الله تعالى يمتن بها على الإنسان.
- ثم قال سبحانه وتعالى: (ومن أصوافها وأوبارها وأشعارهآ أثاثا ومتاعا إلى حين)، يستكمل الله تبارك وتعالى في تذكير الإنسان بفوائد الأنعام؛ حيث جعل لنا من صوفها وأوبارها وأشعارها أثاثاً للبيوت، وأمتعة يستخدمها الإنسان إلى حين، وفي ذكره سبحانه وتعالى لمنافع الحيوانات، دليل على أهميتها وحقها في الرعاية والاهتمام؛ فكما أنها تقدم لنا كل هذه الخيرات، لا بدّ من الرفق بها ورعايته،ا وشكر الله تعالى عليها.
أثر الرفق بالحيوان والموجودات على عمارة الأرض
للرفق آثار كثيرة تعود بالخير والنفع على الفرد وبالتالي على المجتمع بأسره، من أهمها:
- الرفق من أسباب الفوز بمرضاة الله، ودخول الجنة.
- الرفق سبب محبة الله ورسوله والناس أجمعين؛ لقوله -صلى الله عليه وسلم: (إنَّ اللَّهَ ليعطي على الرِّفقِ ما لا يعطي على الخَرقِ وإذا أحبَّ اللَّهُ عبدًا أعطاهُ الرِّفقَ ما من أَهلِ بيتٍ يُحرَمونَ الرِّفقَ إلَّا حُرِموا محبَّةَ اللَّهِ تعالى).
- تنمية روح التعاون والمحبة بين الناس.
- بالرفق يخلو المجتمع من العنف والغل الذي من شأنه صيانة المجتمع من الكثير من الجرائم.
- حصول العبد على السعادة في الدنيا؛ بسبب محبة الناس له، والسعادة في الآخرة بسبب رضا الله عنه.
- يعد الرفق من مظاهر الإحسان، الذي يورث الرضا الداخلي وبالتالي محبة الفرد لنفسه ومجتمعه.
- ينتج عن الرفق حسن الخلق؛ لقول الحبيب عليه السلام: (ما كان الرفقُ في شيءٍ إلا زانَه ولا نُزِعَ من شيءٍ إلا شانَه).
- حصول الخير والبركة للفرد والمجتمع؛ لما روي: (مَن حُرِمَ الرِّفْقَ، حُرِمَ الخَيْرَ، أوْ مَن يُحْرَمِ الرِّفْقَ، يُحْرَمِ الخَيْرَ).
الدين الإسلامي دين الرحمة والإنسانية، وقد تعدت رحمته رفق الإنسان بأخيه الإنسان إلى الأمر بالرفق بالحيوان وسائر الموجودات، ومن الآيات الكريمة التي دعت إلى الرفق قوله تعالى: (وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ)، والإحسان يعني الرفق، وقد جاء الإحسان مطلقاً للدلالة على وجوب الإحسان إلى جميع المخلوقات من الإنسان والحيوان والنبات وغيرها، وللرفق آثار عظيمة على الفرد والمجتمع تم ذكرها في المقال.