كيف حياة الميت
حياة الميِّت في أول ليلة في القبر
يُعَدُّ القبر أوَّلُ منزلةٍ من منازل الدار الآخِرة، وأوَّل ما يتعرَّض له الإنسانُ في قبره هي فتنةُ القبر المتمثِّلة بسؤال المَلَكين، وهذه المرحلة ثبتت في الكِتاب والسُنَّة، وتكون هذه الأسئلة بعد أن يأتي هذان المَلَكَان الغليظان فيُجلسان الميِّت، ويسألانهِ ثلاثة أسئلةٍ: من ربك؟ وما دينك؟ وماذا تقول في الرَّجل الذي بُعِثَ فيكم؟ قال الله -تعالى- عن ذلك: (يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ)، حيثُ يكون التثبيت للمؤمن من الله -عز وجل- عند هذه الفتنة بإطلاق لسانه بالجواب، فيقول: "ربّي الله، ونبيّي محمد -صلى الله عليه وسلم-، وديني الإسلام"، وتكون هذه الفتنة اختباراً حقيقيَّاً لصدق الإنسان، فكلٌّ يُبعَث على الشيء الذي مات عليه، ويُضاف إلى هذه الفتنة ضمَّةُ القبر بعد وضع الميّت فيه.
وعندما يتعرّض الكافر والمنافق لسؤال الملكين يُعقد لسانهما فلا يستطيعا البوح بالجواب الصحيح، ووردت الإشارة لذلك في السّنة النبوية في الحديث: (وأَمَّا المُنَافِقُ -أوِ المُرْتَابُ لا أدْرِي أيَّ ذلكَ قالَتْ أسْمَاءُ- فيَقولُ: لا أدْرِي سَمِعْتُ النَّاسَ يقولونَ شيئًا فَقُلتُهُ)، والمَلَكان اللّذان يسألان الموتى هُما: مُنكر ونكير، فيبشِّران المؤمن بالنَّعيم المقيم في الجنَّة، ويتوعَّدان الكافر بالعذاب في الآخرة.
ويجب على الإنسان الإيمان بهذه المرحلة التي تكون عند نُزول الميت إلى قبره، فَيَردُّ الله -تعالى- إليه روحه وسمعه وبصره، ثُمَّ بعد ذلك تُوجَّه إليه الأسئلة الثلاث المذكورة سابقاً..
ومن الأحاديث التي وردت في ذلك قول النبيّ -عليه الصَّلاةُ والسلام-: (إنَّ العَبْدَ إذَا وُضِعَ في قَبْرِهِ وتَوَلَّى عنْه أصْحَابُهُ، وإنَّه لَيَسْمَعُ قَرْعَ نِعَالِهِمْ، أتَاهُ مَلَكَانِ فيُقْعِدَانِهِ، فَيَقُولَانِ: ما كُنْتَ تَقُولُ في هذا الرَّجُلِ لِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فأمَّا المُؤْمِنُ، فيَقولُ: أشْهَدُ أنَّه عبدُ اللَّهِ ورَسولُهُ...).
ولا بد من الإشارة إلى أنَّ هذه الفتنة يتعرَّض لها جميع الموتى باستثناء البعض الذين يُعصمون من فتنة القبر وسؤال المَلَكَين، وهؤلاء هم:
- الأنبياء والرُّسل -عليهم السلام-.
- الشُّهداء: لِقول النبيِّ -عليه الصلاةُ والسلام-: (للشَّهيدِ عِندَ اللَّهِ ستُّ خصالٍ: يُغفَرُ لَه في أوَّلِ دَفعةٍ ويَرى مقعدَه منَ الجنَّةِ ويُجارُ مِن عذابِ القبرِ).
- المُرابطين في سبيل الله -تعالى-: لِقول النبيِّ -عليه الصلاةُ والسلام-: (كلُّ ميِّتٍ يُختَمُ على عملِهِ إلَّا الَّذي ماتَ مرابطًا في سبيلِ اللَّهِ فإنَّهُ ينمي لَهُ عملُهُ إلى يومِ القيامةِ ويأمَنُ فتنةِ القبرِ).
كيف تكون حياة الميِّت في القبر بعد أول ليلة
بعد المرحلة الأُولى والليلة الأُولى في القبر وبعد سؤال المَلَكَين، ينتقل الإنسان إلى حياته في القبر والتي تُسمَّى بحياة البرزخ ، وما يحدّد مصيرة وحاله التي يكون عليها في البرزخ هو حالهُ في الدّنيا، فالمؤمن يُعطى نصيباً من النعيم في قبره، والكافر يُعَذَّب جزاءً لكفره في الدُّنيا، ولفظ (العبد) يُطلق على الرُّوح والجسد معاً، ممَّا يدُلُّ على وُقوع النَّعيم أو العذاب عليهما.
نعيم القبر للميِّت
ثبت نعيم القبر في العديد من الأدَّلة والنصوص الشّرعية، ومنها قول النبي -عليه الصَّلاةُ والسلام-: (إنَّ أحَدَكُمْ إذَا مَاتَ عُرِضَ عليه مَقْعَدُهُ بالغَدَاةِ والعَشِيِّ، إنْ كانَ مِن أهْلِ الجَنَّةِ فَمِنْ أهْلِ الجَنَّةِ)،
وممَّا يُثبت نعيم القبر ما ورد في قول النبيِّ -عليه الصلاةُ والسلام- عن المؤمن بعد سؤال المَلَكَين له: (فيُنادي منادٍ من السَّماءِ أن صدق عبدي فأفرِشوه من الجنَّةِ، وألبِسوه من الجنَّةِ، وافتَحوا له بابًا إلى الجنَّةِ، قال فيأتيه من روحِها وطيبِها، ويُفسَحُ له في قبرِه مدَّ بصرِه)، ونعيم القبر من الأحداث الغيبيَّة الثابتة عن النبيِّ -عليه الصلاةُ والسلام-، ويجبُ الإيمانُ به لكثرة الأدلة الواردة عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- والتي وصلت حدَّ التواتر.
ونعيمُ القبر نموذجٌ مُصغّر من نعيم الجنة، وينبغي على المؤمن الاستعداد للآخرة، والتأهّب للقاء الله -تعالى-، وأن يبتعد عن أسباب العذاب؛ من خلال اجتهاده في الطاعة، والاستقامة على أوامر ربه، والابتعاد عن المعاصي والمُحرّمات، فيكون بسبب ذلك في نعيمٍ في القبر، وفي روضةٍ من رياض الجنة إلى قيام الساعة، ويكون النعيم للمؤمن بفتح أبواب الجنة له، ويُوسّع له قبره، ويأتيه من نعيم الجنة ما تقرّ به عينُه.
عذاب القبر للميِّت
هناك أدلة على عذاب القمر:
أدلَّة ثبوت عذاب القبر
ثبت عذاب القبر في القُرآن الكريم، والسُنَّة، والإجماع، ومن هذه الأدلَّة ما يأتي:
- القُرآن: كما ورد في قولهُ -تعالى-: (وَأَمَّا إِن كَانَ مِنَ الْمُكَذِّبِينَ الضَّالِّينَ* فَنُزُلٌ مِّنْ حَمِيمٍ* وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ)، وغير ذلك من الآيات التي أشارت لعذاب القبر.
- السُنَّة النَّبويَّة: قول النبيِّ -عليه الصلاةُ والسلام-: (فيُنادي منادي من السَّماءِ أن كذب، فأفرِشوه من النَّارِ، وافتحوا له بابًا إلى النَّارِ، فيأتيه من حَرِّها وسَمومِها، ويُضيَّقُ عليه قبرُه حتَّى تختلِفَ أضلاعُه، ويأتيه رجلٌ قبيحُ الوجهِ قبيحُ الثِّيابِ مُنتِنُ الرِّيحِ، فيقولُ له: أبشِرْ بالَّذي يسوءُك، هذا يومُك الَّذي كنتَ توعدُ، فيقولُ: من أنت؟ فوجهُك الوجهُ يجيءُ بالشَّرِّ، فيقولُ: أنا عملُك الخبيثُ، فيقولُ: ربِّ لا تُقِمِ السَّاعةَ)، ويقع العذاب على الرُّوح والبدن معاً، وأحوال الآخرة لا تُقاسُ بأحوال الدُّنيا، فليس العذاب هنا كالعذاب هناك.
- دليل الإجماع: أجمع أهل السنَّة على ثبوت عذاب القبر ووجوب الإيمان به.
أنواع عذاب القبر
يُقسَّم عذاب القبر إلى نوعين كما يأتي:
- النوع الأوَّل: ما هو دائمٌ لا ينقطع، بدليل قولهِ -تعالى-: (النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا).
- النوع الثَّاني: ما هو مُنقطعٌ يتعرّض له تارةً ويتوقّف تارةً أُخرى؛ ويكون هذا النوع جزاءً لبعض العُصاة من المُسلمين، حيثُ يُعذَّب بحسب ذُنوبه، ثُمّ يُخفَّف عنه، وقد ينقطع عنه العذاب بالصَّدقة أو الدُّعاء.
الأسباب المؤدِّية لعذاب القبر
تُقسَّم الأسباب المؤدِّية إلى عذاب القبر إلى قسمين كما يأتي:
- الأول: مُجمل: وهي عدم طاعة الله -تعالى-، وارتكاب المعاصي.
- الثانيّ: مُفصّل: وهم أصحاب الذنوب من المسلمين ومرتكبي المعاصي، بدليل الحديث الوارد عن النبيّ -عليه الصلاةُ والسلام-: (أنَّهُ مَرَّ بقَبْرَيْنِ يُعَذَّبَانِ، فَقَالَ: إنَّهُما لَيُعَذَّبَانِ، وما يُعَذَّبَانِ في كَبِيرٍ، أمَّا أحَدُهُما فَكانَ لا يَسْتَتِرُ مِنَ البَوْلِ، وأَمَّا الآخَرُ فَكانَ يَمْشِي بالنَّمِيمَةِ)، وكذلك تعذيب الزُّناة، وآكلي الربا، والذين تفوتهم صلاة الفجر ويتكاسلون عنها، ومن يمنعون الزَّكاة، وغيرهم الكثير.