الشكلانية الروسية عند العرب
الشكلانية الروسية عند العرب
رغم أنَّ الشكلانية الروسية تكوَّنت في بدايات القرن العشرين، وشكّلت إرثاً ضخماً امتدَّ إلى الثقافات الأخرى من الفرنسية إلى الإنجليزية والألمانية وأحدث هذا الإرث صدى واسعاً في هذه الأوساط الثقافية، إلا أن قبولها من النقاد العرب قد جاء متأخراً فلم تتم الترجمة لها أو الاهتمام بها قبل السبعينيات من القرن المنصرم، ولم تكن هذه الكتابات بشيء ذي أهمية فائقة أو كبيرة، فلا شيء هامَّاً فيها عن الشكلانيين ونظرياتهم و المناهج النقدية الخاصة بهم.
لم يستقبل النقاد العرب الشكلانية الروسية بالحفاوة ذاتها التي استقبلت فيها في بلدان كفرنسا وألمانيا، بل لم يكترث النقاد لأمرها إلا بعد مرور سنوات كثيرة، ففي السبعينيات من القرن الفائت بدأت حركة اهتمام متواضعة وخجولة بترجمات لا تكاد تذكر في الشكلانية الروسية، ولم يكتب للشكلانية التداول في الأوساط العلمية والجامعية والأكاديمية ولا في الأوساط الثقافية والاجتماعية قبل هذا الوقت.
ربما يعد كتاب رينيه ويليك وأوستين وارين المعنون ب: نظرية الأدب، أول كتاب نقدي يتطرق إلى الشكلانية ويترجم إلى اللغة العربية وذلك عام 1972، ورغم ذلك فلم يحظَ هذا الكتاب بالاهتمام ولم يلفت اهتمام القارئ العربي في المشرق أو المغرب إلى الشكلانية، رغم أهميته المدرسية والعلمية وما في ثناياه من إشارة إلى أعمال الشكلانيين.
ما هي الشكلانية الروسية
نستطيع تعريف الشكلانية الروسية بقولنا إنها مصطلح وضع للدلالة على تيار النقد الأدبي الروسي ما بين عامي 1915 و1930، والذي مثله عدد من النقاد أمثال: فلاديمير بروب وشكلوفسكي، مكاروفسكي، ويوري تينيانوف وغيرهم.
وانصبَّ محور اهتمام الشكلانية على دراسة الآثار الأدبية، فجعلوها محط التركيز والاهتمام في دراستهم النقدية، فأغفلوا كل ما عداها من مرجعيات متصلة بحياة المؤلف وبيئته وسيرته الذاتية، بحيث سعوا إلى خلق علم أدبي مستقل يكون اهتمامه هو جوهر النص الأدبي فقط وعناصر بنيته ونظام حركة هذه العناصر.
دواعي نشأة الشكلانية الروسية
يمكن القول إن الشكلانية الروسية ظهرت ردًا على السيطرة التي كانت مفروضة من المقاربات النفسية والتاريخية والاجتماعية والفكرية على الأدب الغربي لوقتٍ طويل، حتى صار هذا دافعاً لدى الشكلانيين الروس ليقوموا بدراسة الأدب بوصفه بنيةً جمالية مستقلة، تتضمن مجموعة من العناصر التي تتفاعل فيما بينها تفاعلاً إيجابياً أو سلبياً.
وقد خدمت الشكلانية الأدب والفن و النقد ، فقامت بإثرائهم بنيوياً وسيميائياً عن طريق المقاربات بين النصوص الصوتية والإيقاعية والصرفية والدلالية والبلاغية والتركيبية وتحليلها ضمن استعمالاتها الوظيفية أو السياقية.
أسباب تأخر الاهتمام بالشكلانية الروسية
يمكن أن نعيد أسباب تأخر الاهتمام بالشكلانية الروسية إلى الرأي العام النقدي السائد في العالم العربي في ذلك الوقت، حيث يتجه هذا الرأي إلى التعامل مع المناهج أو النظريات التي تثير القضايا الاجتماعية من وجهة نظر واقعية واشتراكية، وكان اهتمامها منصبَّاً على المجالات الفكرية والسياسية وما يتعلق بها من جماليات أدبية، وربما لو كانت الشكلانية ظهرت في وقت متأخر أكثر كالخمسينات أو الستينات مثلاً لم يكن لينظر إليها أو تؤخذ بعين الاعتبار.
الشكلانية والنقد المغربي
يجب علينا أن نذكر أولاً أن التعاطي مع الشكلانية الروسية لم يكن ينتمي إلى نفس المرجع بين المشرق العربي والمغرب العربي، فلم يعتمد المغرب العربي على المصادر المشرقية، بل سعى نحو مصادره الخاصة خارج المنظومة النقدية العربية.
وقد ارتبط وصول الناقد المغربي إلى الشكلانية الروسية بوصول الشكلانية الروسية إلى الناقد الفرنسي أولاً وذلك بحكم حاجز اللغة، وبحكم أن نقاد المشرق العربي لم يعيروا الاهتمام للشكلانية وكتاباتها، فكان على الناقد المغربي أن يبحث عن مراجعة الخاصة، وهكذا كان اعتماد الناقد المغربي على الناقد الشكلاني الفرنسي فرصة لتنويع مصادره وآرائه النقدية، وفرصة كذلك لتغذية النقد العربي في المشرق بنظرة مختلفة.
وقد برز من نقاد المغرب العربي في مجال الشكلانية الناقد المعروف إبراهيم الخطيب، حيث يرجع اهتمامه بالشكلانية إلى بداية السبعينات وتحديداً بعد صدور كتاب: "نظرية المنهج الشكي، نصوص الشكلانيين الروس".