الزواج بدون ولي عند الحنفية
الزواج بدون ولي عند الحنفية
الولي لغةً: يدلُّ على القرب، يقال: تباعد بعد ولي، أي قرب، والولي: المطر يجيء بعد الوسمي، والولي من يملك التصرف، والولاية في النكاح عند الفقهاء: أن ينظر ويبحث الولي في أمر النكاح؛ فيأذن به أو يمنعه؛ لأسباب توجب ذلك؛ لأنَّ الولي أعلم بشؤون الرجال وأحوالهم، وحكم الزواج بدون ولي عند الحنفية كالآتي:
حكم زواج الحرة البكر البالغة العاقلة بدون ولي عند الحنفية
يرى الحنفية في الظاهر والصحيح من مذهبهم بصحة تزويج المرأة البكر البالغة نفسها دون وليها، فلا يشترطون إذن الولي في زواج المرأة البكر إذا كانت بالغة عاقلة، وكذلك يجوز لها أن تزوج غيرها بالولاية أو الوكالة، وأدلتهم على ذلك ما يأتي:
- قوله -تَعَالَى-: (حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ)، وقوله -تعالى-: (فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ)، ووجه الدلالة في الآيتين الكريمتين هو أنَّ الله -عز وجل- أضاف النكاح إلى النساء ولم يذكر معها غيرها، فإذا زوجت نفسها من كُفء فلا جُناح على وليها فيما فعلت.
وهنا لا فرق بين أن تكون المرأة ثيباً أم بكراً، فنكاحها صحيح دون ولي؛ لأنها بالغة عاقلة، وروي عن أبي حنيفة -رحمه الله- إن كان الزوج كفئاً جاز النكاح، وإن لم يكن فلا يجوز النكاح.
- واستدلوا بما روته أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها-: (أنَّ فَتاةً دَخَلَتْ عليها، فقالت: إنَّ أبي زوَّجني من ابنِ أخيهِ؛ ليَرفَعَ بي خَسيستَه وأنا كارِهَةٌ، قالت: اجْلِسي حتى يأتِيَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فجاءَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فأخْبَرَتْه).
(فأرسَلَ إلى أبيها فدَعاه، فجَعَلَ الأمْرَ إليها، فقالت: يا رسولَ اللهِ، قد أَجَزتُ ما صَنَعَ أبي، ولكن أَرَدتُ أنْ أُعلِّمَ النَّاسَ أنْ ليس للآباءِ من الأمْرِ شَيءٌ)،ووجه الدلالة في الحديث من عدة وجوه:
- الأول: قوله -عليه الصلاة والسلام: (فانكحي من شئت)، أي جعل الخيار لها في الاختيار، وجعل النكاح تحت تصرفها.
- الثاني: قولها ذلك، ولم ينكر عليها قولها فدل على جوازه.
- الثالث: قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: (أجيزي ما صنع أبوك)، يدلّ على توقف إجازة فعله عليها؛ ففعله غير نافذ إلا بعد إجازتها، بمعنى أنَّ زواجه لا ينفذ عليها إلا بعد موافقتها.
- واستدلوا بحديث الخنساء بنت خذام الأنصارية -رضي الله عنها-: (أنَّ أباها زوَّجها وهي ثيِّب فكرهت ذلك، فأتت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فرد نكاحه)،لأنها تصرفت بخالص حقها، فهي أحرص على مصلحتها؛ لكونها عاقلة مميزة.
وكذلك تملك حق التصرف في المال، فكذلك في الزواج، وكذلك استدلوا بقول الله -عز وجل-: (فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ)، فالله -عز وجل- نهى الولي عن العضل، والعضل هو المنع.
وعند محمد بن الحسن، وهو من كبار فقهاء الحنفية، ينعقد عقد الحرة البالغة العاقلة موقوفاً، فإن أجازه الولي انعقد النكاح، وإن لم يُجزه الولي لم ينعقد النكاح، سواء كان الزوج كُفْئًا أم لم يكن كُفئًا.
حكم زواج الصغيرة والمجنونة دون ولي عند الحنفية
للولي عند الحنفية أن يُزوج الصغيرة أو المجنونة، ثيباً كانت أو بكراً، وتُسمى بولاية الإجبار، فلا يصح عندهم زواج الصغيرة أو المجنونة دون ولي؛ لكونها قاصرة العقل، وغير مدركة لعواقب الأمور، ودليل ذلك حديث عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما-، أنَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (الثيب أحق بنفسها من وليها، والبكر تستأمر، وإذنها سكوتها).
حكم الزواج بلا ولي عند جمهور الفقهاء
لا يصح تزويج المرأة نفسها ولا غيرها عند جمهور الفقهاء، وإن زوجت المرأة نفسها، فزواجها باطل، واستدلوا بما يأتي:
- حديث عائشة بنت أبي بكر الصديق -رضي الله عنهما-، أنها قالت: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (أيما امرأة لم ينكحها الولي، فنكاحها باطل، فنكاحها باطل، فنكاحها باطل، فإن أصابها، فلها مهرها بما أصاب منها، فإن اشتجروا، فالسلطان ولي من لا ولي له).
- عن أبي موسى الأشعري -رضي الله عنه-، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (لا نكاح إلا بولي).
- قول الله -عز وجل-: (وَلَا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ)، لا تنكحوا هو فعل يتعدى إلى مفعولين، الأول المشركات والثاني محذوف وهو المؤمنات؛ فكأن الله -عز وجل- يقول لا تزوجوا أيها الأولياء المؤمنات للمشركين، فخاطب الله -عز وجل- الأولياء، ولم يخاطب النساء.