اجمل الشعر العربي
قصيدة لعمرُك ما ملت ثواء ثويَّها
يقول أوس بن حجر في قصيدته:
لَعَمْرُكَ ما مَلّتْ ثَوَاءَ ثَوِيِّها
- حليمةُ إذْ ألقتْ مراسيَ مقعدِ
ولكنْ تلقّتْ باليدينِ ضمانَتي
- وحلّ بشرجِم القبائلِ عودّي
وقد غبرَتْ شَهرَيْ رَبيعٍ كِلَيهما
- بحملِ البلايا والحِباءِ الممدَّدِ
ولمْ تُلههِا تلكَ التكاليفُ إنّهَا
- كما شئتَ من أكرومة ٍوتخرُّدِ
هيَ ابنةُ أعراقٍ كرامٍ نمينَها
- إلى خُلُقٍ عَفٍّ بَرَازَتُهُ قدِ
سَأجزيكِ أو يَجزيك عَنّي مُثوِّبٌ
- وقصرُك أن يُثْنَى عليكِ وتُحمَدي
فإنْ يُعطَ منّا القوْم نصبرْ وننتظرْ
- مني عقبٍ كأنّها ظمْءُ موردِ
وإن نُعطَ لا نجهل ولا ننطق الخنا
- ونَجْزِ القُروضَ أهْلَها ثمَّ نقصِدِ
لا تُظهرنْ ذمَّ امرئٍ قبلَ خُبرِه
- وبعدَ بلاءِ المرْء فاذمُم أوِ احمَدِ
قصيدة حي المنازل بين السفح والرحب
يقول الأخطل في قصيدته:
حيِّ المنازِلَ بَينَ السّفْحِ والرُّحَبِ
- لمْ يَبْقَ غَيرُ وُشومِ النّارِ والحطبِ
وعقرٍ خالداتٍ حولَ قُبتها
- وطامسٍ حبشي اللونِ ذي طببِ
وغيرُ نؤيٍ قديمِِ الأثرِ، ذي ثلمٍ
- ومستكينٍ أميمٍ الرَّأسِ مستلب
تعتادُها كلُّ مئلاةٍ وما فقدت
- عَرْفاءُ مِنْ مُورِها مجنونَةُ الأدبِ
ومظلمِ تعملُ الشكوى حواملُهْ
- مستفرغٍ من سجالِ العينِ منشطبِ
دانٍ، أبَسّتْ بِهِ ريحٌ يمانِيَةٌ
- حتى تَبَجّس مِنْ حَيرانَ مُنْثعِبِ
تجفلَ الخيلَ من ذي شارةٍ تئقٍ
- مُشَهَّرِ الوَجْهِ والأقرابِ، ذي حَبَبِ
يعلها بالبلى إلحاحُ كرّهما
- بعد الأنيس، وبعد الدَّهْرِ ذي الحِقَبِ
فهي كسحق اليماني بعدَ جدّته
- أو دارِسِ الوَحْي من مرْفوضَةِ الكتب
وقد عهدتُ بها بيضاً منعمةً
- لا يرتدين على عيْب ولا وَصبِ
يمشينَ مشيّ الهجان الأدمِ يوعثها
- أعْرافُ دَكداكَة ٍ مُنْهالةِ الكُثُبِ
من كلَ بيضاء مكسال برهرهة ٍ
- زانَتْ مَعاطِلَها بالدُّرِّ والذَّهَبِ
حَوْراءَ، عجزاءَ، لمْ تُقْذَفْ بفاحشَة ٍ
- هيفاءَ، رُعبوبة ٍ ممكورةِ القصبِ
يشفي الضجيعَ لدَيها، بعدَ رقدتها،
- منها ارتشافُ رضابِ الغربِ ذي الحببِ
يَنفي أَعادِيَها عَن حُرِّ مَجلِسِها
- عَمروُ بنُ غَنمٍ بِزارِ العِزِّ ذي الأَشَبِ
ترمي مقاتلَ فراغٍ، فتقصدهمْ
- وما تُصابُ، وقد يرمونَ من كثب
فالقَلْبُ عانٍ، وإنْ لامَتْ عواذلُهُ
- في حبلهنّ أسيرٌ مسنحُ الجنبِ
هلْ يُسلينَّك عمّا لا يفينَ بهِ
- شَحْطٌ بهِنَّ لبَينِ النيةِ الغَرَبِ
وقد حلفتُ يميناً غير كاذبةٍ
- باللَّهِ، رَبّ سُتورِ البيتِ، ذي الحُجُبِ
وكُلِّ مُوفٍ بنَذْرٍ كانَ يَحْملُهُ
- مضرجٍ بدماءِ البدنِ مختضبِ
إنَّ الوليدَ أمينُ اللَّهُ أنْقَذني
- وكانَ حصناً إلى منجاتهِ هربي
فآمَنَ النّفسَ ما تَخْشى، وموَّلها
- قذمَ المواهبِ من أنوائهِ الرغُب
وثَبّتَ الوَطءَ مِنّي، عندَ مُضْلِعَة ٍ
- حتى تخطيتُها، مسترخياً اللَبَبِ
خَليفَةُ اللَّهِ، يُسْتَسقى بسُنَّتِهِ
- الغيثُ، من عند مولي العلمِ منتجبِ
إليكَ تقتاسُ همي العيسَ مسنفةً
- حتى تَعَيّنَتِ الأخْفافُ بالنُّقَبِ
من كلّ صهباءَ معجالٍ مجمهرة
- بعيدة ِ الطَّفْرِ مِنْ معطوفةِ الحَقَبِ
كبْداءَ، دفْقاءَ، مِحْيالٍ، مجَمَّرَة ٍ
- مثل الفنيق علاةٍ رسلةِ الخبب
كأنما يعتريها، كلما وخدتْ
- هِرٌّ جَنيبٌ، بهِ مَسٌّ منَ الكَلَبِ
وكُلُّ أعْيَسَ نَعّابٍ، إذا قَلِقَتْ
- مِنْهُ النُّسوعُ، لأعْلى السّيرِ مُغتصِبِ
كأنَّ أقْتادَهُ، مِنْ بَعْدِ ما كَلَمَتْ
- على أصكٍّ، خفيفِ العَقْلِ، مُنتخَبِ
صعرُ الخدودِ وقد باشرنَ هاجرة ً
- لكوكبِ من نجومِ القيظِ ملتهب
حامي الوَديقَة ِ، تُغْضي الرّيحُ خَشيَتَهُ
- يكادُ يُذْكي شِرارَ النّارِ في العُطُبِ
حتى يَظَلَّ لَهُ مِنْهُنَّ واعيةٌ
- مستوهلٌ عاملُ التقزيعِ والصخبِ
إذا تكَبّدْنَ مِمْحالاً مُسَرْبَلَةً
- من مسجهرّ، كذوب اللون، مضطرب
يأرِزْنَ مِنْ حِسِّ مِضرارٍ لهُ دأبٌ
- مشمرٍ عنْ عمودِ الساقِ، مرتقبِ
يخْشَيْنَهُ، كلّما ارْتجّتْ هماهِمُهُ
- حتى تجشمَ ربواً محمشَ التعبِ
إذا حُبسنَ لتغميرٍ على عجلٍ
- في جمّ أخضرَ طامٍ نازحِ القربِ
يَعْتَفْنَهُ عِندَ تِينانٍ بدِمْنَتهِ
- بادي العُواء، ضَئيلِ الشخص، مُكتسِبِ
طاوٍ، كأنَّ دُخانَ الرِّمْثِ، خالطَهُ
- بادي السَّغابِ، طويلِ الفَقْرِ، مُكتئبِ
يمنحنهُ شزْرَ، إنكارٍ بمعرفة ٍ
- لواغبَ الطرفِ قد حلقنَ كالقلبِ
وهُنَّ عِندَ اغْترارِ القَوْمِ ثورَتَها
- يَرْهَقْنَ مُجتَمَعَ الأذقانِ للرُّكبِ
منهنَّ ثمتَ يزفي قذفُ أرجُلها
- إهذابَ أيدٍ بها يفرينَ كالعذبِ
كلمعِ أيدي مثاكيلٍ مسلبة ٍ
- يَنْعَينَ فتيانَ ضَرْسِ الدَّهرِ والخُطُبِ
لم يبقِ سيري إليهمْ منْ ذخائرها
- غيرَ الصميمِ من الألواحِ والعصبِ
حتى تناهى إلى القومِ الذين لهمْ
- عزّ الملوكِ، وأعلى سورةِ الحسبِ
بِيضٌ، مصاليتُ، لمْ يُعدَلْ بهِمْ أحدٌ
- بكلّ مُعْظَمَةٍ، مِنْ سادةِ العَرَبِ
الأكثرينَ حصًى، والأطيَبينَ ثرًى
- والأحمدين قرىً في شدةِ اللزبِ
ما إنْ كأحلامِهِمْ حِلْمٌ، إذا قَدَروا
- ولا كبطشهم كبطش، لدى الغضبِ
وهُمْ ذُرا عبدِ شَمْسٍ في أرومتها
- وهُمْ صميمُهُمُ، ليسوا مِن الشَّذَبِ
وكانَ ذلكَ مَقْسوماً لأوَّلهِمْ
- وراثةً ورِثوها عَنْ أبٍ فأبِ
قصيدة ما في المقام لذي عقل وذي أدب
يقول الإمام الشافعي رحمه الله:
ما في المقامِ لذي عقلٍ وذي أدبِ
- مِنْ رَاحَة ٍ فَدعِ الأَوْطَانَ واغْتَرِبِ
سافر تجد عوضاً عمَّن تفارقهُ
- وَانْصِبْ فَإنَّ لَذِيذَ الْعَيْشِ فِي النَّصَبِ
إني رأيتُ وقوفَ الماء يفسدهُ
- إِنْ سَاحَ طَابَ وَإنْ لَمْ يَجْرِ لَمْ يَطِبِ
والأسدُ لولا فراقُ الأرض ما افترست
- والسَّهمُ لولا فراقُ القوسِ لم يصب
والشمس لو وقفت في الفلكِ دائمةً
- لَمَلَّهَا النَّاسُ مِنْ عُجْمٍ وَمِنَ عَرَبِ
والتَّبْرَ كالتُّرْبَ مُلقَىً في أَمَاكِنِهِ
- والعودُ في أرضه نوعً من الحطب
فإن تغرَّب هذا عزَّ مطلبهُ
- وإنْ تَغَرَّبَ ذَاكَ عَزَّ كالذَّهَبِ
قصيدة بأبي الشموس الجانحات غواربا
يقول المتنبي :
بأبي الشُّموسُ الجانِحاتُ غَوارِبَا
- اللاّبِساتُ مِنَ الحَريرِ جَلابِبَا
المُنْهِباتُ عُقُولَنَا وقُلُوبَنَا
- وجَناتِهِنّ النّاهِباتِ النّاهِبَا
النّاعِماتُ القاتِلاتُ المُحْيِيَا
- تُ المُبْدِياتُ مِنَ الدّلالِ غَرائِبَا
حاوَلْنَ تَفْدِيَتي وخِفْنَ مُراقِبًا
- فوَضَعْنَ أيدِيَهُنّ فوْقَ تَرَائِبَا
وبَسَمْنَ عَنْ بَرَدٍ خَشيتُ أُذِيبُهُ
- من حَرّ أنْفاسي فكُنْتُ الذّائِبَا
يا حَبّذا المُتَحَمّلُونَ وحَبّذا
- وَادٍ لَثَمْتُ بهِ الغَزالَةَ كاعِبَا
كَيفَ الرّجاءُ منَ الخُطوبِ تخَلُّصاً
- منْ بَعْدِ ما أنْشَبنَ فيّ مَخالِبَا
أوْحَدْنَني وَوَجَدْنَ حُزْناً واحداً
- مُتَناهِياً فجَعَلْنَهُ لي صاحِبَا
ونَصَبْنَني غَرَضَ الرّماةِ تُصِيبُني
- مِحَنٌ أحَدُّ منَ السّيوفِ مَضارِبَا
أظْمَتْنيَ الدّنْيا فَلَمّا جِئْتُهَا
- مُسْتَسْقِياً مَطَرَتْ عليّ مَصائِبَا
وحُبِيتُ من خُوصِ الرّكابِ بأسوَدٍ
- من دارِشٍ فغَدَوْتُ أمشي راكِبَا
حالٌ متى عَلِمَ ابنُ مَنصورٍ بهَا
- جاءَ الزّمانُ إليّ مِنْها تَائِبَا
مَلِكٌ سِنَانُ قَنَاتِهِ وبَنَانُهُ
- يَتَبَارَيانِ دَماً وعُرْفاً سَاكِبَا
يَستَصْغِرُ الخَطَرَ الكَبيرَ لوَفْدِهِ
- ويَظُنّ دِجْلَةَ ليسَ تكفي شارِبَا
كَرَماً فلَوْ حَدّثْتَهُ عن نَفْسِهِ
- بعَظيمِ ما صَنَعَتْ لظَنّكَ كاذِبَا
سَلْ عَن شَجاعَتِهِ وزُرْهُ مُسالماً
- وَحَذارِ ثمّ حَذارِ مِنهُ مُحارِبَا
فالمَوْتُ تُعرَفُ بالصّفاتِ طِبَاعُهُ
- لم تَلْقَ خَلْقاً ذاقَ مَوْتاً آئِبَا
إنْ تَلْقَهُ لا تَلْقَ إلاّ قسطلاً
- أوْجحفلاً أو طاعِناً أو ضارِبَا
أو هارِباً أو طالِباً أو راغِباً
- أو راهِباً أو هالِكاً أو نادِبَا
وإذا نَظَرْتَ إلى الجِبَالِ رَأيْتَهَا
- فوْقَ السّهُولِ عَواسِلاً وقَواضِبَا
وإذا نَظَرْتَ إلى السّهُولِ رَأيْتَها
- تَحْتَ الجِبالِ فَوارِساً وجَنَائِبَا
وعَجاجَةً تَرَكَ الحَديدُ سَوادَها
- زِنْجاً تَبَسّمُ أوْ قَذالاً شَائِبَا
فكأنّمَا كُسِيَ النّهارُ بها دُجَى
- لَيْلٍ وأطْلَعَتِ الرّماحُ كَواكِبَا
قد عَسكَرَتْ مَعَها الرّزايا عَسكَراً
- وتَكَتّبَتْ فيها الرّجالُ كَتائِبَا
أُسُدٌ فَرائِسُها الأسُودُ يَقُودُها
- أسَدٌ تَصِيرُ لَهُ الأسُودُ ثَعالِبَا
في رُتْبَةٍ حَجَبَ الوَرَى عَن نَيْلِها
- وعَلا فَسَمَّوهُ عَلِيَّ الحاجِبَا
ودَعَوْهُ من فَرْطِ السّخاءِ مُبَذّراً
- ودَعَوْهُ من غصْبِ النّفوسِ الغاصِبَا
هذا الذي أفنى النُّضارَ مَواهِباً
- وعداة قَتْلاً والزّمانَ تَجَارِبَا
ومُخَيِّبُ العُذّالِ مِمّا أمّلُوا
- مِنْهُ ولَيسَ يَرُدّ كَفّاً خائِبَا
هذا الذي أبصَرْتُ منهُ حاضِراً
- مِثْلَ الذي أبْصَرْتُ مِنْهُ غائِبَا
كالبَدْرِ من حَيثُ التَفَتَّ رَأيْتَهُ
- يُهْدي إلى عَيْنَيْكَ نُوراً ثاقِبَا
كالبَحْرِ يَقذِفُ للقَريبِ جَواهِراً
- جُوداً ويَبْعَثُ للبَعيدِ سَحائِبَا
كالشّمسِ في كَبِدِ السّماءِ وضَوْؤها
- يَغْشَى البِلادَ مَشارِقاً ومَغارِبَا
أمُهَجِّنَ الكُرَماءِ والمُزْري بهِمْ
- وتَرُوكَ كلِّ كريمِ قوْمٍ عاتِبَا
شادوا مَناقِبَهُمْ وشِدْتَ مَنَاقِباً
- وُجِدَتْ مَناقِبُهُمْ بهِنّ مَثَالِبَا
لَبّيْكَ غَيظَ الحاسِدينَ الرّاتِبَا
- إنّا لَنَخْبُرُ من يَدَيْكَ عَجَائِبَا
تَدبيرَ ذي حُنَكٍ يُفَكّرُ في غَدٍ
- وهُجُومَ غِرٍّ لا يَخافُ عَواقِبَا
وعَطاءَ مالٍ لوْ عَداهُ طالِبٌ
- أنْفَقْتَهُ في أنْ تُلاقيَ طالِبَا
خُذْ مِنْ ثَنَايَ عَلَيْكَ ما أسْطِيعُهُ
- لا تُلْزِمَنّي في الثّناءِ الواجِبَا
فلَقَدْ دَهِشْتُ لِما فَعَلْتَ ودونَهُ
- ما يُدهِشُ المَلَكَ الحَفيظَ الكاتِبَا
قصيدة خطب ألم فأذهب الأخ والأبا
يقول الشاعر لسان الدين الخطيب :
خَطْبٌ أَلَمَّ فَأَذْهَبَ الأَخَ وَالأَبَا
- رَغْمَاً لأَنْفٍ شَاءَ ذَلِكَ أَوْ أَبَا
قَدَرٌ جَرَى فِي الخَلْقِ لاَ يَجِدُ امْرُؤٌ
- عَمَّا بِهِ جَرَتِ المَقَادِرُ مَهْرَبا
أهلًا بِمَقْدمِكَ السَّنِّي ومرْحبا
- فلقد حباني اللهُ مِنْك بما حبا
وافيت والدُّنيا عليَّ كأنها
- سَمُّ الخِياط وطِرْفُ صبري قدْ كبا
والدَّهرُ قد كَشَف القِناع فلَمْ يَدَعْ
- لي عُدَّةً للرَّوع إلا أذْهبا
صَرَفَ العِنانَ إليَّ غير منكب
- عنّي وأثْبَتَ دُون ثَغْرتي الشَّبا
خطْبٌ تأوّبني يضيق لهوْلِه
- رَحْبُ الفَضا وتهي لموْقِعهِ الرُّبا
لو كان بالوُرْقِ الصَّوادِحِ في الدجى
- ما بي لَعَاق الوُرْق عنْ أنْ تَنْدُبا
فأنَرَتْ مِنْ ظلْماء نفسي ما دجا
- وقَدَحْتَ مِنْ زِنْدِ اصْطباري ما خَبا
فكأنني لَهَبَ الهجيرُ بمُهْجتي
- في مَهْمَهٍ وبعثتَ لي نَفَس الصَّبا
لا كانَ يوْمُكَ يا طريفُ فطالما
- أطْلَعْت للآمال بَرْقاً خُلَّبا
وَرَمَيْتَ دينَ الله مِنْكَ بفادِح
- عَمَّ البسيطةَ مَشْرِقاً أو مَغْرِبا
وخَصَصْتَني بالرُّزْء والثُكْل الذي
- أوْهى القُوَى منّي وهَدّ المَنْكِبا
لا حُسْن للدُّنيا لديَّ ولا أرَى
- في العَيْشِ بعدَ أبي وصِنْوي مأرَبا
لولا التَّعَلُّلُ بالرّحيل وأننا
- نُنْضي من الأعمال فيها مَرْكَبا
فإذا ركَضْنا للشَّبيبةِ أدْهُما
- جالَ المشيبُ به فأصْبَح أشْهَبا
والمُلْتَقَى كَثَبٌ وفي وِرْدِ الرّدَى
- نَهَلَ الورَى من شاء ذلك أوْ أبى
لَجَرَيْتُ طوْعَ الحُزْنِ دُون نهايةٍ
- وذَهَبْتَ من خَلْعِ التَّصَبُّرِ مَذْهبا
والصّبرُ أولى ما اسْتكانَ لَهُ الفَتَى
- رُغْماً وحَقًّ العبدِ أن يتأدّبا
وإذا اعْتَمَدْتَ الله يوماً مَفْزَعا
- لمْ تُلْف منه سِوى إليه مَهْرَبا
قصيدة لمن طلل هاج الفؤاد المتيما
يقول الشاعر جرير :
لِمَن طَلَلٌ هاجَ الفُؤادَ المُتَيَّما
- وَهَمَّ بِسَلمانينَ أَن يَتَكَلَّما
أَمَنزِلَتي هِندٍ بِناظِرَةَ اسلَما
- وَما راجَعَ العِرفانَ إِلّا تَوَهُّما
وَقَد أَذِنَت هِندٌ حَبيباً لِتَصرِما
- عَلى طولِ ما بَلّى بِهِندٍ وَهَيَّما
وَقَد كانَ مِن شَأنِ الغَوِيِّ ظَعائِنٌ
- رَفَعنَ الكُسا وَالعَبقَرِيَّ المُرَقَّما
كَأَنَّ رُسومَ الدارِ ريشُ حَمامَةٍ
- مَحاها البِلى فَاستَعجَمَت أَن تَكَلَّما
طَوى البَينُ أَسبابَ الوِصالِ وَحاوَلَت
- بِكِنهِلَ أَسبابُ الهَوى أَن تَجَذَّما
كَأَنَّ جِمالَ الحَيِّ سُربِلنَ يانِعاً
- مِنَ الوارِدِ البَطحاءَ مِن نَخلِ مَلهَما
سُقيتِ دَمَ الحَيّاتِ ما بالُ زائِرٍ
- يُلِمُّ فَيُعطى نائِلاً أَن يُكَلَّما
وَعَهدي بِهِندٍ وَالشَبابُ كَأَنَّهُ
- عَسيبٌ نَما في رَيَّةٍ فَتَقَوَّما
بِهِندٍ وَهِندٌ هَمُّهُ غَيرَ أَنَّها
- تَرى البُخلَ وَالعِلّاتِ في الوَعدِ مَغنَما
لَقَد عَلِقَت بِالنَفسِ مِنها عَلائِقٌ
- أَبَت طولَ هَذا الدَهرِ أَن تَتَصَرَّما
دَعَتكَ لَها أَسبابُ طولِ بَلِيَّةٍ
- وَوَجدٌ بِها هاجَ الحَديثَ المُكَتَّما
عَلى حينِ أَن وَلّى الشَبابُ لِشَأنِهِ
- وَأَصبَحَ بِالشَيبِ المُحيلِ تَعَمَّما
أَلا لَيتَ هَذا الجَهلَ عَنّا تَصَرَّما
- وَأَحدَثَ حِلماً قَلبُهُ فَتَحَلَّما
أُنيخَت رِكابي بِالأَحِزَّةِ بَعدَما
- خَبَطنَ بِحَورانَ السَريحَ المُخَدَّما
وَأُدني وِسادي مِن ذِراعِ شِمِلَّةٍ
- وَأَترُكُ عاجاً قَد عَلِمتِ وَمِعصَما
وَعاوٍ عَوى مِن غَيرِ شَيءٍ رَمَيتُهُ
- بِقارِعَةٍ أَنفاذُها تَقطُرُ الدَما
وَإِنّي لَقَوّالٌ لِكُلِّ غَريبَةٍ
- وَرودٍ إِذا الساري بِلَيلٍ تَرَنَّما
خَروجٍ بِأَفواهِ الرُواةِ كَأَنَّها
- قَرا هُندُوانِيٍّ إِذا هُزَّ صَمَّما
فَإِنّي لَهاجيهِم بِكُلِّ غَريبَةٍ
- شَرودٍ إِذا الساري بِلَيلٍ تَرَنَّما
غَرائِبَ أُلّافاً إِذا حانَ وِردُها
- أَخَذنَ طَريقاً لِلقَصائِدِ مَعلَما
لَعَمري لَقَد جارى دَعِيُّ مُجاشِعٍ
- عَذوماً عَلى طولِ المُجاراةِ مِرجَما
وَلاقَيتَ مِنّا مِثلَ غايَةِ داحِسٍ
- وَمَوقِفِهِ فَاِستَأخِرَن أَو تَقَدَّما
فَإِنّي لَهاجيكُم وَإِنّي لَراغِبٌ
- بأحسابنا فَضلاً بِنا وَتَكَرُّما
سَأَذكُرُ مِنكُم كُلَّ مُنتَخَبِ القُوى
- مِنَ الخورِ لا يَرعى حِفاظاً وَلا حِمى
فَأَينَ بَنو القَعقاعِ عَن ذَودِ فَرتَنى
- وَعَن أَصلِ ذاكَ القِنِّ أَن يَتَقَسَّما
فَتُؤخَذَ مِن عِندِ البَعيثِ ضَريبَةٌ
- وَيُترَكَ نَسّاجاً بِدارينَ مُسلَما
يَبينُ إِذا أَلقى العِمامَةَ لُؤمُهُ
- وَتَعرِفُ وَجهَ العَبدِ حينَ تَعَمَّما
فَهَلّا سَأَلتَ الناسَ إِن كُنتَ جاهِلاً
- بِأَيّامِنا يا اِبنَ الضَروطِ فَتَعلَما
وَرِثنا ذُرى عِزٍّ وَتَلقى طَريقَنا
- إِلى المَجدِ عادِيَّ المَوارِدِ مَعلَما
وَما كانَ ذو شَغبٍ يُمارِسُ عيصَنا
- فَيَنظُرَ في كَفَّيهِ إِلّا تَنَدَّما
سَأَحمَدُ يَربوعاً عَلى أَنَّ وِردَها
- إِذا ذيدَ لَم يُحبَس وَإِن ذادَ حَكَّما
مَصاليتُ يَومَ الرَوعِ تَلقى عَصِيَّنا
- سُرَيجِيَّةً يَخلينَ ساقاً وَمِعصَما
وَإِنّا لَقَوّالونَ لِلخَيلِ أَقدِمي
- إِذا لَم يَجِد وَغلُ الفَوارِسِ مُقدَما
وَمِنّا الَّذي ناجى فَلَم يُخزِ قَومَهُ
- بِأَمرٍ قَوِيٍّ مُحرِزاً وَالمُثَلَّما
وَيَومَ أَبي قابوسَ لَم نُعطِهِ المُنى
- ولكن صَدَعنا البيضَ حَتّى تَهَزَّما
وَقَد أَثكَلَت أُمَّ البَحيرَينِ خَيلُنا
- بِوِردٍ إِذا ما اِستَعلَنَ الرَوعُ سَوَّما
وَقالَت بَنو شَيبانَ بِالصَمدِ إِذ لَقوا
- فَوارِسَنا يَنعَونَ قَيلاً وَأَيهَما
أَشَيبانَ لَو كانَ القِتالُ صَبَرتُمُ
- ولكنّ سَفعاً مِن حَريقٍ تَضَرَّما
وَعَضَّ اِبنَ ذي الجَدَّينِ حَولَ بُيوتِنا
- سَلاسِلُهُ وَالقِدُّ حَولاً مُجَرَّما
إِذا عُدَّ فَضلُ السَعيِ مِنّا وَمِنهُمُ
- فَضَلنا بَني رَغوانَ بُؤسى وَأَنعُما
أَلَم تَرَ عَوفاً لا تَزالُ كِلابُهُ
- تَجُرُّ بِأَكماعِ السِباقَينِ أَلحُما
وَقَد لَبِسَت بَعدَ الزُبَيرِ مُجاشِعٌ
- ثِيابَ الَّتي حاضَت وَلَم تَغسِلِ الدَما
وَقَد عَلِمَ الجيرانُ أَنَّ مُجاشِعاً
- فُروخُ البَغايا لا يَرى الجارَ مَحرَما
وَلَو عَلِقَت حَبلَ الزُبَيرِ حِبالُنا
- لَكانَ كَناجٍ في عَطالَةَ أَعصَما
أَلَم تَرَ أَولادَ القُيونِ مُجاشِعاً
- يَمُدّونَ ثَدياً عِندَ عَوفٍ مُصَرَّما
فَلَمّا قَضى عَوفٌ أَشَطَّ عَلَيكُمُ
- فَأَقسَمتُمُ لا تَفعَلونَ وَأَقسَما
أَبَعدَ اِبنِ ذَيّالٍ تَقولُ مُجاشِعاً
- وَأَصحابَ عَوفٍ يُحسِنونَ التَكَلُّما
فَأُبتُم خَزايا وَالخَزيرُ قِراكُمُ
- وَباتَ الصَدى يَدعو عِقالاً وَضَمضَما
وَتَغضَبُ مِن شَأنِ القُيونِ مُجاشِعٌ
- وَما كانَ ذِكرُ القَينِ سِرّاً مُكَتَّما
وَلاقَيتَ مِنّي مِثلَ غايَةِ داحِسٍ
- وَمَوقِفِهِ فَاستَأخِرَن أَو تَقَدَّما
لَقَد وَجَدَت بِالقَينِ خورُ مُجاشِعٍ
- كَوَجدِ النَصارى بِالمَسيحِ اِبنِ مَريَما