إثبات وجود الله علمياً
الإثبات العلمي لوجود الله تعالى
أثبتت كثير من الكشوفات العلميَّة المعاصرة كثيراً من الحقائق العلميَّة التي أمكن جعلها أدلَّةً على وجود الخالق ، وعلى أنَّ هذا الكون له بدايةٌ، فهو حادثٌ، ولا بدَّ له من محدثٍ، وهو الخالق -جلَّ وعلا-، ومن هذه الحقائق العلميَّة ما يأتي:
دليل الخلق والإيجاد
ويمكن أن يسمى دليل الإبداع، أو دليل الاختراع، وهو قائم على فكرتين هما:
- إن كل الموجودات في هذا الكون الفسيح مهما صغرت أو كبرت، لا بد أن تكون مخترعةً ومحدثةً.
- إنَّ هذه المخترعات تدلُّ على وجود مُخترِعِ، فهذا الكون بسمائه، وأرضه، وبما فيه من موجوداتٍ، لا بدَّ أن يكون لها مخترعٌ وموجِدُ، قال الله -تعالى-: (أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ* أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بَل لَّا يُوقِنُونَ* أَمْ عِندَهُمْ خَزَائِنُ رَبِّكَ أَمْ هُمُ الْمُصَيْطِرُونَ).
دليل الفطرة
إنَّ الله -تعالى- خلق في نفس البشر وفطرتهم أنَّ خالقهم موجودٌ، وأنَّهم موجودين بفعل خالقٍ عظيمٍ، وهذا الدَّليل الفطريُّ يلحُّ في نفس كلِّ إنسانٍ حتى يجعله يؤمن بوجود الله -تعالى- ولو قبل الموت بقليل، قال الله -تعالى-: (وَإِذ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَني آدَمَ مِن ظُهورِهِم ذُرِّيَّتَهُم وَأَشهَدَهُم عَلى أَنفُسِهِم أَلَستُ بِرَبِّكُم قالوا بَلى شَهِدنا أَن تَقولوا يَومَ القِيامَةِ إِنّا كُنّا عَن هـذا غافِلينَ).
وقد أوضح رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ذلك فقال: (مَا مِنْ مَوْلُودٍ إِلَّا يُولَدُ عَلَى الفِطْرَةِ، فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ أَوْ يُنَصِّرَانِهِ، أَوْ يُمَجِّسَانِهِ، كَمَا تُنْتَجُ البَهِيمَةُ بَهِيمَةً جَمْعَاءَ، هَلْ تُحِسُّونَ فِيهَا مِنْ جَدْعَاءَ) .
دليل الإتقان
يمكن تسميته بمسمياتٍ أخرى؛ كدليل التَّدبير، أو دليل الإحكام؛ وهو قائمٌ على الاستدلال بالنَّظرالعقليِّ كما يراه ابن رشد، حيث يرى أنَّ الأشياء جوهر وعرض؛ فالجوهر هو المادَّة، والعرض هو الصِّفة المتجدِّدة فيها، ومثال ذلك: النبات والحياة، فالنبات جوهر، وحياة النبات عرض، ومن أجل أن تدوم حياة النبات فلا بدَّ لهذا الجوهر من عرض دائم.
وهذا التجديد لهذا العرض، هو أشبه بالخلق الجديد، والخلق يحتاج إلى خالق، فلا بدّ من الخالق، قال الله -تعالى-: (وَهُوَ الَّذِي أَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ إِنَّ الْإِنسَانَ لَكَفُورٌ)، ولدليل الإتقان العديد من الصور التي تبين أن هذا الكون المتقن الصنع دالّ على وجود خالق، ومن هذه الصور: .
الأصل الواحد للكون
دلَّت الاكتشافات العلميَّة الجديدة على أن السَّماوات والأرض كانتا قطعةً واحدةً ، ثمَّ حدث بعد ذلك انفصالٌ بينهما، فانفصلت السَّماء عن الأرض، فأصبح كلُّ كوكبٍ منهما على حدى، وهذا الشَّيء ذكره القرآن الكريم منذ أربعة عشر قرناً.
فقد ذكر الله -تعالى- من آياته أنَّه فصل السَّموات عن الأرض، ومن أمثلة ذلك أنَّ القمر كان يوماً ما متَّحداً مع الأرض، فانفصل عنه، قال الله -تعالى-: (أَوَلَم يَرَ الَّذينَ كَفَروا أَنَّ السَّماواتِ وَالأَرضَ كانَتا رَتقًا فَفَتَقناهُما وَجَعَلنا مِنَ الماءِ كُلَّ شَيءٍ حَيٍّ أَفَلا يُؤمِنونَ).
نبات مختلف بماء واحد
قال الله -تعالى: (وَفِي الأَرضِ قِطَعٌ مُتَجاوِراتٌ وَجَنّاتٌ مِن أَعنابٍ وَزَرعٌ وَنَخيلٌ صِنوانٌ وَغَيرُ صِنوانٍ يُسقى بِماءٍ واحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعضَها عَلى بَعضٍ فِي الأُكُلِ)؛ تتحدَّث الآية عن قطعٍ من الأرض متجاورة، تنبت فيها النباتات نفسها، وتسقى من الماء نفسه، وما هو سبب اختلاف الطعم؟
والجواب العلمي: إن التربة تختلف في نوعها؛ فمنها الرملية والطينية وغير ذلك، كما أنَّ العناصر العضوية التي تغذّي هذا النَّبات تتكون من مواد معدنيَّة، أو عضويَّة، أو بكتيريَّة مختلفة، ومن أجل ذلك يختلف الطَّعم، رغم أنَّه ينبت في قطعٍ متجاورةٍ، ويسقى من ماءٍ واحدٍ.
اختلاف الصخور وألوانها
قال الله -تعالى-: (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّـهَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُّخْتَلِفًا أَلْوَانُهَا وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ)، و معنى غرابيب: شديد السّواد، ومعنى جُدَد: أي الطرق، جمع جُدّة؛ وهي الطريق.
وتشير الآية الكريمة إلى أن الماء يتدخل في تلوين الجبال، حتى تجد الأبيض والأسود والأحمر، وهذا الذي ذكره القرآن الكريم قد أثبته العلم، وتفسير ذلك؛ أنَّ الجبال تتلوَّن بما تحويه من المعادن، وينتج هذا اللّون نتيجة تفاعل عدَّة عواملٍ منها الأكسدة، وهي تنتج عن طريق الماء.
دوران الأرض
قال الله -تعالى-: (خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ وَيُكَوِّرُ النَّهَارَ عَلَى اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُّسَمًّى أَلَا هُوَ الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ)، في هذه الآية إشارةٌ إلى أنَّ الأرض كرويَّة، في حين أنَّ النَّاس توارثوا لسنواتٍ طويلةٍ بأن الأرض مسطحةٌ.
وساد هذا الاعتقاد طويلاً، والتَّكوير الذي ذكرته الآية وصف به اللّيل؛ ولكن هذا يتضمَّن القول بكروية الأرض، وهذا التكوير يتضمَّن أنَّ الَّليل والنَّهار عندما يتكوران يتبادلان المكان، وهذا التبادل فيه إشارة ضمنيَّةٌ على الدَّوران.
تعاقب الليل والنهار
قال الله -تعالى-: (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِّأُولِي الْأَلْبَابِ)، تتوافق الآية الكريمة مع الحقائق العلميَّة التي تقول بأنَّ الَّليل والنَّهار يتعاقبان، ويختلف طول كلُّ واحدٍ منهما على مدار السَّنة، بحيث يزيد طول الَّليل على النَّهار تارةً، وتارةً أخرى يزيد طول النَّهار عليه.
ومرجع هذا الاختلاف إلى دوران الأرض حول الشَّمس، وحول محورها المائل بمقدار 23.5 درجة، نتيجة ذلك يختلف تعامد الشَّمس على الأرض، ممَّا يسبِّب اختلاف طول اللّيل أو طول النَّهار في السَّنة.
خلق الإنسان بأحسن تقويم
لقد خلق الله -تعالى- الكون ليكون مسخّرا للإنسان، وهو واضح تماماً، فقد خلق الله الكون متلائما مع طبيعة خلق الإنسان، حتى الكواكب الضخمة في السماء، قال الله -تعالى-: (وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمسَ وَالقَمَرَ دائِبَينِ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيلَ وَالنَّهارَ). وجسم الإنسان نفسه -أيضا- مسخَّر لخدمته، قال الله -تعالى-: (وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ)، فلو نظرنا إلى الإعجاز في أنفسنا؛ لوجدنا أنَّ خلقتنا مسخَّرةٌ لخدمتنا من أجل عبادة الله .
مراحل تطور الجنين
قال الله -تعالى-: (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن سُلَالَةٍ مِّن طِينٍ* ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَّكِينٍ* ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّـهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ) .
تبيِّن الآية الكريمة مراحل خلق الجنين وتطوّره في رحم الأمِّ؛ وهي النُّطفة، ثمَّ العَلَقَة، ثمَّ المضغة، ثمَّ العظام، ثمَّ بعد ذلك نفخ الروح، وقد أثبتت الصور الفتوغرافية للجنين هذا التَّطور مرحلةً مرحلةً كما ذكرها القرآن الكريم.
النطفة والوراثة
قال الله -تعالى-: (أَيَحْسَبُ الْإِنسَانُ أَن يُتْرَكَ سُدًى* أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِّن مَّنِيٍّ يُمْنَى* ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى* فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنثَى)، يبيِّن الله -تعالى- في هذه الآية الكريمة كيفيَّة خلق الجنين، وأنَّ أصله من مني الرَّجل.
ثمَّ يمرّ بمرحلة العلقة، وهي أشبه بالدم المتعلق بجدار الرحم، ثمَّ بعد ذلك بيّن أنَّه يبدأ بالتَّمايز بين الذكورة والأنوثة، ثمَّ قرَّر أنَّ الذُّكورة والأنوثة مرجعها إلى المني الذي نزل من الرَّجل، وأنَّ مني الرَّجل هو المسؤول عن جنس الجنين، وأن الشِّيفرة الوراثيَّة وهي التي تحمل صفات الجنين عائدةٌ إلى هذا المني.