واجبات المؤمن تجاه خالقه
واجبات المؤمن تجاه خالقه
أوجب الله على عباده حقوقاً تتمثّل بعبادتهم له بإخلاص، والعبادة تشمل كلّ ما يحبه الله -تعالى- من الأقوال والأفعال الظاهرة والباطنة، وقد روى معاذ بن جبل -رضي الله عنه- عن رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- أنّه قال: (يا مُعاذُ أتَدْرِي ما حَقُّ اللَّهِ علَى العِبادِ؟، قالَ: اللَّهُ ورَسولُهُ أعْلَمُ، قالَ: أنْ يَعْبُدُوهُ ولا يُشْرِكُوا به شيئًا، أتَدْرِي ما حَقُّهُمْ عليه؟، قالَ: اللَّهُ ورَسولُهُ أعْلَمُ، قالَ: أنْ لا يُعَذِّبَهُمْ)، ومن هذه الواجبات:
تقديم محبة الله وسوله على كل ما سواهما
ذمّ الله -سبحانه وتعالى- مَن يكره ما أحبّ الله ورسوله، ومَن يحبّ ما كره الله ورسوله، فقال -تعالى-: (ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللَّـهَ وَكَرِهُوا رِضْوَانَهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ)، فالمسلم المريد خيري الدنيا والآخرة يسخّر محبّته لِما يحبّه الله ورسوله، ويُبغض ما أبغضه الله ورسوله.
ويتحقّق ذلك حين تكون محبة الله ورسوله -صلّى الله عليه وسلّم- مقدّمة على ما سواها من المحابّ، ولو كانت المحبة للأم والأب والولد، ولذلك قال رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-: (لا يُؤْمِنُ أحَدُكُمْ حتَّى أكُونَ أحَبَّ إلَيْهِ مِن ولَدِهِ ووالِدِهِ والنَّاسِ أجْمَعِينَ).
وقال -تعالى-: (قُل إِن كانَ آباؤُكُم وَأَبناؤُكُم وَإِخوانُكُم وَأَزواجُكُم وَعَشيرَتُكُم وَأَموالٌ اقتَرَفتُموها وَتِجارَةٌ تَخشَونَ كَسادَها وَمَساكِنُ تَرضَونَها أَحَبَّ إِلَيكُم مِنَ اللَّـهِ وَرَسولِهِ وَجِهادٍ في سَبيلِهِ فَتَرَبَّصوا حَتّى يَأتِيَ اللَّـهُ بِأَمرِهِ وَاللَّـهُ لا يَهدِي القَومَ الفاسِقينَ)، فالمعاصي منشؤها اتّباع الهوى، وتقديم محبة النّفس على محبة الله.
أداء الفروض المكتوبة عليه
قرن الله الصدق في محبّته بطاعته ، وجعلها شرطاً يدلّ على المحبة، وتتمثّل الطاعة من خلال امتثال أمر الله بالقيام فيما فرضه على عباده؛ من توحيده، وإخلاص العبادة له، والمحافظة على الصّلاة، وأداء الزكاة، وغيرها من الفرائض، قال -تعالى-: (قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّـهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّـهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّـهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ)، وأوجب -سبحانه- ذلك على جميع المكلّفين من عباده؛ ذكوراً وإناثاً.
اجتناب المعاصي والابتعاد عن أسبابها
يحرص المسلم على امتثال أمر الله بالقيام بالطاعات، واجتناب المعاصي وترك شهوات النّفس، وذلك لا يقدر عليه إلّا عباد الله الصادقين الذين يسخّرون ما أنعم الله عليهم في مرضاته، ذلك أنّهم يعلمون أنّها أمانة عندهم، وأنّها ستشهد عليهم يوم القيامة عند خالقهم.
قال -تعالى-: (يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ)، أما مَن ظلم نفسه بارتكاب ما حرّم الله فعليه أن يُسارع في الرجوع إلى الله بالتوبة والاستغفار. ليكون بذلك ممّن قال فيهم -تعالى-: (وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّـهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّـهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَىٰ مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ).
وقد روى عبد الله بن عباس عن النبيّ -صلى الله عليه وسلم- قال: (ما من عبدٍ مؤمِنٍ إلَّا وله ذنبٌ، يعتادُهُ الفينَةَ بعدَ الفينَةِ، أوْ ذنبٌ هو مقيمٌ عليه لا يفارِقُهُ، حتى يفارِقَ الدنيا، إِنَّ المؤمِنَ خُلِقَ مُفَتَّنًا، توَّابًا، نَسِيًّا، إذا ذُكِّرَ ذكَرَ).
تقدير النعمة وشكرها
أنعم الله على عباده بِنِعَم عظيمة لا يمكن عدّها، وأعظم هذه النّعم نعمة الإسلام، ويؤدي العبد حقّ هذه النّعم بدوام الحمد والشكر لخالقه عليها، قال -تعالى-: (فَلِلَّـهِ الْحَمْدُ رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَرَبِّ الْأَرْضِ رَبِّ الْعَالَمِينَ).
ويتحقّق الحمد من خلال القلب بالاعتراف بالنّعمة ومعرفة فضل الله على عبده حين أنعم عليه، وأنّه وحده -سبحانه- المُنعم المُتفضّل على عباده، وباللّسان من خلال الاعتراف نُطقاً بهذه النّعم على سبيل الثناء على الله بها، بعيداً عن التكبر، وبالجوارح من خلال توجيهها في طاعة الله في كل زمان ومكان.
الدعوة إلى دين الله ونشره
جعل -سبحانه وتعالى- مهمّة القيام بالدعوة إلى الإسلام والحثّ على مكارم الأخلاق أمانة على المسلمين، فعليهم أن يؤدّوها بصدقٍ ووعي، فهم أهل الدعوة، وليس بالضرورة أن يتحقّق ذلك من خلال الكلام؛ بل بالالتزام بأخلاق الإسلام، والسيرة الطيبة بين الخلق.
وكذلك بالتعامل مع غير المسلمين وفق تعاليم الإسلام بأقوالهم وأفعالهم، وذلك الأمر مهم لكل مسلم سواء الدعاة أو عوامّ المسلمين أو الحاكم وولي أمر كلّ بحسب موقعه وقدرته، لقول الله -تعالى-: (وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُولَـٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ).