هل يشعر الإنسان باقتراب أجله
هل يشعر الإنسان باقتراب أجله؟
إنّ أجل الإنسان من الأمور الغيبية التي استأثر الله -تعالى- العلم بها، وما يشعر به الإنسان من اقتراب موته، يكون تفسيره على عدّة أحوال؛ فإمّا أن يكون شعوراً لما سيحدث قريباً من موت الشخص في الحقيقة، وهذا الأمر لا يكون إلّا مع بعض الأشخاص، وإمّا أن يكون لخوف الإنسان من الموت وكثرة تفكيره به وبما بعده من أهوالٍ، وتخويف الشيطان له.
تأتي على الإنسان حالات مرضية وإصابات خطيرة، فتكون لشدّتها يشعر الإنسان أنّها ستكون القاضية، فيشعر بقرب موته منه، ولكن هذا الأمر بيد الله -تعالى- فالله وحده القادر على الشفاء من كل داء، فتذهب كل الأوهام والمخاوف في طريقها بإذن الله -تعالى-.
وما يُصيب بعض الناس من شعورهم باقتراب أجلهم طيلة وقتهم فهذا أمرٌ قد يكون مرضيّ، ووسوسة من الشيطان فعلى الإنسان التذكّر دائماً بأنّ هذا الأمر بعلم الله -تعالى- وحده، ويسعى على أن يعيش حياته بطريقةٍ تؤدي إلى العمران والإنجاز، ففكرة الموت يجب أن تكون دافعاً له لعمارة الأرض و العمل الصالح ، لا أن ينقلب به إلى الخوف.
والموت أمرٌ آتٍ بالحتم على كلّ إنسانٍ، لكن هناك مَن يكون هذا دافعاً له، ومنهم من تتغلّب عليه وساوس الشيطان، وما على الإنسان هنا إلّا أن يبتعد عن هذه المخاوف بأن يعيش حياةً اجتماعيةً صحيّة، فيملأ حياته بالروابط الاجتماعيّة، وأن يحافظ على صلاته وعلى الورد اليومي ، ويكون للصدقة جزءٌ من يومه، وأن يلزم كل ما من شأنه أن يبعث الطمأنينة في نفسه، وأن لا يترك نفسه للتفكير في الموت.
كيفية الاستعداد للموت
سنذكر بعض الأمور التي يكون من خلالها الاستعداد السليم للموت فيما يأتي:
التوبة إلى الله
في بداية الأمر تُعد التوبة إلى الله الخطوة الأولى لكل بدايةٍ، وهي المبدأ الأساس للاستعداد للقاء الله -تعالى- وخير ذلك التوبة النصوح، والتي تكون بعزم الإنسان على دوام عدم العودة على اقتراب ما يغضب الله -تعالى-، وتحقيق التوبة يكون بثلاثة أركانٍ، عزم القلب، واستغفار اللّسان، والابتعاد الفوري عن المعاصي بالجوارح، وقد عدّ العلماء التوبة واجبةً على المسلم فور اقترافه للذنب، والتوبة تُقبل من العبد ما لم يغرغر.
إعادة الحقوق لأصحابها
توبة الإنسان من الذنوب وصدقه في توبته لا تغني له عن سد الحقوق المتعلّقة بالآخرين، فإن كان مُعسراً فيما يتعلّق بالديون الماديّة، فيعقد العزم على سداد ما عليه في حال تيسّر حاله، وفي حالة عدم سداده لما عليه لدوام تعسّر الأمور فيُكفّر الله -تعالى- عنه ويُرضي عنه الدائن.
وفيما يتعلّق بحقوق الآدميين من غيبةٍ، فيترتّب على المسلم إبراء ذمّته وطلب المسامحة إن علم المستغاب بالأمر، وفي حال عدم وصولها لصاحبها، فلا يترتّب على المستغيب في هذه الحالة إلّا الاستغفار والتوبة من التعدّي على الآخرين بالإستغابة والنميمة وما نحو ذلك ممّا يتعلّق بحقوق الآدميين.
الإكثار من الأعمال الصالحة
خير ما يُمكن للإنسان أن يفعله للاستعداد لليوم الآخر هو إكثاره من الأعمال الصالحة بشتّى أنواعها، وفي ذلك حسن توجيهٍ من المسلم لطاقته التي منحه الله -تعالى- وشكر لله -تعالى- على ما رزقه من نعمه الواسعة، عدا عن كون تلك الطريقة هي المثلى في تفريغ الطاقات.
وذلك عوضاً عن استنزاف الطاقة بالتفكير السلبي باقتراب الموت، قال الله -تعالى-: (لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ)، ومَن يُكثر من الصالحات في الحياة الدنيا، يكن له ذلك خير الثواب يوم القيامة، يوم لا ينفع الإنسان ندمٌ ولا حسرةٌ.
وفي قول ضعيف عن عليّ بن أبي طالب -رضيَ الله عنه- يعمل به في فضائل الأعمال: (ألَّا أنَّ للدُّنيا أبناءً وللدِّينِ أبناءً فَكونوا من أبناءِ الدِّينِ ولا تَكونوا من أبناءِ الدُّنيا ألا إنَّ الدُّنيا قدِ ارتحلَت مولِّيةً والآخرةَ قدِ ارتحلَت مُقبلةً ألا وإنَّكم في يومِ عملٍ ليسَ فيهِ حسابٌ ألا وإنَّكم تُوشِكونَ في يومِ حسابٍ وليسَ فيهِ عملٌ).
سؤال الله حسن الخاتمة
لينال المسلم حسن الخاتمة التي يسعى لها كل مسلمٍ، عليه أن يُكثر من العمل الصالح المؤدّي بلا شكٍ إلى حسن الختام، ولا نغفل عن أهمّية الدعاء في ذلك، فيُكثر من الدعاء في أن يُحسن الله -تعالى- ختامه، وبذل كل سببٍ من شانه أن يكون سبباً له في أن يختم حياته بالخير، فمن الأسباب المُعينة للمسلم على أن تكون خاتمته حسنةٌ، ما يأتي:
- الخوف والخشية من سوء الخاتمة
الخوف من سوء الخاتمة زيادةٌ في العمل الصالح، ومن أمِن سوء الخاتمة يمكن أن يكون ذلك سبباً له في قلّة العمل الصالح، وكره الإنسان للمعصية وللأسباب المؤدية لها.
- قصر أمل الإنسان
يبتعد المسلم عن فكرة أن الموت بعيدٌ، فيبقى دائم التفكير بقرب الموت، ويسعى أن يكون على أتمّ الاستعداد للموت ولقاء الله -تعالى-.
- الإكثار من الدعاء
لقد كان رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- يُكثر من الدعاء لحسن الخاتمة والثبات على الدين، وممّا ورد عن أمّ سلمة -رضيَ الله عنها- عن رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- أنّه قال: (يا مُقلِّبَ القلوبِ ثبِّت قلبي على دينِكَ).
إحسان الظن بالله
ويكون ذلك بيقين العبد بربه بأنّه لا يظلم الله -تعالى- أحداً من عبيده، وأنّ الله -تعالى- يقبل توبة عباده ويغفر لهم ذنوبهم عند استغفارهم لِما قد بدر منهم، ففي القنوت من رحمة الله -تعالى- سببٌ في تقاعس العبد عن الإقدام والإكثار من العمل الصالح، وسببٌ للركون إلى المعصية بحجّة أنّ الله -تعالى- لا يُسامح العبد على ما قد بدر منه من خطايا، فتتراكم ذنوب العبد التي قد تكون طريقاً له لسوء الخاتمة -والعياذ بالله-.