ما حكم بر الوالدين
حكم بر الوالدين
وردت في القرآن الكريم مجموعة من الآيات الدالّة على وجوب برّ الوالدين، وعلى الفضل العظيم المتحصّل منه، ومنها قوله -تعالى-: (وَاعْبُدُوا اللَّـهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا)، وقوله -تعالى-: (وَقَضى رَبُّكَ أَلّا تَعبُدوا إِلّا إِيّاهُ وَبِالوالِدَينِ إِحسانًا إِمّا يَبلُغَنَّ عِندَكَ الكِبَرَ أَحَدُهُما أَو كِلاهُما فَلا تَقُل لَهُما أُفٍّ وَلا تَنهَرهُما وَقُل لَهُما قَولًا كَريمًا * وَاخفِض لَهُما جَناحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحمَةِ وَقُل رَبِّ ارحَمهُما كَما رَبَّياني صَغيرًا)، وقوله -عزّ وجلّ-: (وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ)، وعليه فبرّ الوالدين يعدّ واجباً وفرضاً، وقد وردت في السنّة النبوية الشريفة العديد من الأحاديث الدالّة على وجوب برّ الوالدين ، وحرمة عقوقهما، ومنها ما رواه أبو هريرة -رضي الله عنه- عن رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- قال: (رَغِمَ أنْفُ، ثُمَّ رَغِمَ أنْفُ، ثُمَّ رَغِمَ أنْفُ، قيلَ: مَنْ؟ يا رَسولَ اللهِ، قالَ: مَن أدْرَكَ أبَوَيْهِ عِنْدَ الكِبَرِ، أحَدَهُما، أوْ كِلَيْهِما فَلَمْ يَدْخُلِ الجَنَّةَ).
وبرّ الوالدين لا يقتصر على الوالدين المسلمين؛ وإنّما يجب أيضاً للوالدين غير المسلمين ما لم يتعارض برّهما مع طاعة الله -تعالى-، وإن أمرا ابنهما بالشرك أو المعصية فلا طاعة لهما فيما يأمران به؛ لقوله -تعالى-: (لَّا يَنْهَاكُمُ اللَّـهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّـهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ)، ويتضمّن البرّ بالوالدين أن يقول لهما الولد كلاماً ليّناً ويرفق بهما، ويظهر حبّه لهما، ويبتعد عن الكلام القاسي الذي يؤدّي لنفرتهما منه، ويحرص على أن يناديهما بما يحبّانه من الأسماء، ويتحدّث معهما بما يكون نافعاً لهما في دنياهم وآخرتهم، ولا يقابلهما بالملل والتأفّف، ولا يضيق منهما أو يرفع صوته عندهما، وإنّما يتحدّث معهما بالحديث الكريم الليّن، وذلك فرض عين على كلّ ابن.
فضل بر الوالدين
لبرّ الوالدين فضائل عديدة، وفيما يأتي بيان لها على وجه التفصيل:
- يعدّ برّ الوالدين أقرب ما يوصل المسلم إلى الجنّة ؛ لما ورد عن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه-، قال لرسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-: (يا نَبِيَّ اللهِ، أيُّ الأعْمالِ أقْرَبُ إلى الجَنَّةِ؟ قالَ: الصَّلاةُ علَى مَواقِيتِها قُلتُ: وماذا يا نَبِيَّ اللهِ؟ قالَ: برُّ الوالِدَيْنِ. قُلتُ: وماذا يا نَبِيَّ اللهِ؟ قالَ: الجِهادُ في سَبيلِ اللَّهِ).
- يسبّب برّ الوالدين رضى الله -تعالى-، ويعدّ أفضل من التطوّع في الجهاد في سبيل الله -تعالى-؛ فقد قال رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- للرجل الذي جاء يستأذنه في الجهاد: (أَحَيٌّ وَالِدَاكَ؟ قالَ: نَعَمْ، قالَ: فَفِيهِما فَجَاهِدْ)، وقد قال ابن حجر -رحمه الله- في ذلك الحديث أنّ فيه ذكراً لفضل برّ الوالدين، وووجوب تعظيم حقّهما، والثواب المتحصّل من برّهما.
- يرفع برّ الوالدين المصائب والكرب بعد حدوثها، وذلك يعود لكون الابن البار بوالديه مستجاب الدعاء ؛ فقد ورد عن رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- حديثاً أخبر فيه أنّ برّ الوالدين سبب من أسباب رفع البلاء وتفريج الهمّ والخروج من المشاكل وذلك الحديث هو حديث النفر الثلاثة الذين أغلقت عليهم صخرة في غار، وكانوا قد دعوا الله -تعالى- بأفضل أعمالهم، وكان قد دعا أحدهم ببرّه لوالديه؛ ففرّج الله -تعالى- عنهم بذلك.
- التقرّب إلى الله -تعالى- وطلب جنّته؛ فهو أعظم ما يتقرّب به المسلم إلى الله -تعالى-، كما أنّ الله -تعالى- جمع بين الإيمان به وبين البرّ بالوالدين في كثير من آيات القرآن الكريم، وفي ذلك دلالة على عظيم فضل الوالدين على أبنائهما؛ فقد كانا سبباً في وجودهم بعد إرادة الله -تعالى-، وكلّ ما وصل إليه الأبناء كان بسبب ما بذلاه من جهد حتى كبروا.
تعريف بر الوالدين
قال -تعالى-: (وَقَضى رَبُّكَ أَلّا تَعبُدوا إِلّا إِيّاهُ وَبِالوالِدَينِ إِحسانًا)، والمقصود ببرّ الوالدين؛ طاعتهما فيما يرضي الله -تعالى- وصلتهما، وتجنّب عقوقهما، والحرص على الإحسان إليهما، وقد ربط الله -تعالى- شكر الوالدين بشكره -عزّ وجلّ-؛ فقال: (أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ)؛ فالشكر لله -تعالى- يكون على ما أنعم به من الإيمان على العبد، والشكر للوالدين يكون على ما قدّموه من تربية للولد.