موضوع تعبير عن قدرة الله سبحانه وتعالى
المقدمة: قدرةُ الله إثباتُ ربوبيّة
إن الناظر في هذا الكون باتساعه وجماله يدرك عظمة الخالق سبحانه وتعالى، فالتأمل عبادة لأنها تنمي وعي المخلوق بخالقه ومعرفته له، فمهما كان مستوى الإنسان الفكري أو الاجتماعي يستطيع أن يتحسّس دقّة الخالق وإبداعه في كلّ مكان، فهذا الأعرابي في الصّحراء يدرك وجود الله فيقول: "ا لأثر يدل على المسير، والبَعْرَة تدل على البعير، فسماء ذات أبراجٍ وأرض ٌ ذات فجاج وبحارٌ ذات أمواج ألا تدل على السميع البصير؟".
العرض: مظاهر قدرة الله تستدعي التأمّل
تتعدد مظاهر قدرة الله في الكون، فهي موجودة أينما نظرنا، في أنفسنا، وفي الأرض والسماء بما فيها من موجودات ومخلوقات: طيور وحيوانات وطبيعة خلّابة. إن كل ما نراه في هذا الكون يدفعنا للتفكّر والتّامّل في الخالق، فهو الذي خلق فأبدع، وصوّر فأحسن التصوير، وجعل كل أجزاء الكون متّصلة منتظمة وفق نظام دقيق لا يحيد، فسبحانه تعالى وحده المستحقّ للعبادة، اجدير بالشكر والحمد على نعمه التي لا تحصى.
يقول الله تعالى في محكم كتابه: "وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ"، الأجدر بأن يبدأ الإنسان بتأمل نفسه، ليدرك قدرته تعالى وإبداعه وإتقانه، فقد خلق الإنسان في أحسن تقويم، وأنعم عليه بنعم لا تحصى ولا تعدّ، فأعطاه عينين ليبصر بهما ويتلمس طريقه ويتعرف على الأشياء حوله، وأعطاه قلبًا ينبض ويضخّ الدّم إلى مختلف أنحاء الجسم، ودماغًا ينظم عمل أجهزة الجسم ويدرك به ويعقل، فقد ميّز الله الإنسان عن سائر المخلوقات بالعقل.
إن مظاهر قدرة الله التي تتجلى في الإنسان لا يمكن حصرها أو عدّها، فمنذ تكوّن هذا الإنسان في بطن أمّه يتجلّى لطف الخالق وقدرته، فمن ماء مهين خلق الإنسان وتكوّن كعلقة في رحم الأم جعلها الله في قرار مكينفي بطانات الرحم، ثم تصبح العلقة مضغة، ثمّ تتشكّل العظام، ويغطيها اللحم.
فيكبر الجنين ليصبح نبضه مسموعا وحركته محسوسة، إلى أن يحين موعد قدومه إلى هذه الدنيا، فيهيئ الله لهذا المولود الحليب من أمّه، ترضعه وتحسن رعايته، ويهيئ له أبوين يرعيانه حتى يشبّ كلّ ما سبق يهيَّأ للإنسان بلطف الله وعنايته، ومهما كان الإنسان يظنّ نفسه مفتقًرًا إلى بعض النّعم، إلا أنه عندما يمعن النظر فيما عنده سيدرك سريعًا أن نعم الله ما تزال كثيرة.
ومن نعم الله على الإنسان أن أعانه بالعقل على تسخير موجودات الكون لخدمته، فأوجد الله له الغذاء في النياتات وبعض الحيوانات، ووفّر له الماء، وجعله قادرًا على استدامة هذه الموارد فتعلّم الإنسان الزراعة، وتعلّم مواجهة مخاطر الطبيعة والتنبؤ به في بعض الأحيان، فاستطاع حماية نفسه من الحيوانات المفترسة، وتنبّأ بالزلازل والبراكين.
واستطاع إيجاد العقاقير والعلاجات واللقاحات للأمراض التي كانت تفتك بالبشر، كلّ ذلك من لطف الله وعظيم قدرته بأن ميّز الإنسان بالعقل إنّ مظاهر قدرة الله تعالى لا تظهر فقط في خلق الإنسان، إنّما تظهر في الكون كاملّا، إذ ينظر الإنسان إلى السماء فيرى الشمس تشرق على الأرض فتضيئها وتساعد النباتات والأشجار على النمو فتنضج الثمار التي يتغذى عليها الإنسان والحيوان.
فيدرك الإنسان عظمة الخالق سبحانه، وقد خلق الله سبحانه الشمس وجعل بينها وبين الأرض مسافة محدّدة إن زادت احترقت الأرض وإن قلّت تجمّدت الأرض، فسبحان من خلق وقدّر، وينظر الإنسان إلى السماء في الليل فيرى القمر والنجوم المتلألئة تنير الأرض وتزيّنها "وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَجَعَلْنَاهَا رُجُومًا لِّلشَّيَاطِينِ وَأَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابَ السَّعِيرِ"، وقد استدلّ الإنسان على الاتجاهات بالنجوم منذ القدم.
أمّا القمر فيستطيع الإنسان من خلال تغير أشكاله وأطواره أن يعرف الزمن، لذلك هناك توقيت قمريّ، وقد ذكر الله سبحانه منازل القمر "وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ ﴿٣٩﴾ لَا الشَّمْسُ يَنبَغِي لَهَا أَن تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ".
ومن خلال توالي ظهور الشمس والقمر يأتي الليل والنهار وتتوالى الأيام، فيميّز الإنسان الوقت ويدرك الزّمن ويعدّ الأيّام والفصول، فيسعى في الأرض نهارًا ليقضي حوائجه ويمارس حياته الطبيعية أما في الليل فيسكن الإنسان وينال ما يحتاجه من الراحة ليكون قادرًا على استجماع طاقته والنهوض للسعي في صباح اليوم التالي، "وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاسًا ﴿١٠﴾ وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشًا".
تتجلّى مظاهر قدرة الله تعالى في كلّ المخلوقات ومنها ما أشير إليه في القرآن الكريم، كالنمل والنحل والعنكبوت والبعوض، وقد سميت سور بأسماء بعض الكائنات كسورة النمل وسورة النحل، لما فيها من دلائل عظيمة على تدبير الله للكون بأدق تفاصيله وأصغر كائناته، فالنحل الذي يتخذ من الجبال بيوتًا ويبني خليته وفق هندسة دقيقة يعجز عن مجاراتها مهندسون بارعون.
الخاتمة: قدرة الله ومضةُ أملٍ في القلب
إن قدرة الله تعالى الظاهرة في كل أنحاء الكون تعطي الإنسان اليائس أملًا بتغيير حاله، فالقادر على خلق كل الكائنات بتفاصيلها وتعقيداتها وجمالها، قادر أن يغير حال الإنسان إلى الأفضل، فمن غير الله يمكن أن يشفيَ المريض من مرض عجز عنه الطبيب، ومن غيره يهب الإنسان المال والذرّيّة، ومن غيره يعطي الإنسان النجاح، ومن غيره يمكن أن ييسر الزواج لمتعسر، إنه الله سبحانه القادر على كل شيء.