مواعظ رمضانية مؤثرة
موعظة عن إقامة الصلاة في رمضان
عظّم الله -تعالى- أمر الصلاة، وأجزل في المثوبة عليها، وجعلها عماداً لهذا الدين القويم، وركناً من أركانه، وجعلها في الدنيا من أولويات المسلم، وفي الآخرة من أولويات القضاء والحكم، فأول ما يحاسب الله عليه العبد هي الصلاة، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (إِنَّ مِنْ أَوَّلَ مَا يُحَاسَبُ بِهِ النَّاسُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ الصَّلَاةُ).
إلى من فرّط في حق الصلاة، هل علمت أن الصلاة عمود الدين، وهل يُبنى بيتٌ بغير عمود؟ وهل يتمّ الإسلام بدون صلاة؟ قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (أَلَا أُخْبِرُكَ بِرَأْسِ الأَمْرِ كُلِّهِ وَعَمُودِهِ، وَذِرْوَةِ سَنَامِهِ؟ قُلْتُ: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: رَأْسُ الأَمْرِ الإِسْلَامُ، وَعَمُودُهُ الصَّلَاةُ، وَذِرْوَةُ سَنَامِهِ الجِهَادُ).
فحافظ على صلاتك؛ لكي يحفظ الله -تعالى- لك دينك وإسلامك، فقد قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (الْعَهْدُ الَّذِي بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمُ الصَّلَاةُ، فَمَنْ تَرَكَهَا فَقَدْ كَفَرَ). وهذا رمضان فرصةٌ من أجل أن يصحّح المفرّط بالصلاة مسيرته مع الله -تعالى-، فإن المعصية إذا ارتكبها صاحبها في موضع الطاعة كانت أكثر إثماً؛ لأن تعظيم شعائر الله -تعالى- واجب.
قال الله -تعالى-: (ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّـهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ) ، حيث في رمضان تختلف الموازين، وتُضاعَف الأجور، يكفي أن فيها ليلة واحدة جعلها الله -تعالى- خيراً من ألف شهر، قال الله -تعالى-: (لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ)، والعاجز من ضيّع الفرص، وليكن هذا الشهر الفضيل سبباً لهدايتك، ورجوعك إلى ربك العظيم.
موعظة عن صلة الرحم في رمضان
عظّم الله -تعالى- شأن صلة الرحم، وجعل الإحسان إلى ذوي الرحم من أعظم القربات، فقد جعل الصدقة إلى ذي الرحم بأجرين، والصدقة على غير ذي الرحم بأجر واحد، فميّز الإحسان إليهم؛ تشجيعاً للإسراع إلى صلتهم، وجزاءً لهم على ما أحسنوا، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (الصَّدقةُ على المسْكينِ صدقةٌ، وعلى ذي القرابةِ اثنتان: صدقةٌ وصلةٌ).
وهذه الزيادة في الأجور دعوةٌ للناس لكي يسارعوا إلى الإحسان إلى ذوي القربى، وفضل الصلة يعود نفعه على الواصل في الدنيا قبل الآخرة، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (مَنْ سَرَّهُ أَنْ يُبْسَطَ لَهُ فِي رِزْقِهِ، أَوْ يُنْسَأَ لَهُ فِي أَثَرِهِ، فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ). فكيف إذا اجتمعت الفضيلتان؟ الصلة إلى ذوي الرحم، مع إيقاع هذه الصلة في شهر رمضان، فمن فعل ذلك فقد جمع بين الخيرين.
وقد حثّ الله -تعالى- على فعل الخيرات في رمضان، وجعل على ذلك الأجر العظيم، ففي الحديث: (كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَجْوَدَ النَّاسِ، وَكَانَ أَجْوَدُ مَا يَكُونُ فِي رَمَضَانَ حِينَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ، وَكَانَ يَلْقَاهُ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ فَيُدَارِسُهُ القُرْآنَ، فَلَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَجْوَدُ بِالخَيْرِ مِنَ الرِّيحِ المُرْسَلَةِ).
فحتى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو أكمل الناس، وأكثرهم إحساناً، كان إذا دخل عليه رمضان يُحدث في حياته تغيراً، فتزداد طاعاته، وينشط إلى فعل المعروف، فكيف بمن هم دون رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في الرتبة.
موعظة عن التزام بر الوالدين في رمضان
جعل الله -تعالى- طاعة الوالدين مقرونة بطاعته، فقال الله -تعالى-: (وَقَضى رَبُّكَ أَلّا تَعبُدوا إِلّا إِيّاهُ وَبِالوالِدَينِ إِحسانًا إِمّا يَبلُغَنَّ عِندَكَ الكِبَرَ أَحَدُهُما أَو كِلاهُما فَلا تَقُل لَهُما أُفٍّ وَلا تَنهَرهُما وَقُل لَهُما قَولًا كَريمًا)، أما طاعة الله -تعالى- فمطلوبة؛ لأنه الخالق الذي أوجد الخلق من العدم، وأما الوالدان؛ فلأن الله -تعالى- جعلهما سببا في الوجود.
ومن صفات المحسنين أنهم يقابلون الإحسان بالإحسان، ويردّون الحسنة بمثلها، وإن الله -تعالى- أحسن إلى خلقه فأوجدهم من العدم، وإن الوالدين هما مَنْ تولَّيا هذه المهمة؛ ولادة، ورضاعة، وتربية، وإنعاما، فينبغي مقابلة الحسنة بمثلها، قال الله -تعالى-: (هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ).
ويكون البرّ للوالدين كما أمر الله -تعالى-: بأن يحرص المسلم على أن يقول لوالديه القول اللطيف اللّيِّن، وأن لا يُعرّض كرامتهما للذل والنقيصة، مع الإجلال والتكريم، وخفض الجناح والرحمة تأدباً واحتراماً، وحسن رعايتهما، وتدبير أمرهما، والتواضع لهما، والعطف عليهما، فهذا أقلّ الواجب والمعروف لِما قدّماه الوالدان في صغر الإنسان وكبره.
فعلى الولد أن يحرص على برّ والديه لا سيما في شهر رمضان، وهو شهر الإحسان والحسنات، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (رغِمَ أَنفُ رجلٍ ذُكِرتُ عندَهُ فلم يصلِّ عليَّ، ورَغِمَ أنفُ رجلٍ دخلَ علَيهِ رمضانُ ثمَّ انسلخَ قبلَ أن يُغفَرَ لَهُ، ورغمَ أنفُ رجلٍ أدرَكَ عندَهُ أبواهُ الكبرَ فلم يُدْخِلاهُ الجنَّةَ).
وهذا الحديث قد جمع بين برّ الوالدين ورمضان، فكيف بمن أدرك عنده أبواه الكبر في رمضان، فهنا جمع الله للرجل سببين لدخول الجنة، وهما؛ برّ الوالدين، ورمضان، والخاسر من ضيّع هذا وهذا.
موعظة عن صيام الجوارح في رمضان
أمر الله -تعالى- المسلم أن يصوم عن الحلال، فيترك الطعام والشراب، وما أحل له الله -تعالى- من الطيبات، تطبيقاً لأمر الله -تعالى-، والصيام عن المحرمات من باب أولى، والعجب لا ينقضي ممن يصوم عن الحلال ولا يصوم عن الحرام، فيترك أكل الطعام ولا يترك أكل لحوم إخوانه من المسلمين.
وقد قبّح الله -تعالى- الغيبة من دون صوم، فكيف للصائم صيام الفريضة في رمضان، قال الله -تبارك وتعالى-: (وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّـهَ إِنَّ اللَّـهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ)، وما الحاجة من هذا الصيام إذا لم يكن هذا الصيام قائماً على التقوى؟ والرسول -صلى الله عليه وسلم- يقول: (مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ وَالعَمَلَ بِهِ، فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ فِي أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ).
وقد جعل الله -تعالى- الصيام شفيعا للصائمين، كما جعل القرآن شفيعا للقارئين، يشفع للمسلم صيام النهار، وكذا قيام الليل، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم-: (الصِّيَامُ وَالْقُرْآنُ يَشْفَعَانِ لِلْعَبْدِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، يَقُولُ الصِّيَامُ: أَيْ رَبِّ، مَنَعْتُهُ الطَّعَامَ وَالشَّهَوَاتِ بِالنَّهَارِ، فَشَفِّعْنِي فِيهِ، وَيَقُولُ الْقُرْآنُ: مَنَعْتُهُ النَّوْمَ بِاللَّيْلِ، فَشَفِّعْنِي فِيهِ، قَالَ: فَيُشَفَّعَانِ)، فليحرص المسلم على حفظ حرمة صيامه حتى يكون شفيعاً له.
موعظة عن الصدقة في رمضان
الصيام مدرسةٌ للأخلاق كلها، فهو يربّي المسلم الصالح على كل الحسنات، فيربّيه على البرّ، والصلة، والخلق الحسن، ويعلّمه على الجود، والبذل، والعطاء، فقد كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- جواداً كريماً، وكان في رمضان أسخى وأجود وأكرم، لا سيما عندما يلقاه الأمين جبريل -عليه السلام-.
قالت عائشة -رضي الله عنها-: (كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَجْوَدَ النَّاسِ، وَكَانَ أَجْوَدُ مَا يَكُونُ فِي رَمَضَانَ حِينَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ، وَكَانَ يَلْقَاهُ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ فَيُدَارِسُهُ القُرْآنَ، فَلَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَجْوَدُ بِالخَيْرِ مِنَ الرِّيحِ المُرْسَلَةِ). وينبغي أن يكون هذا الجود في كل أنواع الجود، ليس جود المال فحسب.