تعلم علم الفراسة
علم الفراسة
يُنسب لعلم الفراسة بعض الممارسات المتعلقة بالشعوذة والدجل، ولكنّه في أصله علمٌ مبنيّ على دراساتٍ منهجيّة تتعلّق بملامح الوجه والبنية الجسديّة للإنسان، إذ يعتمد هذا العلم بشكلٍ محوريّ على العواطف التي تُتَرجم على شكلِ تعبيراتٍ تظهر على وجه الإنسان، وذلكَ لأنّ الأنشطة العقليّة والمشاعر تؤثّر في حركة عضلات الوجه بشكلٍ مباشر وبالتالي تعكس الطبيعة النفسيّة للإنسان، وعندها يُمكِن للشخص قراءة العقل وتحليل الشخصيّة. وقد نُظِّم لهذا العلم مجموعةٌ من النظريات التي تعمل على شرح الطبيعة البشريّة اعتماداً على نظامٍ من الأنواع التي تمّ استنباطها عن طريق المُلاحظة. ويعود أصل علم الفراسة إلى العصور القديمة والوسطى، فقد كان يعتبر جزءاً من الفلسفة العلميّة القديمة، كما استُخدِمَ وسيلةً للكشفِ عن بعضِ العُيوب الجينية كالكشف عن مُتلازمة داون. ويُنسب بداية توثيق علم الفِراسة للفيلسوف اليونانيّ الشهير أرسطو، فقد عملَ على كتابة أُطروحةٍ مُكوّنةٍ من 6 فصولٍ، يَسرُد فيها دراسةً لملامح وجه الإنسان، والصّفات الشخصيّة التي ترتبط بهذه الخصائص الفيزيائيّة، كربط شكل الأنف، ولون العُيون، والمشية، والصوت، وغيرها من الخصائص بطبيعة الشخص وصفاته. وقد ساهمَ بعض العلماء العرب في تطوير علم الفراسة كالرازي، وابن رشد. وقد استُخدمَ هذا العلم في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر وسيلةً للكشف عن الميول الإجراميّة للشخص.
تعلّم الفراسة
إذا استطاعَ الإنسان تعلُّم عِلم الفراسة فسيصبح أنجح في العلاقات الاجتماعيّة والعاطفيّة، إذ يؤكد علماء النفس بأنّ 60% من التواصل البشريّ يحدث بصورةٍ غير شفهيّةٍ، أي يظهر على شكل حركاتٍ جسديّةٍ أو إيماءاتٍ في الوجه. ويُمكِن تعلُّم الفراسة عن طريق قراءة ملامح الإنسان أو عن طريق فهم حركات وتعابير الوجه والجسد.
فِراسة حركات الوجه
حتى يستطيع الشخص اكتساب مهارة فراسة النّاس، وفهم مشاعر الشخص الذي أمامه، عليه أن يتمرّن على قراءة السلوكيات الحركيّة لوجه الإنسان، إذ إنّ المشاعر تظهر مباشرةً على الوجه ، وفيما يأتي نماذجُ لحركات الوجه ومعانيها:
- حركات العيون: تُعطي العيون إيحاءً أقوى من عناصر الوجه الأخرى، لذا إذا أراد الشخص البدء بتعلّم الفراسة فعليه التحديقُ في عيون الآخرين وقرائتها، فبؤبؤ العين تتغيّرُ هيئتُه حسب المشاعر الداخليّة، فإذا كانَ الإنسان متحمّساً أو يشعُرُ بالاهتمام بشيءٍ ما فإنّ بؤبؤ العين يتّسع، وينقبض البؤبؤ عندَ الشعور بالإهانة أو السلبيّة.
- حركات الشفاه: تعدّ عضلات الشفاه عضلاتٍ حسّاسةً، وتُتَرجم المشاعر التي يشعر بها الشخص، فملاحظة ارتعاش الشفة عندَ الكلام مثلاً تدلّ على الكذب.
- حركات الأنف: إنّ الرسائل التي يُعطيها الأنف أقلُّ من التي تُعطيها العيون والشفاه، ولكنّ موقعه وسطَ الوجه يُسهّل ملاحظته، فمثلاً عندما تتسع فتحات أنف شخص ما فهو بذلك يسمح بمرور هواء أكثر ممّا يدلّ على شعور الشخص بعُدوانية، كما أنّها تدلّ على استياء الشخص أو غضبه. وإذا كانَ الشخص يكذب فإنّ الخلايا الدموية في الأنف تتسع ممّا يعطي اللون الأحمر للأنف.
- حركات الحاجبين: يرتبط الحاجبان بعددٍ محدودٍ من العضلات ولكنّه يُعطي عِدّة دلالاتٍ ، فمثلاً إذا ارتفع الحاجبان معاً وتجعّد جبين صاحبه فيقرأ المتفرّس ذلك التغيُّر بأنّ الشخص قد يكون متسائلاً أو متفاجئاً، أمّا إذا انقبضا للأسفل فذلك يدلّ على التركيز على شيءٍ ما، أو على الحزن أو الغضب.
فِراسة شكل الملامح
يُمكِن الاستدلال على بعض الصّفات الشخصيّة للإنسان عن طريق شكل ملامح وجهه، كما يأتي:
- الجبهة: ترتبط الجبهة بالأمور العقليّة، وهيَ تُصَنّف حسب هيئتها وشكلها لعدّة أنواع منها:
- الجبهة العالية والمنخفضة: قد تُعبّر الجبهة العالية عن شخصيّةٍ محبّةٍ للقراءة وللمعرفة، وقد يتّصِف بذاكرة جيّدة. أمّا الشخص الذي يمتلك جبهةً منخفضة فهو غالباً شخص بسيط ولا يهتم بالأمور المُعقّدة، فهو يُفضّل عدم التفكير لذا تجده متهوراً بعض الشيء ومندفعاً.
- الجبهة الواسعة والضيّقة: يتمتّع صاحب الجبهة الواسعة بالتفكير المنطقيّ، والمثابرة، وحبّ المال، أمّا أصحاب الجباه الضيّقة فعادةً ما يكونون ضيقي الأفق، ومحافظين متعلقين بالتقاليد والعادات القديمة.
- الجبهة المربّعة: هيَ الجبهة التي يكون طولها وعرضها متناسبان، ويتميّز من يمتلكها بالقدرة على ممارسة أي مهنةٍ تُعطى له.
- العيون: تدلّ العيون على الأحاسيس والمشاعر، وقد يدلّ حجم العيون أو لونهما على صفات شخصيّة للإنسان كما يأتي:
- حجم العيون: تدلّ العيون الكبيرة على شخصٍ قويّ المُلاحظة، أمّا أصحاب العيون المتوسطة فيمتلكون القدرة على تبني آراء سليمة، والعيون الصغيرة تُشير إلى الصّرامة والعنف.
- لون العيون: فالعيون الزرقاء توحي بشخصٍ حيويّ ومتفائل، والعيون الكستنائيّة توحي بالبراءة والرقّة، أمّا العيون البنيّة فتوحي بشخصيّة عاطفيّة وحساسة، أمّا أصحاب العيون الخضراء فهم غالباً مزاجيون، وأصحاب العيون السوداء يتسمون بالإخلاص.
- الأنف: ترتبط مجموعةٌ من الصفات بشكل الأنف، إذ يُصَنّف الأنف حسب شكله لعدّة أنواع منها:
- الأنف الرومانيّ: أي أنفٌ كبيرٌ ومُقوّس، وهو يدلّ على شخص قويّ وشجاع، فكلّما ازدادَ عرضه تزداد الشخصيّة قوّةً وحزماً.
- الأنف الإغريقيّ: هو الأنف الذي يشكل خطاً مستقيماً مع الجبين، ويكون أصحابه أشخاصاً ذوي ذوقٍ رفيع، وقدرةٍ على التحكم في النفس.
- الأنف المعقوف: يتميّز صاحبه بالهدوء، ويمتلك رغبةً بالسيطرة على الآخرين .
- الأنف الأفطس: يدلّ على شخصٍ مرحٍ واجتماعيّ، وقد يكون متهوّراً وقلقاً.
منهجية علم الفراسة
يتبّع المُتفرّس منهجاً يُساعده في الوصول للدّلالات الخفيّة التي يسعى لكشفها، فإذا أرادَ شخصٌ تعلّم الفراسة فلا بدّ له من معرفة هذه المنهجيّة، وهيَ عبارة عن محورين رئيسيين، هما:
- الاستدلال: فهذه المنهجيّة تُستخدم عندما يكون الشيء المراد فهمه غير قابل للملاحظة، فيلجأُ المُتفرّس بالاستدلال عليه عن طريق ثلاث تقنيات هيَ:
- معرفة الشيء بالعلّة: أي التأمّل في أسباب حدوث تصرّفٍ ما، فإذا عرفَ المتفرّس الخلفية الاجتماعيّة أو الوظيفية أو الأمور الأساسيّة المتعلقة بالشخص وأخلاقه وغيرها، فقد يمتلك القدرة على تفسير تصرّفات النّاس، فمثلاً إذا رأى شخصاً يتلفّت حوله فقد يكون سبب حدوث هذا الفعل جهل الشخص بالمكان.
- معرفة الشيء بالمعلول له: أي فهم القصد من فعل شيءٍ ما، فقد يكون سلوكٌ يقوم به الإنسان غير عفويّ بل يسعى به لتحقيق غايةٍ ما، وهيَ تقنيةٌ صعبةٌ لأنّ القصد غالباً ما يكون خفيّاً.
- معرفة الشيء بالمعلول لعلته: أي فهم السبب من سلوكٍ ما اعتماداً على المزاج الأصليّ للإنسان، كفهم سبب بُطْء شخصٍ ما عندما يُدرك المُتفرّس بأنّ هذا الشخص في أصله يتّصف بالبلادة.
- الاستنباط: وهذه المنهجيّةُ أكثر ارتباطاً بمهاراتٍ خاصة بالإنسان ولا تعود لعلم الفراسة، كالحدس الذي يُمكّن بعض الناس من استنباط معلوماتٍ حقيقيّةٍ عن الشخص الذي يقابلونه لأوّل مرة كمعرفة مهنته مثلاً.
صحة علم الفراسة
يُترجم الإنسان أخلاقه وصفاته بأفعاله الظاهرة للآخرين، فلا يُمكن إنكار القدرة على معرفة طبيعة شخصٍ ما عن طريقِ ملاحظته والتفرس في حركاته وأفعاله، فعلم الفراسة علمٌ صحيح بشكلٍ مُقيّدٍ وضمن قواعده المحدّدة له، فقد يذهب البعض إلى ربطِ تفاصيلَ جسديّةٍ كشامةٍ في الوجه بصفاتِ وأخلاقِ صاحبها، وهو تطرّفٌ غير مقبولٍ في علم الفراسة. وقد يُنكر البعض علاقة الملامح بصفاتِ الشخصِ، فيصف علم الفراسة أصحابَ الجباه العالية بالذكاء ، ولكن لا يمكن أن يكون كلّ شخصٍ يمتلك جبهةً عاليةً ذكيّاً ، ويُفسَّر هذا الخطأ بأنّ علم الفراسة لا يعتمد على صفةٍ واحدةٍ في الإنسان حتى يُحكَم عليه، فالجبهة العالية يُصاحبها مثلاً عيونٌ كبيرةٌ وغيرُها من الصّفات التي تدعم بعضها حتى يستطيع المُتفرّس إطلاق الحكم على الإنسان الذي أمامه.