مواضع ذكر الغيرة في القرآن
الغيرة في القرآن الكريم
يرى أهل العلم أنّ الغيرة منها ما هو محمود ومنها ما هو مذموم، والمذموم منها إذا تعاظم في قلب صاحبها أورث غِلّاً وحسداً، ومن الأمثلة على هذا النوع: غيرة إخوة يوسف من محبّة يعقوب ليوسف -عليهما السلام-، قال -تعالى-: (إِذْ قَالُوا لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَىٰ أَبِينَا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ).
ومنه أيضاً غيرة قابيل من هابيل بعد أن تقبّلَ الله من هابيل قربانه ولم يتقبّله من الآخر، إذ دفعَته هذه الغيرة لقتل أخيه، وفي هذا يقول -سبحانه-: (وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ ۖ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ).
ولم يرد في القرآن الكريم لفظ الغيرة، وإنما جاء لفظ "الحمية" في سياق يدل على أنه غيْرة يبغضها الله سبحانه، لأنها غضب من أجل باطل، ونعرة كاذبة، لذا وصفت بأنها "حمية الجاهلية"، قال -تعالى-: (إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ فَأَنزَلَ اللَّـهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى وَكَانُوا أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا وَكَانَ اللَّـهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا).
ومما يدخل في الغيرة قوله -تعالى-: (وَإِذا قَرَأتَ القُرآنَ جَعَلنا بَينَكَ وَبَينَ الَّذينَ لا يُؤمِنونَ بِالآخِرَةِ حِجابًا مَستورًا) وقيل في الآية إن الحجاب المذكور هو حجاب الغيرة، ولا أحد أغير من الله -تعالى-، فإنَّ الله لم يجعل الكفار أهلاً لفهم كلامه، ولا أهلاً لمعرفته وتوحيده ومحبَّته، فجعل بينهم وبين كلامه حجاباً مستوراً غيرة عليه من أن يناله من ليس أهلاً له.
الغيرة في السنة النبوية
جاء في صحيح البخاري عن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (مَا أَحَدٌ أَغْيَرَ مِنَ اللَّهِ، وَمِنْ غَيْرَتِهِ: حَرَّمَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ، وَمَا أَحَدٌ أَحَبَّ إِلَيْهِ الْمَدْحُ مِنَ اللَّهِ، وَمِنْ أَجْلِ ذَلِكَ أَثْنَى عَلَى نَفْسِهِ، وَمَا أَحَدٌ أَحَبَّ إِلَيْهِ الْعُذْرُ مِنَ اللَّهِ، مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ: أَرْسَلَ الرُّسُلَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ).
وفي الصحيح أيضاً عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أنَّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (إِنَّ اللَّهَ يَغَارُ، وَإِنَّ الْمُؤْمِنَ يَغَارُ، وَغَيْرَةُ اللَّهِ: أَنْ يَأْتِيَ الْعَبْدُ مَا حُرِّمَ عَلَيْهِ)، وَفِي الصَّحِيحِ أَيْضًا: أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (أَتَعْجَبُونَ مِنْ غَيْرَةِ سَعِدٍ؟! لَأَنَا أَغْيَرُ مِنْهُ، وَاللَّهُ أَغْيَرُ مِنِّي).
تعريف الغيرة لغة واصطلاحاً
تعريف الغيرة لغة
قال ابن منظور : الغَيْرة بالفتح مصدر من قول: غار الرجل على أَهْلِه، وغار الرجل على امرأَته، والمرأَة على بَعْلها تَغار، وقيل: غَيْرة وغَيْراً وغاراً وغِياراً، وهي الحميَّة والأنفة، ويقال رجل غيور وامرأة غيور.
تعريف الغيرة اصطلاحاً
تأتي الغيرة في الاصطلاح على معانٍ عدة كما يأتي:
- كراهة شراكة الغير في الحق.
- الغيرة بفتح الغين وأصلها المنع والرجل غيور على أهله أي يمنعهم من التعلق بأجنبي بنظر أو حديث أو غيره.
- كراهة الرجل اشتراك غيره فيما هو حقه.
أقسام الغيرة
قسم ابن القيم الغيرة في كتاب روضة المحبين ونزهة المشتاقين إلى نوعين كما يأتي:
- غيرة للمحبوب
وهي الحمية والغضب له إذا استهين بحقه وانتقصت حرمته وناله مكروه من عدوه فيغضب له المحب ويحمى وتأخذه الغيرة بالمبادرة إلى التغيير ومحاربة من آذاه، ومثالها غيرة الرسل وأتباعهم لله تعالى ممن أشرك به واستحل محارمه.
- الغيرة على المحبوب
وهي أنفة المحب وحميته أن يشاركه في محبوبه غيره، وهذا نوعان: غيرة المحب أن يشاركه غيره في محبوبه، وغيرة المحبوب على محبة أن يحب معه غيره.