كيف أطبق خلق التواضع في حياتي
كيف أطبق خلق التواضع في حياتي
قراءة سيرة الرسول والاقتداء به
قد كان -عليه الصلاة والسلام- على الرغم من علو منزلته عند الله -تعالى-، إلا أنه كان أكثر الناس تواضعاً لله -تعالى- ثم للخلق، ومع منزلته العالية لم يترك خلق التواضع ، مع أنه كان نبياً ورسولاً وقائداً عسكرياً وقائداً اجتماعياً.
ومن يقرأ سيرة النبي -صلى الله عليه وسلم- يجد أمثلة كثيرة لتواضع النبي -صلى الله عليه وسلم- في جميع الأوقات والأزمنة، وفي جميع حالاته من قوة أو ضعف، من نصر أو هزيمة، وفتح مكة خير دليل.
وقد كان متواضعاً مع الأطفال حتى، فقد ثبت في صحيح البخاري: (كَانَتِ الأمَةُ مِن إمَاءِ أهْلِ المَدِينَةِ، لَتَأْخُذُ بيَدِ رَسولِ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- فَتَنْطَلِقُ به حَيْثُ شَاءَتْ)، وكان الغريب يأتي إلى مجلس النبي -صلى الله عليه سلم- ولا يعرفه حتى أنه يسأل: (أيكم محمد؟).
عدم الاغترار بالنفس عند النجاح
يسهل على المسلم الالتزام بخلق التواضع إذا لم ينخدع بنفسه، ويفتن في عمله، ويصبح متواضعاً كلما أعطى نفسه قدرها دون زيادة أو نقصان، وعلى المسلم أن يسيطر على نفسه في كل أحوالها فلا يقوده النصر والقوة إلا أن يغتر بحاله ويفخر بما ليس له.
وضبط النفس مهم في حال النصر وأصعب من ضبطها في حال الهزيمة، ومن أراد التواضع فعليه أن لا يستسلم لغرور النفس؛ فالنفس كما قال -تعالى-: ﴿إِنَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ﴾.
عدم طلب المديح والإطراء من الغير
الإطراء هو المدح بالباطل؛ بأن تذكر خصال طيبة لشخص، وأنت تعلم أنها ليست موجودةً عنده، ومن يسعى أن يمدح بما ليس فيه فهذا ممن قال الله -تعالى- فيهم:﴿لاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَواْ وَّيُحِبُّونَ أَن يُحْمَدُواْ بِمَا لَمْ يَفْعَلُواْ فَلاَ تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفَازَةٍ مِّنَ الْعَذَابِ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾، وقد كان ابن عمر يقول: (مَدحُك أخاك في وجهِه كإمرارِك على حلْقِه موسى رميضًا أي شديدًا).
وعلى المسلم أن لا يطلب المدح أو الثناء من الناس؛ وقد أوصى النبي -صلى الله عليه وسلم- بأن يرمى التراب في وجه من يفتن الناس بكثرة مدحه لهم؛ فقال -صلى الله عليه وسلم-: (احثُوا في وجوه المدَّاحينَ التُّرابَ).
وقد كان عليه -الصلاة والسلام- أحق الناس بالمدح والثناء ؛ إلا أنه لم يكن يطلبه من أحد أبداً، بل كان ينهى عن ذلك، فقال -صلى الله عليه وسلم-: (لَا تُطْرُونِي كما أَطْرَتِ النَّصَارَى ابْنَ مَرْيَمَ؛ فإنَّما أَنَا عَبْدُهُ، فَقُولوا: عبدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ)، فمن أراد التواضع لا يطلب المدح؛ ويرفض المدح خاصة إذا علم من نفسه أنها تحب الثناء، وأنها تفتن وتترك التواضع إذا مدحت.
نسبة الفضل إلى الله
يقول الله -تعالى-: (وَأَنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاء)، يعلم المسلم أن ما عنده من خيره ونعمه بأن الفضل فيه لله -تعالى-؛ ولولا توفيق الله -تعالى- له لما حقق أي نعمة، خاصة وأنه يعلم قوله -تعالى-: (وَخُلِقَ الإِنسَانُ ضَعِيفًا)، فالإنسان لولا فضل الله عليه لكان من اتباع الشيطان ؛ قال -تعالى-: ﴿وَلَوْلاَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاَتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلاَّ قَلِيلاً﴾.
وإذا كان الأنبياء على علو قدرهم ينسبون كل الفضل لله -تعالى-؛ ولا ينسبون لأنفسهم شيئاً من الفضل، فعلى المسلم أن يقتدي بهم، ولا ينسى أن ما فيه من نعمة من فضل الله -تعالى- عليه وتوفيقه، ومتى ما نسب لنفسه الفضل فقد ضيع خلق التواضع.
عدم الامتنان على الآخرين
المنُّ على الآخرين يكون بتذكيرهم بما صنع لهم من معروف، وما قدم لهم من خير؛ فالمنان يعطي نفسه درجة أعلى من الآخرين، وينظر إليهم نظرة دونية، لذا من أراد التواضع عليه أن يترك المنَّ على الآخرين.
خاصة بأنه خلق يبغضه الله -تعالى-؛لأنه يرفع صاحبه بدون وجه حق، لقوله -صلى الله عليه وسلم-: ( ثلاثةٌ يَشنَؤُهمُ اللهُ، التاجِرُ الحلَّافُ، أو قال: البائعُ الحلَّافُ، والبَخيلُ المَنَّانُ، والفقيرُ المُختالُ).
والمنان هو الله وحده، فكيف يمن الإنسان بأمر وهو يعلم أن الخير كله من عند الله ولا فضل له فيه؟، والمؤمنون ينسبون الخير لله -تعالى-؛ لا لأنفسهم يقول الله -تعالى- يقول عن دعائهم: ﴿بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾.
الابتعاد عن الشهرة وحب الظهور
يعد حب إظهار النفس، أو العمل أمام الناس من الرياء المذموم؛ لما يحويه من تَصنع للناس، ورفع للنفس على الغير، فالرياء هو تعمد إظهار العمل ليراه الناس؛ فينال منهم المدح والثناء، فلا يسعى إلى حب الظهور إلى من فتن في نفسه وأعجب بها.
وهذا لا يضيع خلق التواضع فقط، بل إنه سبب لهلاك المسلم؛ لقوله -صلى الله عليه وسلم-: (وأما المهلكاتُ؛ فشُحٌّ مُطاعٌ، وهوًى مُتَّبعٌ، وإعجابُ المرءِ بنفسِه).
التواضع مع من هو دونك
قد تشعر نفس المرء بالعظمة عند ملاقاة من هو دونها في العمل والمال والجاه، وعلى المسلم أن ينتبه لذلك، وأن يسعى لأن يكون متواضعاً معهم في المجلس والحديث، وقد كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يتبسط مع جلسائه؛ حتى يظن الواحد منهم بأنه أفضل القوم.
يقول عبد الله بن عمرو -رضي الله عنه-: (كان رسولُ اللهِ -صلَّى اللَّهُ عليه وسلَّم- يُقبِلُ بوجهِه، وحديثُه على شرِّ القومِ يتألَّفُه بذلك؛ وكان يُقبِلُ بوجهِه وحديثُه عليَّ حتَّى ظنَنْتُ أنِّي خيرُ القومِ).
ولم يكن -عليه الصلاة والسلام- لا يرفض الجلوس مع أيٍ كان في أي مكان، فعن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: (أنَّ امرأةً لقيَتِ النَّبيَّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- في طريقٍ من طُرُقِ المدينةِ، فقالت: يا رسولَ اللهِ، إنَّ لي إليكَ حاجةً، قال: يا أُمَّ فُلانٍ، اجْلِسي في أيِّ نَواحي السِّكَكِ شِئْتِ، أَجلِسْ إليكِ)، فقد ترك لها النبي صلى الله عليه وسلم القرار في اختيار المكان للحديث.
وعلى المسلم أن يتواضع مع منهم دونه؛ لأن الله -تعالى- قادر على أن يجعله في مكانهم، وأيضاً فإن التواضع مع من هم دونك يذكرك بنعم الله -تعالى- عليه ليشكرها؛ لقوله -صلى الله عليه وسلم-: (انْظُرُوا إلى مَن أسْفَلَ مِنكُمْ، ولا تَنْظُرُوا إلى مَن هو فَوْقَكُمْ، فَهو أجْدَرُ أنْ لا تَزْدَرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ علَيْكُم).