من هم عباد الله المخلصين
عباد الله المخلَصين وصفاتهم
وردت كلمة المُخلَصين بفتح اللَّام في مواضع عديدةٍ من كتاب الله، فالله -سبحانه- يستخلص من عباده المؤمنين أُناساً قد اجتمعت فيهم صفات الكمال والتَّقوى، منهم أنبياءُه -عليهم الصَّلاة والسَّلام- ومنهم المؤمنون عموماً، ومن هنا نستنتج وجود درجةٍ أعلى من درجة الإخلاص، وهي الدَّرجة التّي يتحوَّل المسلم فيها من رتبة المخلِصين إلى رُتبة المخلَصين، وهذه الدَّرجةُ لا يصلها إلَّا القليل من المسلمين؛ حيث إنَّ المخلَصين هم الذين أخلصهم الله، واصطفاهم، واختارهم لطاعته، أمّا المخلِصون فهم الذين أخلصوا لله -تعالى- في أعمالهم فعبدوه عبادةً خالصةً، وإنَّ قيام المؤمن بأعماله بإخلاص لا يستلزم رفعته على الذين أخلصهم الله واصطفاهم، وربَّما يجتمع فيه الأمران، فهو مخلِصٌ في أعماله لله بالإضافة إلى أنَّ الله أخلصه واصطفاه واختاره لطاعته.
ولأصحاب الإخلاص الذين أخلصهم الله ميِّزاتٍ ذكرها الله في القرآن الكريم ، وذكرها الرسول -صلى الله عليه وسلم- في سنته الشريفة، وهي:
- الحرص على أعمال الخلوة والخبيئة الصالحة بينهم وبين الله.
- دوام تزكيتهم أنفسهم، ومجاهدتها على موافقة الحقِّ واتّباعه.
- متفانون في محبَّة الله تعالى، والإخلاص له، والخضوع لجلاله في عبادتهم وطاعتهم.
- يستحقُّون المقام الآمن المطمئنَّ بجوار ربّهم تعالى؛ جنَّاتٌ فيها عيونٌ وأنهار، يدخلونها بسلامٍ وأمن، وصدورهم نقيةٌ فارغةٌ من أيِّ حقد.
- يتَّصفون بالتقوى ومراقبة ما يرضي الله تعالى، ويُجنّبون أنفسهم العذاب وأسبابه.
- الإخلاص نيل أعلى مراتب التَّكريم؛ فهم مُختارون، وهم أخيارٌ، حيث أخلصهم الله، واختارهم، واصطفاهم لعبادته ودعوته وولايته.
- الفِطرة الصَّادقة، وسلامة القلب وطهارته واستقامته في استنكار كلِّ ما تنفر منه الفطرة من تصوُّرٍ أو سلوك.
- لا يُفتنون ولا يُضَلُّون؛ لأنّهم من عباد الله المؤمنين الطَّائعين، فطبيعتهم لا تؤهّلهم لأن يستجيبوا إلى الفتنة أو سماع كلام الفاتنين.
- ليس للشَّيطان عليهم سبيلٌ أو سلطانٌ أو تأثير، حيث أقسم أن يغوي النَّاس جميعاً إلّا المُخلَصين، فمداخل الشيطان إلى أنفسهم مغلقة؛ لأنَّهم جرَّدوا أنفسهم لله وحده، واتَّصلوا به وعبدوه حقَّ عبادته، فاستخلصهم الله لنفسه كما أخلصوا أنفسهم لله، وحماهم ورعاهم من إغواء الشَّيطان لهم وتزيين الباطل واشتهائه في نفوسهم.
- مُكَرَّمون في الملأ الأعلى؛ حيث أكرمتهم الملائكة الكرام، وصاروا يدخلون عليهم من كل بابٍ يهنِّئونهم ببلوغ أهنأ الثواب، كما أكرمهم أكرم الأكرمين، وجاد عليهم بأنواع الكرامات من نعيم القلوب والأرواح والأبدان.
- وعدُ الله لهم بنعيمٍ يتقلَّبون فيه في الحياة الآخرة ويستمتعون فيه، وهو نعيمٌ مضاعفٌ يجمع شتَّى أنواع النَّعيم، وتجدُ النَّفس منه كلَّ ما تشتهيه، وقد ذكرت سورة الصافات بعضاً من هذه النِّعم؛ منها أنَّ لهم فواكه يأكلونها، ويُحملون على أكُفِّ الرَّاحة فهم يُخدمون ولا يتكلَّفون جُهداً، بالإضافة إلى أنَّهم يتسامرون فيما بينهم ويتذاكرون الماضي والحاضر، إلى غير ذلك من مظاهر النَّعيم.
- فرارُهم من الشُّهرة، وابتعادهم عن أعين المادحين.
- قبولُهم للحقِّ والرجوع إليه إذا ذُكّروا به.
- استثناهم الله من تذوُّق العذاب الأليم، فاختصَّهم برحمته، وجاد عليهم بلطفه، بل إن كان لهم سيئاتٍ يتجاوز عنها، ويجزيهم الحسنة بعشرة أمثالها.
معنى مُخلَص
إنَّ مادة كلٍّ من الكلمات مُخلصٌ بفتح اللَّام وكسرها، وخالصٌ، وإخلاصٌ، وخلاصٌ هي خَلَصَ، والمعنى الذي تدور عليه هذه المادة هو تصفية الشيء وتنقيته عن الشَّوب والخلط وتهذيبه؛ فقولنا خلص الشَّيء أي سلِم ونجا، وخَلَص الماء من الكدر أي صفا، وخُلاصة الشَّيء ما صفا وهو مأخوذٌ من خُلاصة السَّمن، وخلَّصته أي اخترته وميَّزته من غيره، وخَلَص إلى فلان يعني وصل إليه.
والفرق بين مفردتي الصَّافي والخالص أنَّ الخالص هو ما زالت عنه شائبةٌ بعد أن كانت فيه، أمَّا الصافي قد تُطلق لما لا شوب فيه، فخلص الشَّيءُ خلوصاً إذا كان قد شابه شيءٌ ثمَّ نجا وسلِم، والخلاصُ يكون مصدراً للشَّيء الخالص، وأخلص للّه العمل أي جعله محضاً لله ولم يخلط معه في دينه أحد، فالإخلاص هو التَّوحيد للّه خالصاً، ولذلك قيل لسورة (قُلْ هُوَ اللَّـهُ أَحَد) سورة الإخلاص ، وقوله تعالى: (إِنَّهُ مِن عِبادِنَا المُخلَصينَ)، وقُرئ المُخلِصين، فالمُخلَصون هم المُختارون، والمُخلِصون هم الموحِّدون، والتَّخليص هو التَّنحية من كل ما علق.
والإخلاص من العبد في مقابل الله -عزَّ وجلّ- هو إخلاص النِّية من الشوائب، وتوحيدُه في التوجُّه إليه، والانقطاعُ عمَّا سواه، أمَّا الإخلاص من الله في مقابل العبد هو التَّخليص التَّكوينيُّ واختيار العبد تكويناً من بين سائر العباد على صفاتٍ متميزةٍ، واستعدادٍ خاصٍّ يليق بأن يجعل فيه الرِّسالة وأنوار المعرفة، وهذا المعنى هو المُراد من الآيات الكريمة: (إِنَّهُ كانَ مُخلَصًا وَكانَ رَسولًا نَبِيًّا)، وقوله تعالى: (إنَّهُ مِن عِبادِنَا المُخلَصينَ)، والاعتبار الذي اختيرت عليه مادَّة الخلوص دون مادَّة الاصطفاء، أو الاجتباء، أوالاختيار، أوالامتياز وأمثالها، هي أنّ المُخلَص من الخُلُوص وهو نقاء الذَّات وصفاؤها، أمَّا تلك المواد الأخرى فهي راجعةٌ إلى جهةٍ خارجيَّةٍ وخصوصيَّةٍ زائدةٍ على الذات.
ما يعين على تحقيق الإخلاص
الإخلاص شرطٌ من شروط قبول العمل الصَّالح الذي يُبتغى به وجه الله، وهنا ذكرٌ لبعض الأمور المُعينة للعبد على تحقيق الإخلاص:
- تحقيقُ التَّوحيد لله تعالى، واستشعارُ معنى العبوديَّة لله سبحانه وتعالى.
- مراقبة الله، واللُّجوء إليه بالدُّعاء بأن يجعله من العباد المخلِصين.
- الاهتمام بأعمال القلوب وإصلاحها.
- مجاهدة النَّفس عند رُكونها إلى الكسل والشَّهوات .
- محاسبةُ النَّفس قبل العمل، وأثناء العمل، وبعد العمل.
- اتِّخاذ خبيئة من الأعمال بينك وبين الله، لا يعلمها أحد.
- الاستعانة بطاعة الله من خلال الإكثار من الصيام ، والقيام، وصدقة السِّر.
- إدراك قبح الرِّياء وأضراره على النَّفس في الدنيا والآخرة.
- الزُّهد في مدح النَّاس وثنائهم، وقَطعُ الطَّمع عمَّا في أيديهم.
- قراءة سيرة المخلصين من سلف الأمة، والاعتبار بفلاحهم، ومحاولة الاقتداء بهم.
- الحرص على أعمال القلوب؛ فمعلومٌ أن القلب إذا صلح؛ صلح الجسد كله، وإذا فسد؛ فسد الجسد كله.
- عدم تتبع خطوات الشيطان.